بعد أكثر من 6 أشهر على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، سلط تقرير لموقع “أمواج ميديا“، الضوء على تداعيات الغزو على إقليم كردستان العراق، من حيث التأثر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والغذائي.

ويقول التقرير، الذي نشر اليوم الثلاثاء، وتابعه موقع “الحل نت“، إن الغزو الذي قادته روسيا ضد أوكرانيا، أدى إلى عواقب اقتصادية وسياسية واجتماعية واسعة النطاق على العالم أجمع، من دون أن يستثني إقليم كردستان العراق.

ويضيف أن، أسعار المواد الغذائية والوقود قد ارتفعت بشكل كبير منذ اندلاع الصراع في شباط/فبراير الماضي، وأصبحت إمدادات الأدوية المستوردة من أوكرانيا مهددة بالنفاد.

وليس ذلك فحسب، بل أن الطلاب الأكراد، الذين يدرسون في أوكرانيا، اضطروا إلى العودة إلى ديارهم، لافتا إلى أنه ومع مواجهة أوروبا نقصا في الغاز الطبيعي، أدت خطط تصدير الوقود الحيوي من إقليم كردستان إلى تفاقم التوترات السياسية داخل العراق.

ولذلك رجح التقرير، أن يتأثر إقليم كردستان العراق بآثار الحرب الروسية الأوكرانية في المستقبل المنظور، وهي المعرضة دائما لتقلبات الجغرافيا السياسية.

وشهد إقليم كردستان العراق، على غرار الكثير من الأماكن حول العالم والمنطقة على وجه الخصوص، ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل دقيق القمح، وزيت الطهي والأرز والفاصوليا بشكل كبير في الأسابيع التي تلت الغزو الروسي.

وبيّن التقرير، تأثر إقليم كردستان العراق بتقلب أسعار المواد الغذائية عالميا، وبسبب الغزو الروسي، مؤكدا أنه، في شهري يناير/كانون الثاني ومارس/آذار، ارتفع مؤشر أسعار الغذاء الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، “الفاو” بمقدار 24,1 نقطة ليصل إلى أعلى مستوى عند 159,9 نقاط، ولعل ما أدى إلى هذا الارتفاع الكبير، هو الانخفاض العالمي في إمدادات الزيت النباتي والحبوب التي تنتجها كل من روسيا، وأوكرانيا بشكل كبير.

وفي كردستان العراق، على وجه التحديد أُفيد، بأن أسعار الدقيق ارتفعت على أساس سنوي في شهر مارس/آذار بنسبة 20 بالمئة في محافظة دهوك، و13 بالمئة في محافظة أربيل، و39 بالمئة في السليمانية. وفي الوقت نفسه، ارتفعت أسعار زيت الطهي بنسبة 58 بالمئة في دهوك و59 بالمئة في أربيل و16 بالمئة في السليمانية.

اقرأ/ي أيضا: تهديدات نووية عالمية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا 

إقليم كردستان العراق وتداعيات امدادات الطاقة والدواء

وفيما يبدو استجابة لهذه التغييرات، أدرجت وزارة التجارة العراقية في 27 فبراير/شباط المزيد من المنتجات في سلة المواد الغذائية الأساسية كحصص غذائية شهرية تقدمها الدولة، في حين أن رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، حذر في 8 مارس/ آذار، التجار من التلاعب بالأسعار بسبب محدودية القدرة على دعم الأسعار للمستهلكين، وفي الشهر التالي، في 6 أبريل/نيسان، أمر مجلس وزراء حكومة إقليم كردستان بتخفيض الرسوم الجمركية على المواد الغذائية الأساسية لمدة شهرين.

على صعيد أخر، يشير التقرير، إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية هددت بتعطيل إمدادات الأدوية الحيوية، وذلك لأن إقليم كردستان العراق يستورد كمية كبيرة من الإمدادات الطبية من شركات في أوكرانيا، حيث اضطرت عشر منها إلى تعليق أعمالها بسبب الحرب.

وأعلنت حكومة إقليم كردستان، أن لديها مخزونات كافية لكن المستشفيات في محافظة السليمانية كانت تعاني بالفعل من نقص الأدوية قبل الغزو الروسي، وقد يؤثر المزيد من الاضطرابات بشكل خطير على النظام الهش أصلا.

