يبدو أن الأزمة السياسية العراقية، تأبى أن تنتهي، فما أن يلوح في الأفق بصيص من الأمل، حتى تخرج إشكالية أخرى تعقد المشهد أكثر ولا تترك المجال لحلول قريبة، وآخرها كركوك.

الجديد في أزمة تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، هو إدخال كركوك ضمن شروط تشكيلها، فلا مضي بخطوات تشكيل الحكومة دون حسم ملف بارز ضمن صراع الإرادات والمناصب، الذي لا تبتعد عنه كركوك.

“الاتحاد الوطني الكردستاني”، أعلن اليوم الاثنين، شرطه للمشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، والشرط يتعلق بمنصب محافظ كركوك المتنازع عليه مثلما هناك تنازع على كردستانية أو عروبية المحافظة الشمالية.

منصب المحافظ أولا

مسؤول الهيئة العاملة في المكتب السياسي لحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني”، آسو ممند، ذكر في تصريح لوسائل إعلام كردية، أن قرار رئيس الحزب، بافل طالباني، هو أن “الاتحاد” لن يدخل في أي مفاوضات، لا تتضمن الحصول على منصب محافظ كركوك.

ممند أردف: “لقد أبلغنا جميع الأطراف بوضوح أن تطبيع الوضع في كركوك والمناطق المتنازع عليها، هو قضية وطنية قومية بالنسة لنا وغير قابلة للمساومة (…) ومنها منصب محافظ كركوك”.

بافل طالباني

وتعد كركوك محافظة متنازع عليها بين الحكومة الاتحادية في بغداد، التي تعدها عربية وضمن العراق الاتحادي، وبين إقليم كردستان العراق، الذي يعتبرها كردستانية ويطالب بضمها إلى الإقليم.

كانت كركوك ذات أغلبية كردية، لكن النظام السابق بقيادة صدام حسين، قام بحملة تعريب كركوك، بتهجير كردها وتسكين العرب فيها، في تغيير ديموغرافي لا أحد يمكنه نكرانه.

بعد سقوط نظام صدام حسين في ربيع 2003، قام إقليم كردستان بتهجير عرب كركوك وإعادة الكرد لها، في محاولة منه لتأكيد كردستانية كركوك، والنتيجة اليوم، وجود 3 قوميات فيها، الكرد والعرب وهم أغلبية، والتركمان، وهم أقلية.

حل مشكلة كركوك، ضمنها الدستور العراقي الدائم لعام 2005، عندما خصص المادة 140 منه لحسم عروبية أو كردستانية كركوك، في مدة زمنية أقصاها عام 2007، عبر إجراء إحصاء سكاني لسكنة المحافظة، لكن الصراعات السياسية لم تترك الأطراف المتنازعة من تنفيذ تلك المادة حتى اليوم.

صدام مسلّح

منصب محافظ كركوك، كان من نصيب الكرد حتى عام 2017، عندما أجرى إقليم كردستان استفاء الانفصال عن العراق، فتحرك رئيس الحكومة العراقية الأسبق، حيدر العبادي لإبعاد الأمن الكردي من المحافظة، ومنح منصب المحافظ للعرب، ولا يزال المنصب لهم منذ ذلك الوقت.

فيما يخص الأزمة السياسية المتعلقة بتشكيل حكومة عراقية جديدة، فقد اشتدّت وتيرتها في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

وشهدت العاصمة العراقية بغداد، في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

وسقط جراء العنف المسلح 37 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

تأتي الأزمة السياسية العراقية، نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

تبخر مشروع الصدر

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

كركوك

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.