من على منبر الأمم المتحدة وفي كلمة لها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عُقدت في أيلول/سبتمبر الماضي، عادت وزيرة الدولة الإماراتية لشؤون التعاون الدولي، ريم الهاشمي، بتجديد مطالبة الإمارات العربية المتحدة بإنهاء احتلال إيران للجزر الثلاث، وهي “طنب الكبرى” و”طنب الصغرى” و”أبو موسى”.

مُناشدة الهاشمي لطهران والتي أطلقتها خلال مداخلتها في الجمعية العامة، أتت بعد التحركات الإيجابية الأخيرة في المنطقة، حسب وصفها، (تقصد الإشارات الإيجابية التي أرسلها حاكم الإمارات محمد بن زايد إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني منذ ثلاثة أشهر خلال القمة الخليجية التي عقدت في الرياض)، ولبناء جسور تعد أمثلة بارزة لطي خلافات الماضي، مؤكدة ضرورة تعزيز الموقف الدولي الرافض للتدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول.

اقرأ أيضا: هل تطلق الإمارات مبادرة حول سوريا من طهران؟

يأتي حديث الإمارات الأخير بعد تقارب حديث شهده الجانبان، خصوصا بعد مشاركة رسمية كبيرة من أبو ظبي في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، الذي أعرب عن رغبته في تعزيز العلاقات مع دولة الإمارات، وذلك خلال استقباله وفدا إماراتيا برئاسة وزير التسامح، نهيان بن مبارك آل نهيان.

وزير الدولة بوزارة الخارجية الإماراتية خليفة شاهين المرر، أعتلى المنبر في 27 أيلول/سبتمبر 2021، ليدعو هو أيضا طهران بوقف التدخلات الخارجية في الشأن العربي، طالبا منها حل النزاع على الجزر الثلاث الإماراتية المحتلة سلميا وعبر المفاوضات المباشرة.

قبل خمس أيام فقط من المطلب الإماراتي المتكرر حول هذا الموضوع، كانت السلطة القضائية في إيران قد أصدرت سندات ملكية رسمية خاصة بالجزر المتنازع عليها، وهي الجزر التي تعتبرها الإمارات ضمن أراضيها وتحتلها طهران.

يعود عمر هذا النزاع بين الدولتين إلى نحو خمسين سنة مضت، ووفق وثائق نشرتها صحيفة “دايلي ميل” البريطانية قبل أشهر، تشير إلى تسليم لندن الجزر قبل انسحابها من منطقة الخليج إلى إيران، لكن الجديد الذي كشفته تلك الوثائق أن رئيس الإمارات الراحل الشيخ زايد آل نهيان، كان قد وافق على تسليمها لطهران. رغم صغر مساحة الجزر الثلاث الإماراتية التي تحتلها إيران، فإن أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية كبيرة جدا وكانت سبب النزاع عليها، حيث تقع في منطقة حساسة من الخليج العربي وبالقرب منها الممرات الآمنة للملاحة البحرية فيه، وفقا للصحيفة.

ويبدو أن بريطانيا صديقة الإمارات على مدار سنوات، يسعى إعلامها نشر تقارير مكتوبة أو مصوّرة حول هذا الموضوع، وفي هذا الإطار على سبيل المثال وليس الحصر، فقد عرضت قناة “بي بي سي عربي” فيلما وثائقيا في 30 آب/أغسطس 2022 عن برقيات قال إنه تم رفع السرية عنها، ولفتت إلى أن السير ويليام لوس (مسؤول بريطاني ودبلوماسي)، توافق سرا مع شاه إيران محمد رضا بهلوي، على تسليمه اثنتين من الجزر الثلاث قبل انسحاب القوات البريطانية في ديسمبر 1971.

 التحقيق الاستقصائي الوثائقي أكد أن إيران طالبت تاريخيا بالبحرين والجزر الثلاث، كجزء من أراضيها التي “سرقتها” بريطانيا، موضحا أن الأخيرة وافقت سرا على تسليم الجزر المتنازع عليها للشاه.

تم اكتشاف مذكرة سرية جديدة من وزارة الخارجية الإيرانية، بتاريخ يونيو 1970، وفق التقرير، حيث قال الشاه لوزير الخارجية البريطاني، السير أليك دوغلاس هوم، “هذه الجزر تابعة لإيران ويجب إعادتها إلى إيران”.