كذلك، ارتفعت أسعار النفط بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وكان لذلك تأثير مضاعف على كردستان العراق، فمن ناحية، تعتمد حكومة إقليم كردستان إلى حد كبير على صادرات النفط المستقلة للحصول على دخلها، ونظرا إلى أن الشركات الروسية، المملوكة للدولة مثل روسنفت وغازبروم منخرطة بشكل كبير في صناعة الطاقة المحلية، أثار ذلك مخاوف بشأن التعرض للعقوبات الغربية على موسكو، ومن ناحية أخرى، ارتفعت أسعار الوقود ما أثّر بشكل سلبي على ميزانيات الأسر.

ووفقا لشركة تسويق النفط العراقية “سومو“، حصدت مبيعات النفط العراقي 11,5 مليار دولار أميركي في حزيران/يونيو، منها حوالي 1,25 مليار دولار أميركي أنتجها إقليم كردستان، ونتيجة لذلك، تلقت خزائن الحكومة في كل من بغداد وأربيل ضخا نقديا إضافيا، على الرغم من أن وضع المالية الكردية، لا يزال محفوفا بالمخاطر.

وتمكنت حكومة إقليم كردستان، في حزيران/يونيو، من توزيع رواتب القطاع العام في الوقت المحدد، وبالكامل من دون مساعدة من الحكومة الفيدرالية بعد أن كافحت لتحقيق ذلك لعدة سنوات.

وتمر الصادرات المستقلة لكردستان العراق، عبر خط أنابيب إلى ميناء جيهان في تركيا، وفي عام 2017، استحوذت شركة روسنفت الروسية على حصة 60 بالمئة من خط الأنابيب، ولشركة غازبروم أيضا مصالح مهمة في كردستان العراق، وإذا توسع نطاق العقوبات الغربية على موسكو، لاستهداف كيانات من دول ثالثة، قد تقع أربيل في ورطة حقيقية.

وقال أحمد حاجي رشيد، العضو السابق في اللجنة المالية في البرلمان العراقي، ممثلا عن جماعة العدل الكردستانية، إن الصادرات عبر خط أنابيب جيهان تراجعت من 420 ألف برميل إلى 360 ألفا يوميا.

اقرأ/ي أيضا: بسبب الغزو الروسي.. تأثر الصادرات النفطية لإقليم كردستان العراق 

تأكيدات

كما أكد وريا حسين حبيب، مدير مؤسسة دور لمعلومات النفط في كردستان العراق، هذا الاتجاه وأوضح، أن الانخفاض بدأ في كانون الأول/ديسمبر 2021 بمقدار 30 ألف برميل يوميًا ليرتفع بعد ذلك إلى 60 ألف برميل يوميا.

وتحدث حبيب، عن سببين لتخفيض صادرات النفط من كردستان العراق، العلاقات الطيبة بين موسكو وبغداد، وتزايد المشاكل بين شركة روسنفت، ووزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان، وأكدت بيانات تصدير النفط للربع الأول من العام 2022 الصادرة عن حكومة إقليم كردستان، في 18 تموز/يوليو هذا التراجع.

وفي حين أن الموارد المالية لحكومة إقليم كردستان، قد تعززت من ارتفاع أسعار النفط، عانى السكان العاديون الذين تعيّن عليهم التعامل مع ارتفاع أسعار الوقود، وفي بداية العام 2021، بيع ليتر الوقود العادي الواحد مقابل 500 دينار عراقي (0,34 دولارا أميركيا) في إقليم كردستان، ليعود فيرتفع إلى 1350 دينار عراقي للتر الواحد (0,93 دولارا أميركيا) في تموز/يوليو 2022، وأثر التراجع الكبير سلبا على السكان ما دفع سائقي سيارات الأجرة، الذين تأثروا بشكل خاص بارتفاع الأسعار للقيام باحتجاجات.

ويتم دعم البنزين في العراق الفدرالي، بشكل كبير إذ يباع مقابل 450 دينار عراقي لليتر الواحد (0,31 دولار أميركي)، وقد شجع هذا الأمر على رواج تهريب الوقود إلى إقليم كردستان من مدن مثل كركوك والموصل، وترسل بغداد الوقود المدعوم إلى مدن في كردستان العراق، لكنه يباع فقط في محطات وقود معينة ما يخلق طوابير طويلة يضطر الناس للانتظار فيها لساعات.

