“عاجزون عن شراء نصف كيلو”، هذه المعلومة يقولها رب إحدى العوائل في سوريا، رغم إعلان دمشق عن تصدير نحو أكثر من 9 آلاف طن، من الخضر والفواكه كالبطاطا والبندورة والبطيخ وغيرها من الفواكه إلى الخليج، فعلى مدى الأشهر السابقة اشتكى المستهلكون من ارتفاع أسعار الخضار والفواكه في الأسواق بشكل غير مسبوق وغير مبَرّر.

يتساءل ظافر الحريري، عن السبب الحقيقي وراء الزيادة في الأسعار التي جعلته يشتري الفواكه بالحبة، وفشل السلطات التنظيمية في تحديدها، فحتى أجوبة الحكومة على مدى الأشهر الماضية لم تكن مقنعة له، حيث تمحورت جميعها حول تداعيات الحرب في أوكرانيا، أو “جشع” بعض التجار وغياب الجهات الرقابية، أو انخفاض المعروض من بعض الأصناف إلى عوامل الطقس، بما في ذلك موجة الصقيع التي أثّرت على سوريا خلال فصل الشتاء وألحقت أضرارا بالمزارع الكبيرة، وإلى درجات الحرارة المنخفضة التي أثّرت على إنتاج بعض الأصناف.

أسعار الخضار والفواكه في سوريا، تشهد منذ مطلع الصيف الحالي ارتفاعات متتالية وغير مسبوقة، حتى باتت تشكل عبئا على السوريين الذين أصبحوا يلجأوون للشراء بالحبة، فالعديد من أصناف الخضار والفاكهة، شهدت ارتفاعات دورية خلال الأسابيع الماضية، رغم أن بعضها في ذروة موسمها. الارتفاع الذي وصل إلى حدّ باتت تلك المواد تشكل عبئا إضافيا على المواطنين.

حمّى الحياة

“كيف بدنا نعيش؟” هو السؤال الذي تطرحه زوجة الحريري، بشكل يومي عليه، بحسب ما ذكره لـ”الحل نت”، فارتفاع أبسط مقومات الحياة الإنسانية والغذائية الدورية له ولأطفاله لا يكاد يدخل بيته منذ مدة، لا سيما بعد صدور قرار الحكومة السورية بزيادة ودعم تصدير البندورة والخيار بنسبة 10 بالمئة، الأمر الذي زاد من تخوّف المستهلكين من ارتفاع أسعارها، كما ورأى المزارع أن هذا القرار غير مجدٍ، وتأتي هذه المخاوف وسط ارتفاع الأسعار خلال الفترة الحالية، نتيجة ارتفاع سعر البنزين بنحو 130 بالمئة، وهو ما أثّر بدوره على باقي مفاصل الحياة اليومية المتعلقة بالجانب الاقتصادي في سوريا.

رغم التغيرات المناخية التي أثرت على إنتاج المحاصيل الزراعية في سوريا، إلا إن الأسعار في دكاكين الخضراوات والفواكه لا تزال ترتفع. يقول الحريري، “كل يوم أشعر بصدمة عندما أرى ملصقات الأسعار في أقسام الخضر والفواكه، والآن بدأت أسعار المنتجات الطازجة في الارتفاع أيضا بعد فتح باب التصدير”.

وفقا لما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الثلاثاء، وصل سعر كيلو البندورة 2500 ليرة سورية، خلال الأيام السابقة، وكيلو البطاطا إلى 2800 ليرة. وكيلو الباذنجان بحدود 800 ليرة، وكيلو الكوسا تجاوز سعره 3 آلاف ليرة. أما الجزر فقد وصل سعر الكيلو 2000 ليرة، أما الفليفلة وصل سعرها إلى 1800 ليرة سورية، في حين تم تسعير التفاح حوالي 2500 ليرة.

ضعف في القوة الشرائية

يبدو أن حكومة دمشق عاجزة عن القيام بأية إجراءات من شأنها ضبط الأسعار في الأسواق السورية، بعدما جرّبت آليات عديدة وأصدرت عشرات التعاميم، التي لم يكن لها أية آثار إيجابية على المواطن والأسواق.

عضو لجنة تجار ومصدري الخضر والفواكه بدمشق، محمد العقاد، قال لـ”الوطن” المحلية، إن حركة البيع والشراء في سوق الهال تعتبر ضعيفة حاليا، مرجعا السبب لضعف القوة الشرائية للمواطن مع ارتفاع أسعار المواد بشكل عام، مبيّنا أن حركة البيع والشراء انخفضت بنسبة تصل إلى 50 بالمئة، عن الفترة السابقة وأن الإقبال على موسم المكدوس لهذا العالم ضعيف غير أن المبيعات في سوق الهال ليست ثابتة.

لا ينكر تاجر الخضار عمار المسالمة، أن حركة الأسواق ضعفت خلال الأسبوع الفائت، مرجعا ذلك لعدة أسباب قهرية خصوصا فيما يتعلق بالأسر محدودة الدخل، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الخضار والفواكه من نوع القطفة الأولى بسبب جودتها وإمكانية تصديرها.

حديث المسالمة، أكده العقاد، بأن الصادرات إلى دول الخليج والعراق تتحسن ولم تتراجع، مضيفا، “يوميا لدينا نحو 50 برادا محملا بالخضر والفواكه المتنوعة تذهب إلى دول الخليج والسعودية”. وبالأرقام لفت، إلى أنه ما بين 17 إلى 23 أيلول/سبتمبر الجاري، تم تصدير نحو أكثر من 9 آلاف طن من الخضر والفواكه كالبطاطا والبندورة والبطيخ وغيرها من الفواكه.

