الاحتجاجات في إيران، لا تزال مستمرة منذ قرابة الشهر، وسط تزايد المطالب التي باتت تركز على إسقاط حكم الملالي، وليس فقط التنديد بمقتل الشابة الكُردية الإيرانية، مهسا أميني (جينا أميني). مع استمرار التظاهرات الشعبية، بات جليا أن إيران تعاني من أزمة كبيرة، وسط عجزها في إخماد أصوات الشعب الإيراني، رغم ممارستها لأدوات القمع واعتقال آلاف المتظاهرين.

في خضم التخبط الإيراني، ونتيجة للممارسات القمعية للنظام الإيراني في قمع أصوات الشعب هناك، استنكرت العديد من الدول والمسؤولين السلوك الهمجي لإيران، وحتى أن الإدارة الأميركية صرّحت يوم أمس، أنها لم تعد تركز على إعادة إحياء خطة العمل المشتركة الشاملة مع إيران، إذ باتت تركز على مظاهرات الإيرانيين ودعمها.

وبالتالي هذه الانعطافة الأميركية تجاه الملف النووي الإيراني، يبدو أنها أولى نتائج الاحتجاجات الإيرانية، الأمر الذي يُضعف ويقلل من فرصة إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وهذا بالمجمل له آثار سلبية، لذا يُجدر التساؤل حول سرّ نقطة التحول الحقيقة الأميركية تجاه المفاوضات النووية، وتبعات جمود المفاوضات النووية على إيران والمنطقة ككل، وما إذا كانت إيران قادرة على امتلاك سلاح نووي في ظل هذه المتغيرات، وتداعيات حصول طهران على سلاح نووي تكتيكي، فيما إذا ستكون المنطقة أمام تصعيد كبير بين إسرائيل وإيران، جراء ذلك.

ورقة ضغط؟

المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، أفاد يوم أمس الأربعاء، أن الإدارة الأميركية لم تعد تركز على إعادة إحياء الاتفاقية النووية الإيرانية، إذ تركز على مظاهرات الإيرانيين ودعمها، موضحا ذلك في مؤتمر صحفي ردا على سؤال حول إحياء الاتفاق النووي، “هذا ليس تركيزنا الآن. لقد أكد الإيرانيون بوضوح شديد أن هذه صفقة ليسوا مستعدين لعقدها”.

برايس، أضاف أن “الصفقة لا تبدو وشيكة، خاصة وأن مطالب إيران غير واقعية وتتجاوز نطاق خطة العمل الشاملة المشتركة. ولم نسمع أي شيء في الأسابيع الأخيرة يشير إلى أنهم غيروا موقفهم”، مشددا عل أن تركيز واشنطن الآن “ينصب على الشجاعة والجرأة اللافتتين اللتين يظهرهما الشعب الإيراني من خلال مظاهراته السلمية، ومن خلال ممارسته لحقوقه العالمية في حرية التجمع وحرية التعبير”، منوّها إلى أهمية “تسليط الضوء على ما يفعلونه ودعمهم في أي وسيلة ممكنة”.

ضمن هذا الإطار، يعتقد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، فراس علاوي، أن الأمر ليس تغييرا في الموقف من قِبل الولايات المتحدة، بل هو تبادل الأدوار بالتصريحات، واستدرك علاوي ذلك، بأن “بعض المسؤولين الأميركيين يصرّحون بأن واشنطن بانتظار تقديم إيران لتنازلات تتعلق بالملف النووي، أو مقترحات جديدة من إيران بشروط منطقية، ومسؤولين آخرين يصرّحون بتصعيد ضد طهران”.

هذه التصريحات، حسب اعتقاد علاوي الذي تحدث لـ”الحل نت”، أنها عملية تبادلية من أجل الضغط على إيران لتحقيق تقدم في المحادثات النووية. وبالتالي ضمان استمرار المفاوضات ودون أي عراقيل، خاصة وأن إيران لا تبدو جادة في المفاوضات، وفق رأي العديد من المراقبين.

أما عن تداعيات الجمود في المفاوضات الإيرانية، فسيكون هناك تصعيد ضد الميليشيات الإيرانية وأذرعها، ولكن إذا لم يرافق هذا الجمود تصعيد أميركي، فسيبقى الوضع على ما هو عليه، أو يتم التوصل إلى اتفاقية بخصوص الملف النووي. وبالطبع إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي وقد وصلت الى مراحل متقدمة، ومنع الدول الغربية من امتلاك إيران للسلاح النووي يعود بالنهاية إلى موقف الولايات المتحدة، وفق تعبير علاوي.

قد يهمك: طهران تصرف الأنظار عن احتجاجات الداخل بقصف المناطق الكردية العراقية؟

ما التبعات؟

تقرير سرّي لـ”لوكالة الدولية للطاقة الذرية” التابعة للأمم المتحدة اطلعت عليه “رويترز” يوم الإثنين الماضي، بيّن أن إيران تمضي في طريقها نحو توسّع مزمع في تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة في منشأة تحت الأرض في “نطنز”، وتعتزم الآن المضي قدما في ذلك بصورة أكبر.

تقرير “وكالة الطاقة الذرية”، أشار إلى إن ثالث مجموعة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة “آي.آر-6” التي تم تركيبها في الآونة الأخيرة في محطة التخصيب تحت الأرض في “نطنز”، بدأت العمل الآن، مضيفا أن إيران أبلغت الوكالة بأنها تخطط لإضافة ثلاث مجموعات من أجهزة الطرد المركزي (آي.آر-2إم) لتنضم إلى 12 موجودة بالفعل هناك.

