بعد التطورات الأخيرة الحاصلة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، واستعصاء مفاوضات الملف النووي الإيراني، برزت خيارات حول دراسة الأطراف الأوروبية العودة إلى الملف السوري بشكل أكبر، لا سيما بعد وصول قيادة جديدة لألمانيا وتجديد ولاية الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.

تظل مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء المنفردة، ملتزمة بالتسوية السلمية للصراع، ولكن بعد 11 عاما ودعم دمشق لموسكو في غزوها لأوكرانيا، يبدو أن السؤال عما يجب فعله بعد ذلك هو الأكثر إلحاحا، فهل سيكون الاتحاد الأوروبي متفرجا سلبيا في سوريا، يراقب بلا مبالاة تصرفات اللاعبين الدوليين الآخرين مثل روسيا أو الصين أو إيران، أم أنه سيتولى دورا أكثر نشاطا؟ وكيف سيبدو مثل هذا الدور؟

بلورة جديدة للفكر السياسي الأوروبي

مع إعادة الرئيس السوري، توليه رئاسة البلاد بعد انتخابات وصفت بـ”المسرحية” منتصف عام 2021، أكد مسؤولون في الاتحاد الأوروبي، أنه بدون تسوية سياسية، فإن دول الاتحاد، الذي دفع المليارات من أجل مساعدة الشعب السوري، يعارض مساعدة حكومة “منبوذة” بمشروع قانون إعادة الإعمار بمليارات الدولارات، فألمانيا وفرنسا على وجه الخصوص تعتبران عدم وجود تسوية سياسية بالمصالحة الـ “فاشلة”.

السياسي السوري، بسام القوتلي، يؤكد في حديثه لـ”الحل نت”، أن هنالك تغييرات مهمة تحصل في التفكير السياسي الأوروبي، فانتهت القناعة بأن الحروب محصورة بدول الجنوب، وأن الأوروبيين قادرون على حل مشاكلهم سلميا، وأيضا بدأت تتشكل قناعة بأن الدول الأوروبية ليست قوية بشكل فردي، وبأنها بحاجة للعمل الجماهيري.

وبرأي القوتلي، هذا يعكس ما كان يحصل في الفترة الماضية من دفع قوى قومية يمينية لاستقلالية أكبر للدول، والابتعاد عن الاتحاد الأوروبي، كما أنه أعاد القناعة بأن روسيا ليست أقل خطرا من الاتحاد السوفييتي، وأنه لا يمكن بناء علاقات شراكة معه، وينتج عن هذا إعادة إنتاج خطوط الصراع القديمة.

كل هذا طبقا لحديث القوتلي، أدى لإعادة أهمية تركيا بالنسبة للأوروبيين ولحلف “الناتو”، وأدى أيضا لفتح عيون الأوروبيين نحو مخاطر الوجود الروسي في البحر الأبيض المتوسط، لكن هذا التحول بحاجة لوقت حتى يكتمل، فما زال الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية وعلى الحماية الأميركية كبيرا؛ ولذلك فإنه من المبكر الحديث عن سياسة أوروبية في سوريا منفصلة عن القرار والأولويات الأميركية، أو متحدية لروسيا في سوريا، لكن بوادر تغيير فعلي قادمة.

مواجهة روسيا

الصحفي السوري، عقيل حسين، يعتقد أن “الأوروبيين استشعروا فداحة الخطأ الذي ارتكبوه في تخليهم عن سوريا، ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأوا باستكشاف طرق وسبل العودة إلى الملف السوري بالفعل، وهذا دون انتظار من يفوز بالانتخابات التي جرت في كل من ألمانيا وفرنسا”.