إيران لن تستجيب؟

من وجهة نظر إيرانية يقول الباحث السياسي الإيراني، مصطفى الأفقهي، في حديثه لـ “الحل نت”، إن إيران لن تعيد تلك الجزر وهذا أمر محسوم، ولو تم اللجوء إلى التحكيم الدولي، لأن طهران تملك صك ملكية في امتلاكها تلك الجزر، ويضيف مستغربا مطالب الإمارات التي تظهر من وقت إلى آخر وعلى فترات متباعدة، بالقول، نعم هناك نوع من التقارب بين الدولتين مؤخرا، وربما تستغل الإمارات هذا الموضوع كي تعود وتفتح ملف الجزر.

من يدفع الإمارات من الخلف كي تعود وتناقش بالملف هي حليفتها إسرائيل، وفق الأفقهي، حيث تحاول عبر ذلك زيادة الضغوطات القوية التي تمارسها على الجانب الإيراني بسبب برنامجها النووي، والتي كان آخرها ما أعلنه “الحرس الثوري” الإيراني من اندلاع حريق في منشأة بحوث الاكتفاء الذاتي التابعة له غربي طهران.

ما يمكن استنتاجه هو أن إسرائيل من تحرّض الإمارات، وخاصة أن الأخيرة تعلم بأن إيران تملك حق السيطرة على تلك الجزر.

رغم النزاع حول الجزر وبعض الملفات الأخرى، يدرك المتابع الجيّد للملف الإماراتي كيف تنتهج هذه الدولة السياسة الدبلوماسية، والحنكة اللازمة لمعالجة الملفات والخلافات مع الدول الأخرى، وتختلف عن سائر دول الخليج تحديدا بأنها لا تخلق لها عدو، وفي حال أطال برأسه تسارع لمد اليد وإخماد النيران.

قد يهمك: الخزعلي يتقرّب من الإمارات.. لكَسر مقتدى الصدر؟

هذا ما ينعكس جليا على التصاريح العاطفية الصادرة عن حكام الدولتين، فعلى سبيل المثال ذكرت وكالة “الأنباء الإيرانية الرسمية” منذ أقل من شهر، أن الرئيس الإيراني أشاد بالإمارات خلال الاجتماع، ووصفها بأنها “صديق مخلص لإيران”، وأعرب الرئيس الإيراني عن دعمه للعمل المشترك بين البلدين، ورغبة بلاده الجادة والصادقة في تطوير العلاقات مع الإمارات.

في 20 آب/أغسطس الماضي، كشف رئيسي عن رغبته بتنمية العلاقات الثنائية بين بلاده والإمارات في مختلف المجالات، قائلا في رسالة تلقاها رئيس الإمارات ردا على التهنئة التي بعث بها الأول، عقب تولي الأخير رئاسة بلاده، إن البلدين يمتلكان إمكانات كبيرة ستساعدهما في تنمية العلاقات الاقتصادية بين الجانبين.

إذا نستطيع القول كمراقبين ومتابعين بأن العلاقة بين البلدين تسير على قاعدة “العشق الممنوع”، كذلك حين كان مسلحي الحوثي يقصفون الإمارات من حين لآخر، لم تكن الإمارات تهاجم مباشرة إيران، لكنها تصفهم بأنهم مدعومين من إيران.

رغبة الإمارات لحل مشكلة الجزر بـالطرق الدبلوماسية هو أمر يتناسب مع قدرة الإمارات في التعامل مع مثل هذه القضايا، خاصة مع دولة تفوقها بالقدرات العسكرية مثل إيران، وفق الأفقهي.

في تقرير وثائقي آخر نشرته الـ “بي بي سي عربي” أيضا وعرض في حزيران/يوليو 2021 حيث كشفت فيه أيضا عن تقارير وصفتها بالسرّية والحصرية للقناة، تقول بإن مؤسس الإمارات الشيخ زايد آل نهيان، ونائبه الشيخ راشد آل مكتوم، علما بالقرار ووافقا عليه قبل دخول القوات البحرية الإيرانية للجزر واحتلالها.

كما وافق أمير الشارقة، بحسب الوثائق، على صفقة اللحظة الأخيرة مع إيران لتقاسم إدارة جزيرة أبو موسى، حيث استمر هذا حتى عام 1992، عندما سيطرت طهران عليها بالكامل.

إذا الإذاعة البريطانية ربما تحاول أو تسعى لضرب صديقة بلادهم، من خلال كشف تلك الوثائق والتي تؤكد بأنه لا يوجد عملية “احتلال” بل تنازل أو موافقة ضمنية.

