بعد أن تم الإعلان عن التوصل لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، يُنتظر أن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ، فبحسب مسودة الاتفاق، “يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في التاريخ الذي تُرسل فيه حكومة الولايات المتحدة إشعارا يتضمن تأكيدا على موافقة كل من الطرفين على الأحكام المنصوص عليها في هذا الاتفاق”، وفي اليوم الذي ترسل فيه واشنطن هذا الإشعار، سيرسل لبنان وإسرائيل في نفس الوقت إحداثيات متطابقة إلى الأمم المتحدة تحدد موقع الحدود البحرية.

الحكومة الإسرائيلية من جهتها قررت عرض الاتفاق على “الكنيست” لإقراره خلال أسبوعين، ولكن حكومة يائير لابيد، تملك إقرار الاتفاق في حال تأخر “الكنيست” بالرد، فيما لم تعرض الحكومة اللبنانية الاتفاق على أعضاء “مجلس النواب” اللبناني، رغم طلب عدد من النواب ذلك، وحسب معلومات اطلع عليها “الحل نت”، فإن حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، ستقوم بإقرار الاتفاق دون الحاجة لعرضها على النواب، وذلك بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية.

اتفاق تم التوصل إليه بعد 4 أشهر من المفاوضات، يثير العديد من التساؤلات حول تبعاته وآثاره، وهل هو اتفاق طويل الامد أم لا، وما الفوائد التي سيجنيها كل من لبنان وإسرائيل منه.

تبعات وآثار الاتفاق

الاتفاق لا يركز بشكل عام على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين بشكل كامل، وإنما يتعلق الأمر بمنطقة تبلغ مساحتها حوالي 860 كيلومترا مربعا، فيما يُعرف باسم “المنطقة الاقتصادية الحصرية” لكل دولة، وتقع هذه المنطقة خارج الحدود البحرية ولكن للدولة حقوق خاصة لما بداخلها.

حقل قانا “وكالات”

من الناحية السياسية، يرى الإسرائيليون أن الصفقة ستعزز الاستقرار الإقليمي، فالاتفاق يعني أن البلدين لديهما الآن مصالح اقتصادية في الحفاظ على حالة الهدوء على طول مناطقهما الحدودية المشتركة، وربما يكون هذا هو الأهم بالنسبة لإسرائيل.

الصحفية اللبنانية، فاطمة عثمان، ترى خلال حديثها لـ”الحل نت”، أن الاتفاق هو اعتراف غير مباشر بوجود إسرائيل، وبالتالي سيحظى لبنان بدعم دولي أكبر خاصة من ناحية الأزمة الاقتصادية التي يمر بها، وأيضا سيكون هناك تحسّن في الاقتصاد على المدى البعيد، إذا تم استخدام الغاز الذي سيتم استخراجه دون فساد حكومي.

عثمان أضافت، أنه بالنسبة لـ”حزب الله”، فمن الممكن أن يتراجع نفوذه خاصة أن لبنان يتجه نحو التهدئة مع إسرائيل، وبالتالي سيخسر حسن نصرالله، بطاقة المقاومة التي يلوح بها دائما.

من جهتها الصحفية اللبنانية في صحيفة “اندبندنت” بالعربية، سوسن مهنا، ترى خلال حديثها لـ”الحل نت”، أن اتفاق الترسيم للحدود البحرية مع إسرائيل، هو اتفاق سلام “مصغّر” وتطبيع غير معترف به، ولو كان لبنان دولة طبيعية لكان الاتفاق تاريخيا.

مهنا لفتت إلى أن الاتفاق أسقط ورقة المقاومة، التي طالما نادى بها “حزب الله” وفكرة تحرير القدس عبر جنوب لبنان، مبيّنة أنه حتى في المرحلة القادمة، لا بد أن يكون هناك تغييرات على المستوى الداخلي اللبناني من الممكن أن تطال سلاح “حزب الله”، لأنه سيكون لا جدوى له، وسيتحول الحزب إلى حزب سياسي فقط.

