في محاولتها لإفشال مسار عملية الانتقال السياسي للسلطة في سوريا، في إطار القرار الدولي رقم 2254، تسعى روسيا لتجهيز وفد معارض بعيدا عن مؤسسات المعارضة الرسمية المعترف بها دوليا، للتفاوض مباشرة مع دمشق، ما قد يهدد كل المسارات الأخرى سواء في جنيف بشكل عام أو مسار اللجنة الدستورية، فما هي نتائج الخطوات الروسية وانعكاساتها على الحل السياسي في سوريا؟.
لقاء في موسكو
النائب السابق لرئيس هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية خالد المحاميد، كشف عن لقاء نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف منذ أيام، مع وفد من المعارضة مؤخرا في موسكو لطرح “إجراء مفاوضات مباشرة بين المعارضة والحكومة السورية في دمشق بمشاركة كل من يرغب بالحوار دون شروط مسبقة وتحت سقف قرار مجلس الأمن 2254، وبضمانات أممية”.
أضاف المحاميد في تصريحات نقلتها صحيفة “المدن” اللبنانية الجمعة، أن الخطوة تنتظر موافقة دمشق. معتبرا أن انعقاد المفاوضات في دمشق “من شأنه تسريع الحل السياسي وفق القرار الأممي” 2254 حسب قوله.
عضو الهيئة السياسية بالائتلاف الوطني السوري يحيى مكتبي، يرى أن عمليات التفاوض بين الحكومة السورية والمعارضة، يجب أن تتم عبر الطرق الرسمية، في هيئة التفاوض وفق القرارات الدولية وخاصة بيان جنيف واحد والقرار وفق القرارات الدولية وخاصة بيان جنيف 1 والقرار 2254.
ويقول مكتبي في حديث خاص مع “الحل نت”: “هناك طرفان للمفاوضات هما هيئة التفاوض والنظام السوري، وهذا محل إجماع دولي وضمن القرارات والأطر الدولية، فلا يحق لأحد تغيير هذه المعطيات”.
ويعتقد مكتبي أن اجتماع وفد من المعارضة مع موسكو بشكل منفرد، هو محاولة للالتفاف على مسارات التفاوض والحل السياسي في سوريا، مشيرا إلى أن دمشق لم تمض في تنفيذ أي من بنود القرارات الدولي المتعلقة بتقدم العملية السياسية في البلاد.
قد يهمك: قصة رفعت الأسد.. من الانقلاب إلى الهروب فالسجن
وحول ذلك يضيف: “من يريد أن يفاوض النظام بمفرده فيمكنه أن يفعل ذلك و يتحمل نتائج خياراته، النظام السوري لم يطبق أي بند من بنود القرارات الدولية بما فيها البنود المتعلقة بالقضايا الإنسانية كإطلاق سراح المعتقلين، بل سعى مع حلفائه للمماطلة و التلاعب وإضاعة الوقت”.
ويختم مكتبي حديثه بالقول: “بالمجمل ذاهب وفد من هنا أو هناك للتفاوض مع النظام بعيدا عما تم الاتفاق عليه دوليا، لن يقدم و لن يؤخر ولن يغير في جوهر العملية السياسية وهو إنجاز انتقال سياسي وفق القرارات الدولية”.
محاميد تحدث أيضا عن مسألة التقارب التركي مع دمشق بالقول: “تركيا جزء من مسار أستانة، ولها دور أساسي في الملف السوري، ومن دون التوافق التركي لن نصل إلى حلّ في سوريا، وبالعموم اللقاءات تجري بين دمشق وأنقرة بوساطة إيرانية”.
ورغم حديث الخارجية الروسية عن حضورها، أعلنت “منصة القاهرة” للمعارضة السورية، عدم مشاركتها في اجتماع موسكو، وقال منسق المنصة فراس خالدي في بيان: “نستغرب اقحام اسم المنصة بين المشاركين، ونستنكر انتحال البعض صفة تمثيل المنصة ممّن لا تربطهم بها أي روابط، وذلك في نفي لادعاء الخارجية الروسية تمثيل المنصة من خلال مشاركة خالد المحاميد”.
وأضاف الخالدي “نؤكد نحن أعضاء منصة القاهرة التزامنا بدعم الجهود السياسية من أجل تحقيق انتقال سياسي حقيقي عبر التطبيق الكامل لبيان جنيف 1 والقرارات الدولية ذات الصلة بالحالة السورية وعلى وجه الخصوص القرار 2254”.
ويرى محللون أن نتائج “إيجابية” لا يمكن تحقيقها، من الخطوات الروسية الرامية لإفشال العملية السياسية، التي تقضي بانتقال سياسي للسلطة، في حين تحاول موسكو استغلال رغبة تركيا في التطبيع مع دمشق للضغط على المعارضة.