منشأة نووية إيرانية “إنترنت”

التقرير الموجه إلى الدول الأعضاء أوضح أيضا، أن مجموعة واحدة من أجهزة الطرد المركزي (آي.آر-4) وست مجموعات من أجهزة (آي.آر-2إم) التي لم يكتمل تركيبها في 31 آب/ أغسطس، وهو تاريخ آخر زيارة مذكورة في آخر تقرير ربع سنوي لـ”وكالة الطاقة الذرية” حول هذه المشكلة، بأنه تم تركيبها بالكامل الآن ولكن لم يتم استخدامها بعد في التخصيب.

بالعودة إلى علاوي، فإذا ما حصلت إيران على سلاح نووي بالفعل، فإن التصعيد العسكري حتما سيلوّح في الأفق، خاصة من قبل إسرائيل ضد إيران، وستتجه أميركا ودول أوروبا الغربية إلى معركة عسكرية مفتوحة ضد طهران.

كذلك، ووفق تقدير علاوي، فإن الوقت حاليا غير مناسب، نتيجة الوضع في أوكرانيا، لذا فإن واشنطن والدول الغربية لن يسمحا لإيران بامتلاك سلاح نووي، فلديهم خيار الضغط المباشر، وهو السماح لإسرائيل باستهداف إيران وتدمير والقضاء المفاعلات النووية الإيرانية بشكل مباشر، وبالتالي القضاء على الرغبة الإيرانية في تطوير أسلحة نووية.

قد يهمك: بداية ثورة.. ما هو مصير الاحتجاجات في إيران؟

إيران تضغط على الغرب

هاني سليمان، الخبير في الشؤون الإيرانية، يرى خلال حديث سابق لــ”الحل نت”، أن تخصيب اليورانيوم في هذا الوقت هو إعلان تحدي من إيران للمجتمع الدولي الذي يعاني العديد من المشكلات، وذلك على الرغم من التفاؤل الذي ساد خلال الفترة السابقة بقرب التوصل لاتفاق نووي، ولكن التجربة أثبتت أن ثمة فجوات واسعة وإشكاليات متعددة من شأنها أن تحول دون الوصول إلى اتفاق.

بالتالي ففي ظل هذا التّعثر، وفي ظل الاحتجاجات في إيران وبعض العقوبات التي فُرضت مؤخرا من المجتمع الدولي، فإن ما تقوم به إيران هو هروب للأمام بنفس الأسلوب الإيراني المتّبع في الفترات السابقة، أي أن إصرار إيران على عمليات التخصيب، هي آلية للضغط على المجتمع الدولي لتحصيل بعض المكاسب، بحسب سليمان.

لذلك تحاول الحكومة الإيرانية حرف الأنظار عما يجري في الداخل من خلال تفجير أزمة خارجية تتعلق بتخصيب اليورانيوم، وقصف كردستان بالصواريخ والطائرات المسيّرة، للتغطية على الأحداث الداخلية.

ضمن السياق ذاته، عام ونصف مرّ منذ أن بدأت المفاوضات غير المباشرة، والرامية إلى إحياء الاتفاق النووي المعروف باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، الذي أُبرم في عام 2015 بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن “الصين والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا” بالإضافة إلى ألمانيا، قبل إعلان إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الانسحاب منه في عام 2018. بيد أنه حتى بعد إعلان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، ما وصفه بـ “مسودة نهائية لإحياء الاتفاق النووي”، يبدو أن مصير العودة للاتفاق مازال مُعلّقا.

وعليه، فإن الخطوة الإيرانية بتخصيب اليورانيوم تؤكد تعثر المفاوضات النووية، لكن ليست بالضرورة نهاية الاتفاق النووي، فهي تعبّر عن حالة من الجمود والتأزم لكن في النهاية إذا ما كان هناك مؤشرات حول انفراج أو تقدم بالمفاوضات النووية فذلك من شأنه، أن يجعل إيران تتراجع عن إجراءاتها بتركيب أجهزة الطرد المركزي الحديثة وإكمال عمليات تخصيب اليورانيوم، وهذا أمر يمكن التعامل معه بأي وقت.

في خضم التأرجح الواضح فيما يتعلق بالتوصل لاتفاق حول الملف النووي، نتيجة لوجود العديد من النقاط الخلافية بين إيران والولايات المتحدة، من بينها كلفة هذا الاتفاق ومستقبله، والخيارات المُتاحة للتعاطي مع الملف النووي الإيراني في حال فشل المفاوضات، والتداعيات المُحتملة على الوضعين الإقليمي والدولي، جاءت التصريحات الأميركية بعدم رغبتها في التركيز على المباحثات النووية مع إيران وأنها ستركز وتدعم التظاهرات الشعبية الإيرانية، وهو ما يرجّح أن يكون هناك نوعا مختلفا في التعامل مع إيران في الفترة المقبلة بشأن الملف النووي، الذي قد يشهد تصعيدا إذا استمرت إيران في التّعنت في مطالبها وسط انتقادات الدول الغربية لمطالب إيران المتكررة قبل إعادة تفعيل الاتفاق.

قد يهمك: إيران تتوسع في تخصيب اليورانيوم.. هل انتهى الاتفاق النووي؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.