وخلال حديثه لـ”الحل نت”، وصف حسين، خيارات هذه العودة أمام الأوربيين بالـ “ضيقة ومحدودة”، وأكد على أنها محصورة بما يتوافق مع الولايات المتحدة، مضيفا “ومن حسن الحظ أن واشنطن تبدي اهتماما أكبر بالملف السوري، وبالتالي إمكانية انخراط أوروبي أوسع، سواء على صعيد الدعم السياسي للمعارضة، أو حتى المساعدات الإنسانية، وبرز ذلك في حجم التبرعات في مؤتمر بروكسل للمانحين، أما عسكريا فهذا يتبع القرار الأميركي”.

إذا نظرنا إلى توقيت العودة الأوروبية للملف السوري، فنجد بكل وضوح أنها مرتبطة بالتغول والجموح الروسي الموجه ضد القارة العجوز، أما ملف الإرهاب وملف اللاجئين فهما قائمين طيلة السنوات الماضية، ولم يسترعيا انتباه الغرب من أجل تغيير الاستراتيجيات المتعلقة بسوريا، ولذلك يرى حسين، أن التحرك الأوروبي فيما يتعلق بالمسألة السورية له وقائع ملموسة، وهو جزء من المواجهة مع روسيا.

الشرق الأوسط على القائمة الأوروبية؟

على الرغم من عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على الانخراط في حل النزاع في سوريا، لم تتجاهل مؤسسات الاتحاد الأوروبي الموقف وحاولت دعم مشاريع مختلفة بنشاط ومواجهة التهديدات المحتملة، مثل أزمة هجرة أخرى أو هجمات إرهابية، وتشير الحقائق إلى أنه بسبب النفوذ المهيمن لدول مثل روسيا وإيران في سوريا، من الصعب تخيل أن دول الاتحاد الأوروبي يمكن أن تنخرط مع دمشق، لا سيما في المجال السياسي.

وحول ما يمكن فعله من قبل القادة الأوروبيون لجعل موقف الاتحاد الأوروبي أكثر إيجابية وفعالية، فيرى المتخصص في سياسة الاتحاد الأوروبي، برزيميسلاف أوسيويتش، أنه يجب على الاتحاد الأوروبي السعي للتوصل إلى اتفاق مع اللاعبين الخارجيين الرئيسيين، لممارسة المزيد من الضغط السياسي على الأسد فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان وتشكيل حكومة انتقالية.

وفي حالة روسيا، يقول أوسيويتش، لمعهد “الشرق الأوسط”، إنه يمكن أن يحدث هذا فقط كجزء من مناقشة أوسع حول عدد من القضايا الخلافية، ولا سيما الوضع في أوكرانيا، لكن في حالة إيران، يتمتع الاتحاد الأوروبي بنفوذ استثماري واقتصادي كبير، سيكون من الممكن تمديد المفاوضات حول البرنامج النووي لتشمل قضية تورط إيران في الصراعات في سوريا.

الجدير ذكره، أنه يوجد ثلاثة أسباب مهمة تجاهلها الاتحاد الأوروبي أو لم يولها العناية الكافية سابقا، أولها أن الشرق الأوسط يشكل مركز تزويد آمِن وقريب للطاقة، ويحقق لها خطتها التي أعلنتها مؤخرا بالاستغناء عن الطاقة الروسية كخطة أمن قومي وليس لأبعاد اقتصادية .

أما الأمر الثاني، بحسب الكاتب والسياسي، باسل معراوي، فقد عانى الاتحاد الأوروبي من مشاكل تدفق اللاجئين من مناطق الصراع الملتهبة في الشرق الأوسط، وسيعاني أكثر إن استمر بسياساته السابقة، ويتوجب عليه الاهتمام بمعالجة أسباب المشكلة وليس نتائجها.

كما يصدر الجوار الأوروبي له مشكلات الإرهاب والتطرف، والتي عانت دول الاتحاد منها كثيرا، ولن تنفع معها الحلول الأمنية الداخلية أو الاشتراك مع الولايات المتحدة بدور شكلي لمحاربتها، إنما ينبغي لها التدخل في حل الأزمات التي تؤدي لذلك وبالتالي تجفيف منابعها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.