غالبا ما استفزت إيران جارتها الخليجية في ملف الجزر، بيد أنه وفي شباط/فبراير الماضي، أعلنت إيران عن افتتاح أول مطار رسمي في جزيرة “طنب الكبرى” بحضور قائد القوات البحرية بـ”الحرس الثوري” الأدميرال علي رضا تنكسيري.

الإمارات تنتهج سياسة عدم الجدال

الحكومة الإيرانية سيرت أول رحلة بين طهران ومطار طنب الكبرى، في خطوة قال تنكسيري، إنها ستؤدي إلى تنشيط حركة التجارة في هذه المنطقة، وتعزيز مستوى الأمن المستدام بمياه الخليج، وفق تعبيره.

بخلاف الإعلام الإيراني فإن الإعلام الإماراتي والمتحدثين فيه يفضلون عدم الخوض في الكلام عن أي ملف يشكل حساسية أو ربما قد يؤثر على المفاوضات وينعكس سلبا على الإمارات، حيث يقول الباحث السياسي والأكاديمي الإماراتي، أحمد عبد الله، في حديثه لـ “الحل نت”، بإنه منذ 15 سنة لا نتحدث كإمارتين عن هذا الموضوع كي لا نؤثر على مجريات المفاوضات، وعادة ما تنتهج بلادنا سياسة عدم الجدال والمناقشة في ملفات حساسة قد تؤثر سلبا على سير عملية السلام وحلحلة المشاكل مع أي دولة.

نحن في الإمارات اعتدنا عدم مناقشة أي ملف دون ضوء أخضر من السلطات المعنية، وفق عبد الله، لأنه قد تنجح أو تفشل بسبب الحديث الدائم والآراء المتفاوتة بين المتحدثين، ونحن شاهدنا من قبل، كيف أن بعض المحللين والباحثين وغيرهم كيف تورطوا وأدخلوا بلادهم في حرج أو أزمة، بسبب تصريحات معيّنة في مواضيع متعددة.

لا يختلف إثنين على أن الإعلام الغربي يلعب دائما على الحبلين في الملفات التي تخص الشرق الأوسط، وعلى هذه القاعدة تلعب بريطانيا، فمن المعروف أن للمملكة المتحدة علاقة وثيقة متينة مع دولة الإمارات، ولكن إعلامها لا يتوانى عن استغلال أي مناسبة تفيد مصالح الدولة العظمى، فمثلا الـ “بي بي سي عربي” أو “دايلي ميل” و”المترو” وغيرهم، ينشرون تقاريرا عن الإمارات تكون متناقضة أحيانا وتضع القارئ في حيرة، الحق مع من؟

في هذا السياق يرد الباحث السياسي الإماراتي والمستشار السابق لرئيس الإمارات، عبد الخالق عبد الله على التقارير الإعلامية البريطانية حول ملف الجزر، فيقول لـ “الحل نت”، ظلت بريطانيا تؤكد علنا أن الجزر الثلاث هي جزر إماراتية، لكن كشفت “بي بي سي عربي” عن وثائق جديدة تشير إلى أن بريطانيا اتفقت سرا مع الشاه على إعادتها إلى إيران، بعد انسحاب قواتها من الخليج العربي، على الرغم من احتجاج واعتراض الإمارات المتواصل.

لم يرغب عبد الخالق الخوض أكثر في التصاريح، ربما يتوافق بالرأي مع مواطنه وزميله أحمد إبراهيم، تاركان الأمر للمفاوضات الحكومية بين البلدين.

لا بد من الإشارة إلى أنه، ووفق دراسات أكاديمية وتقارير صحفية اقتصادية، تشرف الجزر على مضيق هرمز الذي يمر عبره يوميا نحو 40 بالمئة من الإنتاج العالمي من النفط، ويربط بين خليج عُمان والخليج العربي المعبر الرئيسي إلى المحيط الهندي، ومن يتحكم بهذه الجزر يسيطر على حركة المرور المائي في الخليج العربي.

اقرأ أيضا: انفتاح إماراتي على طهران ودمشق.. ما الأسباب؟

بحكم هذا الموقع الجغرافي المتميز للجزر، فإنها صالحة للاستخدامات العسكرية؛ مما يجعلها مركزا ملائما للرقابة العسكرية على السفن التي تعبر الخليج العربي، أما سواحلها فيمكن استخدامها ملجأ للغواصات وقواعد إنزال آمنة، لكون مياهها عميقة وتصلح لإقامة منشآت عسكرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.