فيتو أميركي
العائق الأبرز أمام أنقرة للتطبيع مع حكومة دمشق قد يتجلى في الرفض الأميركي لأي خطوة تركية في التقارب مع دمشق.
وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل للصحفيين، قبل أسابيع إن “تركيا حليفا مهما في الناتو ولعبت دورا أساسيا في الاستمرار في تحميل روسيا المسؤولية عن أعمالها الوحشية في أوكرانيا“.
وأضاف: “لكن لكي نكون واضحين، لن تعرب الإدارة الأميركية عن أي دعم لجهود تطبيع بشار الأسد أو إعادة تأهيله، ولا تنوي الولايات المتحدة رفع مستوى علاقاتنا الدبلوماسية مع الأسد ولا ندعم تطبيع العلاقات بين الدول الأخرى أيضا“.
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، رأى أن الولايات المتحدة ستستمر في عدم دعم أي جهود لعودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، لا سيما وأن الأخيرة تهدف للتعاون مع دمشق، في ملف قوات سوريا الديمقراطية شمال شرقي سوريا.
وقال علوش في حديث سابق مع “الحل نت“: “تركيا لا تتحدث عن رغبتها في إعادة العلاقات مع دمشق بشكل طبيعي، بل الدخول في حوار سياسي مع النظام من أجل معالجة هواجسها الأمنية على الحدود السورية التركية، ودفع عملية التسوية السياسية“.
ويعتقد علوش أن تقاربا لا يمكن أن يحصل بين أنقرة ودمشق في المدى المنظور، وذلك بالنظر إلى الإشكاليات الكبيرة والمعقدة، التي تواجه إحداث تحوّل ملموس وفعلي في العلاقة بين أنقرة ودمشق.
وحول ذلك أضاف: “لكل طرف دوافع وأهداف وأولويات مختلفة في أي تغيير في العلاقات، ويحرص على تحقيقها قبل منح ما يُريده الطرف الآخر، لكن هذا الاختلاف يُديره مسار تفاوضي، سواء كان هذا المسار بعد إعادة التواصل السياسي بين أنقرة ودمشق أو من خلال القنوات الخلفية والوسطاء“.
وبحسب تقرير “المدن”: “ولا يقدم الاجتماع الأخير الذي جاء بدعوة من الخارجية الروسية أي جديد لأن موسكو استقبلت هذه الشخصيات أكثر من مرة، لكن توقيته يبعث بإشارات إلى الائتلاف المتخوف من أن تعيد أنقرة صياغة علاقتها به مع مضيها في التقارب مع دمشق”.
وساهمت روسيا بإفشال العديد من مسارات العملية السياسية في سوريا، فمسار “أستانا” الذي صنعته روسيا قبل سنوات، اختتم قبل ثلاثة أشهر محادثاته الـ18، دون أن تأتي الدول الضامنة بأي جديد من شأنه الدفع بالعملية السياسية في سوريا، فأكد البيان الختامي كعادته، على بذل المزيد من الجهود لضمان استقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد بمنطقة إدلب السورية.
السياسية والباحثة الأكاديمية، وعضو اللجنة الدستورية السورية، الدكتورة سميرة مبيّض، ترى أن الاستعصاء السياسي في الوضع السوري، ناجم عن تدويل القضايا السورية وربطها بقضايا متعددة المحاور المتصارعة فيما بينها، مما يعيق ويعطل الوصول لحل سياسي سوري.
وقالت مبيّض في حديث سابق لـ“الحل نت“: “أعتقد أن الملف السوري بحالة ديناميكية مستمرة طغى عليها الطابع العسكري المتعدد المحاور. اعتبار الأراضي السورية موقعا لتفريغ حمولات الصراعات الإقليمية، وبين إيران ودول الخليج وإسرائيل وبين صراعات داخلية تركية وغيرها جميع هذه العوامل تفضي لمسار سياسي عدمي“.
وتعتقد مبيض أن مسار الحل الوحيد هو بتحييد سوريا عن كافة الصراعات واعتبارها فضاء جغرافي محايد عن صراعات دول الجوار، بحكم التعددية التي تتسم بها البنى الثقافية والمجتمعية ضمنها.
ودعمت اعتقادها بالقول: “يتطلب ذلك تأسيس دستور سوري ناظم للدولة الحديثة بما يجعلها قابلة للاستمرارية والحياة المستقرة، وليس اصطناع بؤر صراع وتفريغ للاسلحة والارهاب كما هو الحال عليه اليوم للاسف“.
قد يهمك: كيف سينتهي سيناريو القصف الإسرائيلي للمطارات السورية؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.