حول الموقف الإيراني من الاتفاق، أشارت مهنا، إلى أن الموقف الإيراني داعم للاتفاق وتدعي إيران، أن “حزب الله” انتصر بإنجاز هذا الاتفاق دون حرب، مضيفة أنه سيكون هناك دور لإيران في مسألة سلاح الحزب، خاصة إذا ما تم التوصل لاتفاق للملف النووي الإيراني، والذي من المحتمل أن يتم في ظل خفض إنتاج النفط الذي أقرّته منظمة “أوبك بلس” مؤخرا.

هل سيكون الاتفاق طويل الأمد؟

حسب تقارير صحفية، فإن الاتفاق يمثل أول انفراجة دبلوماسية كبيرة بين لبنان وإسرائيل منذ سنوات، لكنه لا يزال محدود النطاق نسبيا، ولا يشمل حلّا للنزاع طويل الأمد حول الحدود البرية بينهما، كما أنه ينص على إبقاء الوضع الراهن بالقرب من الشاطئ على ما هو عليه، بما في ذلك على طول خط العوامات البحرية المثير للجدل.

فقد جاء في المسودة، “يعتزم الطرفان حل أي خلافات بشأن تفسير هذا الاتفاق وتطبيقه عن طريق المناقشات التي تقوم الولايات المتحدة بتيسيرها”، ما يعني استمرار دور الضامن لواشنطن.

في هذا السياق، تعتقد عثمان أن الاتفاق سيكون طويل الأمد، فلبنان سيحاول تحسين وتنمية اقتصاده خلال السنوات القادمة ومن مصلحته طول أمد الاتفاق، وأيضا بالنسبة لإسرائيل فهي تحتاج للاستقرار والهدوء على حدودها الشمالية، لتتمكن من العمل بحرية في استخراج النفط والغاز.

أيضا مهنا، ترى ان الاتفاق سيكون ذو أمد طويل، وذلك لصالح الطرفين، فبالنسبة لإسرائيل الاتفاق مهم جدا، فهي تضمن هدوء حدودها الشمالية، والأمان في المستوطنات شمال إسرائيل من أي اختراقات بالمسيرات التابعة لـ”حزب الله”، وبالتالي ستتفرغ لأمور أخرى، فالحزب لن يستطيع خرق الاتفاق خاصة بعد ضمانات دول على رأسها الولايات المتحدة، وأيضا بالنسبة للبنان الاتفاق مهم سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية، وحتى في العلاقات مع الدول.

إقرأ:اتفاق ترسيم الحدود.. ما هي مكاسب لبنان وإسرائيل؟

ماذا جنى لبنان وإسرائيل من الاتفاق؟

الاتفاق يعطي للبنان الحق في السيطرة على حقل “قانا” للغاز، في وسط المنطقة المتنازع عليها، لكنها تعطي إسرائيل نسبة من أي أرباح مستقبلية من حقل “قانا”، تبلغ نحو 17بالمئة، بحسب الوثائق المسربة لمسودة الاتفاق. بينما تسيطر إسرائيل على حقل غاز “كاريش”، الذي يقع جنوبا، وهو أقرب إلى حقلي الغاز “تامار” و”ليفياثان” المملوكين لإسرائيل.

أما كمية الغاز الموجودة في حقل “قانا”، فإنها تقدر حاليا بحوالي 3 مليارات دولار، وقد يدر ذلك على لبنان ما بين 100 مليون دولار و200 مليون دولار في السنة الواحدة.

بالنسبة لإسرائيل، فالاتفاق يعني أن شركة “اينيرجين”، المتعاقدة مع إسرائيل، يمكنها أن تبدأ العمل في حقل “كاريش” على الفور تقريبا دون خوف من التعرض للهجوم، ومن المفترض أن تكون إسرائيل قادرة على البدء في جني الأموال من حقل الغاز الطبيعي في غضون أسابيع.

