عام من الأزمة السياسية العراقية التي خلّفتها الانتخابات المبكرة الأخيرة، يبدو أن الوقت قد حان لتذويبها ونهايتها نحو تشكيل حكومة جديدة، لكن هل يمكن ذوابنها فعلا أم أنها مجرد محاولات؟

لم يسمع أي صوت للمعارض لفكرة تشكيل حكومة جديدة توافقية محاصصاتية، ألا وهو زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، سواء منه شخصيا أو من وزيره صالح محمد العراقي، منذ 3 أسابيع. الصمت سيد الموقف.

طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية التي التزم فيها الصدر الصمت، تحرك خصمه “الإطار التنسيقي” على حلفاء زعيم “الكتلة الصدرية” سابقا، الكرد والسنة، وأعلنوا مطلع هذا الأسبوع، عن تشكيل “ائتلاف إدارة الدولة” معهم.

أمس الاثنين، أكد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، أن التحالف الثلاثي مع الصدر انتهى بعد انسحابه من البرلمان والعملية السياسية، وأن شكل الحكومة تحول من الأغلبية إلى التوافقية، بما يعني المضي لتشكيل حكومة جديدة.

البرلمان العراقي

غدا الأربعاء، سينعقد البرلمان مجددا، بعد قرابة شهرين من الانغلاق، منذ تظاهرات الجمهور الصدري أمامه ونهايتها بتوجيه من الصدر لهم بالانسحاب من المنطقة الخضراء، نهاية شهر آب/ أغسطس المنصرم، وإعلانه اعتزال الحياة السياسية.

حكومة “الإطار” قادمة؟

عودة البرلمان غدا، ستشهد التصويت على انتخاب نائب أول لرئيس البرلمان خلفا للمستقيل، القيادي في “التيار الصدري”، حاكم الزاملي، وسيكون المنصب من حصة النواب المستقلين، وتحديدا للنائب يوسف المندلاوي.

انعقاد الجلسة دون أي نبرة صدرية تعارضها، يمهد للمضي قريبا جدا نحو عقد جلسة برلمانية أخرى تسفر عن انتخاب رئيس للجمهورية ثم تكليف مرشح “الإطار التنسيقي”، محمد شياع السوداني، بتشكيل الحكومة الجديدة.

هل سيمضي هذا المخطط بيسر دون عراقيل؟ أم أن للزعيم الشيعي، رجل المفاجآت الأول، مقتدى الصدر، كلمة أخرى، والهدوء الذي يتخذه حاليا، هو ما قبل العاصفة، خاصة مع قرب موعد التظاهرات المزعومة مطلع الشهر المقبل باشتراك الصدريين مع التشرينيين؟

تتوقع المحللة السياسية، أحرار الزلزلي، أن الأزمة السياسية العراقية، في طريقها للذوبان بالفعل، ونهاية الانسداد السياسي العقيم، وأن الحكومة الإطارية التوافقية هي القادمة، ولا أحد سيعاني غير الشارع؛ نتيجة الاستمرار على نهج المحاصصة.

الزلزلي تردف في حديث مع “الحل نت”، أن سبب ذوبان الأزمة السياسية المتوقع، هو ابتعاد مقتدى الصدر عن المشهد السياسي، وأنه جاد هذه المرة عن عدم عودته عن قرار الاعتزال من الحياة السياسية، ولكن إلى حين، أي هناك رجعة، غير أنها ليست الآن.

التفرغ للمرحلة المقبلة

سيكتفي الصدر بالمراقبة لشكل الحكومة المقبلة، ولن يتدخل بكل ما يجري، وسيرتّب أوراقه للعودة إلى المشهد السياسي بعد عام أو عام ونصف، حينما يتم الاتفاق على تحديد موعد جديد للانتخابات المبكرة المقبلة، على حد تعبير الزلزلي.

وتشير المحللة السياسية العراقية، إلى أن التظاهرات المقبلة لن تكون أكثر من تذكارية، أي لإحياء الذكرى السنوية الثالثة لـ “انتفاضة تشرين”، مع احتمالية استمرارها لمدة وجيزة من قبل التشرينيين فقط، ثم يعودوا لمنازلهم؛ لأن الصدر اللاعب الأقوى أخفق في إنهاء المحاصصة، فكيف بالشارع الأعزل؟

الزلزلي تختتم، أن الصدر اقتنع بأن اليد الواحدة لا تصفق، وأنه مهما حاول تغيير خارطة المعادلة السياسية، فإنه بمفرده لن يستطيع بلوغ التغيير، ما لم يتم تعديل الدستور، وبالتالي هو يستعد لمرحلة تعديل الدستور، بما يمكنه لاحقا من تغيير المعادلة السياسية، لذا سيترك الحكومة الجديدة تمر دون معارضتها.

مقتدى الصدر

ويسعى “ائتلاف إدارة الدولة” لتشكيل حكومة محاصصاتية بأسرع وقت، فيما يستعد الصدريون مع التشرينيين، بحسب المعطيات، للخروج بتظاهرات في بغداد في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، رفضا لأي حكومة إطارية؛ لأنها ستسلم العراق بحسبهم إلى طهران بشكل كلي، وبالتالي مصير مشابه للدول التي تقودها إيران.

واشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري”، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

مئات الجرحى والقتلى

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام آنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الميليشيات “الولائية” هاجمت أنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” التابع للصدر للدفاع عن المتظاهرين الصدريين، واندلعت مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الحمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيرلن، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية”.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

تبخر الأغلبية

“إنقاذ وطن”، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الآخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

ساحة التحرير

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

ما منع “الإطار” من تشكيل الحكومة، توجيه الصدر لأنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح السياسي محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة لتشكيلها وفق عملية التوافق والمحاصصة، وهو الأمر الذي رفض الصدر تكراره جملة وتفصيلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.