في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية، أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أن بلاده أبلغت الولايات المتحدة ودولا من حلف الناتو، بأن ملف منظومة الدفاع الجوي “S 400” الروسية التي اشترتها تركيا، أُغلِقَ بالنسبة لأنقرة.

من حيث المضمون، فهو يؤكد أن الصناعة الدفاعية والتعاون العسكري، اللذين يشكلان العمود الفقري الرئيسي للعلاقات التركية الأميركية، قد انهار تماما تقريبا، على الرغم من كونهما شريكين في تحالف الدفاع الغربي، “الناتو”. ولكن لماذا تصر تركيا على تعاونها العسكري مع روسيا رغم أنها عضو في حلف الناتو، كون ذلك سيؤدي إلى خسارات لها مرتقبة خلال الفترة المقبلة.

تركيا تتعامل بفلسفة الذرائع

في هذا السياق، المحلل السياسي السوري، درويش خليفة، في حديثه لـ”الحل نت”، استبعد تحجيم تركيا في حلف “الناتو” لأن عدد الجنود الأتراك داخل الحلف يعتبر الأكبر بعد الجيش الأميركي، ولذلك تركيا من خلال كوادرها البشرية داخل “الناتو” تحافظ على مكانة وعلى موقع مهم.

https://twitter.com/b6RxM0HVHARcJKh/status/1509521116263444485?s=20&t=s62heof2cEgisW_xHtO3Ew

ومن ناحية أخرى، يعتقد خليفة، أن تركيا لا تصر على التعاون مع روسيا، بل العكس هي تعارضت معها في ليبيا وفي أرمينيا أبان المعركة التي حصلت في صيف العام الماضي. ولكن تركيا تتعاون مع روسيا فقط في سوريا. ومن خلال مسار أستانا. وبالتالي هذا المسار تم مع تركيا بعد إسقاط الطائرة الروسية.

ويرى خليفة، أن تركيا مضطرة للتعامل مع روسيا ببراغماتية، لأن الاستثمارات الروسية في تركيا كبيرة جدا، وبالذات في منطقة انطاليا و ولاية ألانيا. فتركيا تحاول أن تحافظ على علاقة شبه أفقية مع روسيا بحيث أنه لا تذهب باتجاه روسيا بشكل مطلق. ولا تتعارض معها.

وعليه، يقول المحلل السياسي، إنه في العلاقات الدولية لا يوجد علاقة مطلقة، “يعني ما في صديق دائم ولا في عدو دائم”. إنما براغماتية دون علاقات دائمة. فتركيا لن تخسر باعتقاد خليفة، لكن التعامل مع الدولة التركية الحالية في ظل الحكومة وتوجهاتها الإسلامية تفرض بناء على الموقع الجيو السياسي لتركيا.

ومن جهته، يشير المحلل السياسي الروسي، ديمتري بريجع، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن تصريح القيادة التركية حول صفقة الـ “S 400”، يعني ذلك أن تركيا لن يبقى لها دور مهم في الناتو. إذ إن التعاون مع روسيا يعطي المجال لتركيا لتطوير الكثير من المشاريع أولا العسكرية، وثانيا بما يخص الطاقة. كما أن تركيا تستفيد من الوساطة ومن العلاقات الجيدة بين الطرفين، وهذا يساعد تركيا من تجنب أي مشاكل.

للقراءة أو الاستماع: “صيد اقتصادي ثمين”.. تركيا تبتعد عن روسيا بسبب غزو أوكرانيا

كيف ردت تركيا على الغزو الروسي لأوكرانيا؟

صنفت الحكومة التركية الغزو الروسي لأوكرانيا على أنه “حرب”، مما يمنحها الحق بموجب اتفاقية “مونترو” لعام 1936 في إغلاق مضيق البوسفور – الذي يؤدي إلى البحر الأسود – أمام السفن الحربية. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء ينطبق على أي سفينة بحرية، فمن الواضح أنه يستهدف الأسطول الروسي في حالة سعي موسكو إلى تعزيز القوة النارية التي تمتلكها بالفعل هناك. ويعتبر قرار تركيا، برأي خبراء سياسيين، في أنه على الأقل، قرارا رمزيا مهما في دعم أوكرانيا.

وبرأي الصحفي السوري، عمر الحريري، أنه رغم القيود المفروضة على السفن الحربية في مضيق البوسفور، يبدو من الواضح أن تركيا، مثل دول أخرى بما في ذلك إسرائيل، سعت إلى حل وسط يمكن الدفاع عنه استراتيجيا ولكنه مشكوك فيه أخلاقيا.

ويوضح الحريري، أن تركيا صوتت لصالح قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدين روسيا، إلا أنها لم تفرض عقوبات على روسيا أو تغلق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية. وسارع بعض المراقبين إلى تسليط الضوء على الاختلافات بين السياسة التركية والنهج المؤيد لأوكرانيا من قبل الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وهنا يفسر برأي الحريري، “ضمنيا أن أنقرة تحاول الحصول على كلا الاتجاهين – البقاء ملتزمة خطابيا باستقلال أوكرانيا وعرض التوسط في الصراع بينما تميل نحو روسيا”. وهناك بعض المنطق في ذلك، خاصة بعد شراء نظام الدفاع الجوي الروسي الصنع المعروف باسم S-400.

ويشير الحريري، إلى أنه ومع ذلك، فهو ليس ميلا بقدر ما هو اعتراف بأن مصالح تركيا متشابكة مع روسيا في مناطق حساسة، وأهمها سوريا. ولتحقيق هذه الأهداف، يتعين على المسؤولين الأتراك مراعاة الحساسيات الروسية. لأن موسكو هي أهم لاعب خارجي في سوريا، وبالتالي يمكن أن تعقد العمليات العسكرية لتركيا هناك وتحبط جهودها الدبلوماسية.

الجدير ذكره، أن تركيا سعت إلى توسيع علاقاتها التجارية مع كل من روسيا وأوكرانيا. كما أنها وجهة للسياح الروس ومستورد للنفط والغاز. وبقدر ما تؤثر هذه الحرب على هذه الروابط وترفع أسعار الطاقة، فإن الاقتصاد التركي – الذي يعاني بالفعل من تضخم يصل إلى 50 بالمئة – سيشعر بالتداعيات. كما إن إصرارها على التعاون العسكري مع موسكو سيؤدي  إلى تأزيم وضعها مع الولايات المتحدة وحلف “الناتو”.

للقراءة أو الاستماع: ما خيارات تركيا في حسابات مصالحها بين روسيا وأوكرانيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.