التقرير يلتف أيضا، إلى أنه في حين يمكن اعتبار آثار الغزو الروسي لأوكرانيا، على إقليم كردستان العراق، اقتصادية إلى حد كبير، إلا أنها أدت أيضا إلى تأجيج التوترات السياسية بين الحزبين الحاكمين، الحزب “الديمقراطي الكردستاني” و“الاتحاد الوطني الكردستاني“.

وتكافح أوروبا، اليوم بسبب اعتمادها على الغاز الروسي وهي بصدد البحث عن موردين جدد، وعلى هذه الخلفية، صرح رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان بارزاني، وهو مسؤول كبير في الحزب “الديمقراطي” في 28 آذار/مارس أن أربيل، ستواصل تصدير الغاز بشكل مستقل إلى أوروبا عبر تركيا، وجاء هذا الإعلان بعد اجتماع عقد في 12 آذار/مارس بين رئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في أنطاليا لمناقشة هذا المسعى.

وتقع معظم احتياطيات الغاز في كردستان العراق في أراض يسيطر عليها “الاتحاد الوطني” الذي يتهم الحزب “الديمقراطي” بالاستفادة بشكل غير متناسب من صادرات النفط، وفي محاولة واضحة لبسط نفوذه في هذا السياق، قال زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، في 29 نيسان/أبريل، إن خطة الحزب “الديمقراطي” لن تمر إلا على “جثته“، وفي حين يمكن وصف التعاون بين الحزبين بأنه ضعيف، أدت خطة تصدير الغاز إلى تفاقم المنافسة بينهما.

تداعيات سياسية على إقليم كردستان العراق

المحلل السياسي الكردي، سردار عزيز، قال إن هناك “تطورات سياسية كبيرة، خاصة في ظل تأثير بعض الدول على العراق وإقليم كردستان، فالقادة الأوروبيون مفتونون باحتمالية وجود مصدر جديد للغاز الطبيعي، وتركيا تؤيد خطة الحزب الديمقراطي ومن ناحية أخرى، تعمل بغداد على ممارسة سيطرة أكبر على قطاع الطاقة في كردستان العراق“.

أما إيران، فتعارض خطة الحزب “الديمقراطي” التي من شأنها أن تقوض طموحاتها لتصدير الغاز إلى أوروبا، وقول “أمواج ميديا“، إن مشروع الغاز سيؤثر بشكل مباشر على العلاقات بين حكومة إقليم كردستان، وإيران التي تربطها علاقات وثيقة بروسيا.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن إيران، أطلقت في 13 آذار/مارس صواريخ بالستية على مقر إقامة امبراطور النفط الكردي باز كريم في أربيل، بحجة استهداف “مركز استراتيجي إسرائيلي“، ونظرا إلى أن كريم، مرتبط بشكل وثيق بالحزب “الديمقراطي“، يعتقد بعض المراقبين أن طهران، أرادت ردع أربيل، عن متابعة خطتها لتصدير الغاز.

إلى جانب الآثار الاقتصادية والسياسية التي تكبدها إقليم كردستان العراق، تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في خسائر بشرية، فكثيرا ما يسعى الطلاب من إقليم كردستان للحصول على درجات علمية في جامعات في أوروبا، حيث يوجد 200 منهم في أوكرانيا وفقا لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة إقليم كردستان، وفي حين لا يختلف اثنان على أن دراستهم تعطلت بسبب الحرب، فالكثير منهم يخشون أيضا على سلامتهم، بحسب التقرير.

ويؤكد أنه، بعد يومين من الغزو الروسي في 24 شباط/فبراير، أكدت وزارة التعليم العالي في حكومة إقليم كردستان، أن المسؤولين تواصلوا مع وزارة الخارجية العراقية لإعادة الطلاب إلى الوطن على أن يتمكن هؤلاء من مواصلة دراستهم في جامعات كردستان العراق، وفقا لعضو برلماني من الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد.

ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، من المتوقع أن تتفاقم الآثار الاقتصادية والسياسية الاجتماعية على كردستان العراق، وعلى الرغم من أن بعض تلك الآثار إيجابية، مثل الفوائد المالية التي يعود بها ارتفاع عائدات النفط على حكومة إقليم كردستان، إلا أن معظمها سلبي ويؤثر على المواطنين العاديين الذين يحاولون الحصول على قوت يومهم، وتأمين الغاز في خزاناتهم من دون أن ننسى الطلاب الذين تعطلت دراستهم.

اقرأ/ي أيضا: مبادرة رئيس إقليم كردستان العراق.. هل تنهي صراع الصدر والإطار؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.