من الأمور الروتينية في سوريا أن تنهي الحكومة مشروع الموازنة العامة للدولة في موعد أقصاه الشهر الثامن أو التاسع قبل عرضه على رئيس الدولة، الذي يرسله بدوره إلى مجلس الشعب للنظر فيه قبل إعادته إلى الرئاسة لإصداره بمرسوم قبل نهاية العام، لكن ما كان غير متوقع هذه المرة هو تنبأ الحكومة لسعر صرف جديد لليرة السوري، بارتفاع 20 بالمئة عن سعر الصرف الحالي، ما يشير إلى تراجع الليرة خلال العام المقبل.

الدولار بـ3000 ليرة

الميزانية الجديدة، بحسب ما أورده موقع “أثر برس” المحلي، اليوم الخميس، تضمنت جميع أشكال التمويل القائمة للتكاليف الإدارية، واستثمارات المشاريع، والمشاريع الجديدة أو الجارية، والمرتبات، والنفقات، وغيرها من أشكال التعويضات.

اللافت في الأمر، هو تحديد مجلس الوزراء في الموازنة العامة للدولة لعام 2023 أسعار صرف الدولار الأميركي بـ 3000 ليرة سورية، واليورو ب 3041 ليرة سورية، على أن يسري هذا القرار في الأول من كانون الثاني/يناير 2023.

تأثير هذا القرار على واقع الاقتصاد السوري، يراه الخبير في الاقتصاد، سنان ديب، أنه وفقا للسياسة النقدية فالميزانية هي بند تقريبي قابل للقياس الكمي لمدة سنة، يوضع فقط من أجل تقدير حجم المستوردات.

وقال ديب، لم يتحقق أي نجاح في توقع سعر الصرف أو الإبقاء عليه على مدى السنوات الماضية، “نلاحظ أن سعره اليوم في السوق السوداء هو 4200 ليرة، ومن أجل دعم العديد من السياسات التي لا تعكس الحقائق الاقتصادية، فإن الأمر يتطلب مكافحة عجز كبير في الميزانية”.

وتابع ديب، “لا توجد لدينا مسؤولية اقتصادية، وكأنه لا يوجد من يراقب الفريق الاقتصادي فالأرقام كأنها تمر بلا استشارية، ودون أن توجد قراءة واقعية للحالة السورية لاستنباط الحلول، ولا يوجد اختيار صحيح للإدارة بحيث تكون قادرة على دراسة الواقع وإيجاد العلاج”.

كيف سيؤثر القرار على المواطنين؟

رغم أن نسبة التفاؤل كانت كبيرة في تصريحات الحكومة السورية فيما يتعلق بموازنة العام 2022، إلا أن نسبة العجز التي بلغت قرابة نصف الموازنة، وازدياد معدلات التضخم، وقفزات الليرة السورية الموسعة نحو الانهيار، زاد من هموم المواطن السوري وفاقم متاعبه المعيشية والخدمية.

وفيما سجلت الموازنة الفائتة 3.8 مليار دولار، بزيادة تقرب من 30 بالمئة عن موازنة العام الماضي، يتساءل مراقبون عن الكيفية التي ستقوم من خلالها الحكومة بتمويل الموازنة الجديدة للعام القادم، مرجحين استمرار تنفيذ نفس الإجراءات السابقة التي اعتمدتها الحكومة في تمويل موازنات الأعوام الثلاثة الماضية، والتي تمثلت بمصادرة جزء من أموال رجال الأعمال والصناعيين، بحجة التهرب الضريبي.

يذكر أن موازنة عام 2022 بلغت 13,325 مليار ليرة سورية، أي ما يُعادل 5,3 مليار دولار وفق سعر الصرف الرسمي المحدّد حينها بـ2512 ليرة مقابل الدولار.

ومنتصف شهر آذار/مارس الفائت، حدد مصرف سوريا المركزي سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار بـ2814 ليرة للدولار الأميركي الواحد، كما تم تحديد سعر صرف الليرة مقابل اليورو بـ3051 ليرة سورية لليورو الواحد، أما بالنسبة لنشرة البدلات، فبقي سعر الصرف محددا بـ2525 ليرة سورية للدولار الأميركي الواحد.

سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية في السوق السوداء، سجل خلال تداولات اليوم الخميس، ارتفاعا جزئيا في عموم المحافظات السورية، حيث بلغ سعر شراء 4240، وسعر مبيع يبلغ 4280 ليرة للدولار الواحد، بمدى يومي بين 4270 و4280 ليرة.

وهذا يعني بحسب حديث الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، لـ”الحل نت”، أن سعر الصرف سيرتفع بنحو 20 – 30 بالمئة العام القادم، ما يوحي بأن جميع الأسعار في سوريا سترتفع الضعف عن العام الحالي، مضيفا “وهي كارثة تستبق الحكومة حصولها”.

سياسة اقتصادية متناقضة

رغم الرقم الكبير المخصص في الموازنة العامة للدعم الاجتماعي والذي يبلغ حوالي 1.5 مليار دولار، مقارنة بـ 1.2 مليار دولار في عام 2021، أي بزيادة تقدر ب 25 بالمئة، تتخذ الإجراءات التي تتبعها الحكومة عقب الإعلان عن الموازنة منحى آخر، يغاير ما تم الإعلان عنه.

وتشير التصريحات الحكومية إلى وجود نية لاستمرار إلغاء الدعم الحكومي للمواد الأساسية عن المواطنين، لا سيما وأن القائمة السابقة للمحرومين من هذا الدعم شملت هذا العام: التجار من الفئة الأولى والثانية، إضافة لكبار ومتوسطي المكلفين بالضرائب من وزارة المالية، والمحامين الذين يمارسون المهنة منذ أكثر من 10 سنوات، وكذلك الأطباء المتمرسين، والمديرين والمساهمين في المصارف الخاصة، والمساهمين في الشركات المدرجة في أسواق الأوراق المالية.

الكاتب الصحفي، إياد الجعفري، في حديث سابق لـ”الحل نت”، قال: إن الزيادة الحاصلة في بند الدعم الاجتماعي تدفع للتساؤل عن كيفية تمويل هذه الزيادة. ويضيف بأن “الجواب جاء سريعا حينما أصدرت دمشق موجة جديدة من قرارات رفع أسعار حوامل الطاقة، حيث رفعت سعر أسطوانة الغاز المنزلي المدعوم بنسبة 130 بالمئة، وسعر الغاز الصناعي المدعوم وصولاً إلى أكثر من 300 بالمئة، كما رفعت تكلفة الكهرباء بنسب تتراوح ما بين 100 بالمئة و800 بالمئة، باختلاف شرائح الاستهلاك”.

ويعتقد الجعفري، ومراقبون آخرون أن موجة قرارات رفع الأسعار في سوريا، جاءت استمرارا لنهج الرفع التدريجي للدعم، والذي بدأت الحكومة السورية بانتهاجه منذ سنتين، ووصل مستويات غير مسبوقة خلال العام الجاري، من خلال موجة رفع الأسعار في تموز/يوليو الفائت، حينما رفعت الحكومة سعر السكر المدعوم بنسبة 25 بالمئة، والخبز المدعوم بنسبة 100 بالمئة، والمازوت بنسبة 170 بالمئة.

ومن المتوقع، أن تستمر الحكومة السورية في اعتماد ذات السياسات التي اعتمدتها خلال العام الجاري، لتمويل العجز في الموازنة بشكل عام، من ذلك الجباية الضريبية الفوضوية، التي كانت سببا في مغادرة مئات وربما آلاف الصناعيين والتجار لسوريا، خلال العام 2021.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.