إعادة التصدير، جاءت بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس، مطلع آب/أغسطس الماضي، على توصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة تكليف المؤسسة العامة للصناعات الغذائية، باستكمال الخطوات التنفيذية للاتفاق المبرم مع الاتحاد العام للفلاحين واتحاد غرف الزراعة السورية، لاستجرار أكبر كمية ممكنة من محصول البندورة في محافظات الإنتاج، وفق الطاقات الإنتاجية المتاحة للتصنيع ووفق آلية التوريد المعمول بها.

وبحسب توصية رئاسة الحكومة، فإن هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، ستعمل على إطلاق برنامج دعم شحن تصدير مادتي البندورة والخيار، خلال الشهرين القادمين، وذلك بنسبة 20 بالمئة، من أجور الشحن إلى جميع الدول، وفق آلية واضحة ومحددة يتم إعدادها بالتنسيق مع الجهات المعنية.

القطع الأجنبي أهم؟

الأسواق السورية بشكل عام تشهد ارتفاعا كبيرا وخاصة أسعار الخضار والفاكهة والسلع الغذائية، وغيرها من المواد الأساسية المعيشية، ويرى الخبراء، أن السبب في ذلك يعود إلى قرارات حكومية غير مدروسة، وسط غياب أي دور حكومي أو رقابي، ما حوّل الأسواق إلى فوضى، وزاد من استغلال التجار واحتكارهم للمستهلكين.

عضو غرفة تجارة دمشق، ياسر اكريم، أشار اليوم الثلاثاء، إلى إنه ما دامت سياسة التسعير المتّبعة خاطئة فلن نصل إلى حل، لافتا إلى أن ارتفاع الأسعار مشكلة مركّبة تشترك فيها جميع الجهات صاحبة القرار وليس جهة واحدة؛ النقل، رفع الطاقة وقلة المواد، ورفع الكهرباء، الأسمدة، كلها مجتمعة تؤدي لرفع الأسعار، كذلك المنافسة هي الجزء الأساسي من عملية تخفيض السعر، الأمر الذي يترافق مع ضبط عمليات الغش.

الحل برأيه، عند أصحاب القرار الذين عليهم أن يعترفوا بأن تأمين المواد سوف يساهم في تخفيض الأسعار مباشرة مثلا تأمين الأسمدة وتخفيض أسعار الطاقة، مع التأكد من وفرة المواد.

وذهب اكريم، إلى أنه يجب ألا يتم البحث عن تخفيض للسعر وإنما زيادة الدخل وليس بالضرورة زيادة الرواتب، منوها إلى أن رفع الدخل أهون وأفضل من تخفيض الأسعار، لذلك لابد من العمل بشكل جدي لإقامة مشاريع جديدة تؤدي إلى تحسين مستوى معيشة المواطن، لأن بقاء الوضع على ما هو عليه هو ضعف للاقتصاد الوطني بشكل عام.

وعن موضوع التصدير، أضاف، إن التوجه إلى التصدير ضروري لتحسين الموارد والقطع الأجنبي، لكن يجب عدم التوجه إلا إلى التصدير الفائض عن حاجة المواطن السوري وليس ما يحتاجه المواطن.

غض البصر أو الشراء بالحبة

بات استمرار ارتفاع الأسعار في سوريا مصدر قلق يؤرق يوما بعد يوم غالبية السوريين، في الوقت الذي لم تعد شريحة كبيرة من المواطنين قادرة على مجاراتها، ودون أن يكون هناك أي دور حكومي حقيقي يوقف ما يجري، أو يخفف منه على الأقل.

في المقابل، كشف عدد من المواطنين في وقت سابق لوسائل الإعلام المحلية أنهم إذا تجرؤوا على الشراء فهم يشترون ربع كيلو من نوعين أو ثلاثة أنواع من الفاكهة، وأن القادر منهم يشتري نصف كيلو من كل نوع بأحسن الأحوال. كما أكدوا أن ما يشترونه هو لاستهلاك الأسرة وليس للضيوف، الذين تقتصر ضيافتهم على القهوة أو الشاي أو عصير مجفف/بودرة فقط.

صحيفة “تشرين” المحلية، أفادت في تقرير نشرته الشهر الفائت، بارتفاع وتيرة فوضى أسعار الخضار والفواكه في سوريا، عبر اختلاف التسعيرة بين سوق وآخر في دمشق، مشيرة إلى أن سعر كيلو الليمون ارتفع خمسة آلاف ليرة سورية خلال الشهر ذاته حتى وصل إلى 17 ألف ليرة سورية، فيما يتم شراؤه بالحبة في بعض الأسواق.

الجدير ذكره، أن زيادة الأسعار أتت بالتزامن مع بدء موسم التخزين الذي اعتاد السوريون خلاله على تخزين أصناف مختلفة من الخضروات والفواكه الموسمية كالملوخية والبامية والمشمش والباذنجان، تحضيرا لفصل الشتاء، وأدت الزيادة الكبيرة في الأسعار هذا العام إلى عزوف الكثير من السوريين عن هذا التقليد السنوي.

وباتت شريحة كبيرة من السوريين تعاني من عدم قدرتها على تأمين قوتها اليومي في ظل الفجوة الكبيرة بين الأجور وأسعار السلع المختلفة، حيث لا يتجاوز متوسط الرواتب في القطاعين العام والخاص حدود 150 ألف ليرة (35 دولارا).

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.