عثمان تشير إلى أن لبنان يحتاج لعدة سنوات لإنتاج الغاز من حقل “قانا”، على الرغم من الاتفاق الذي عقده لبنان مع شركة “توتال” الفرنسية للطاقة، فهناك المزيد من العمليات الاستكشافية في الحقل إضافة إلى الحاجة لإنشاء بنية تحتية في الأصل غير موجودة، على عكس إسرائيل التي باتت قادرة على إنتاج الغاز من حقل “كاريش” بشكل فوري، إذا فإسرائيل هي الرابح الأكبر من الاتفاق.

أما على صعيد الانتخابات الإسرائيلية، فإن الاتفاق سيؤدي إلى زيادة حظوظ يائير لابيد في الانتخابات القادمة، على الرغم من معارضة نتنياهو المرشح المحتمل لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، إلى أن الإسرائيليين يهمهم في نهاية الأمر العمل في استخراج الغاز بأمان، رغم أن حقل “كاريش”، هو أصغر حقول الغاز الإسرائيلية، بحسب مهنا.

الاتفاق يرضي لبنان

الرئاسة اللبنانية أكدت في بيان عقب الاتفاق، أن الصيغة النهائية للعرض الأميركي بشأن اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل “مرضية للبنان وتلبي مطالبه وحافظت على حقوقه في ثروته الطبيعية”.

حول المكاسب المتوقعة من الاتفاق، أشار تقرير سابق لصحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، أن الاتفاق ينظم سبل استغلال حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، ونقلت عن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد، قوله، إن “الصفقة ستعزز أمن إسرائيل وتضمن استقرار الحدود الشمالي، وستضمن ضخ المليارات في الاقتصاد الإسرائيلي”.

في وقت تعتبر السلطة في لبنان، الاتفاق بمثابة “انتصار لها“، فإن اللبنانيون يتمنون أن يساعدهم الاتفاق من الخروج من عنق زجاجة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، في حين تتخوف شريحة واسعة، من أن يؤدي الفساد في مؤسسات الدولة إلى ضياع الثروات وعدم الاستفادة منها، بما يضمن المضي قدما من إنهاء معاناة الشعب اللبناني على الصعيد الاقتصادي.

لبنان يواجه أيضا تحديات كبيرة في الاستفادة من غاز المتوسط، لا سيما وأنه ما زال يعاني من تبعات انفجار بيروت، فضلا عن افتقار البلاد للبنى التحتية اللازمة لاستغلال الغاز، ما يفتح الباب أمام الحديث عن استعانة حكومة بيروت بخبرة الشركات الأجنبية لإدارة الغاز المستخرج من حقل “قانا”.

مكاسب مهمة

الصحفية اللبنانية ميساء عبد الخالق، رأت أن الاتفاق سيساهم في مكاسب اقتصادية مهمة للبنان، مشيرة إلى أن الاتفاق يمثل أيضا أبعاد سياسية وأمنية، فضلا عن المكاسب الاقتصادية لكل من إسرائيل ولبنان.

عبد الخالق قالت في حديث سابق مع “الحل نت“، “لا شك أن الاتفاق سيساهم في مكاسب اقتصادية للبنان، لا سيما في ظل المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها، لأن لبنان وفقا لتصنيف البنك الدولي يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ القرن التاسع عشر، وبالتالي هذا الاتفاق يعني فتح باب أمل للبنانيين، في ظل انسداد الأفق السياسي نظرا لتعثر انتخاب رئيس جديد للبلاد، علما أن ولاية الرئيس الحالي تنتهي مع نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر الحالي وفي ظل فشل مجلس النواب في إعلان تشكيل حكومة جديدة لأن حاليا حكومة تصريف الاعمال”.

حقل كاريش “وكالات”

اتفاق ترسيم الحدود تعرّض للانتقاد من قِبل شريحة واسعة من اللبنانيين، الذين اعتبروا أن الخط 29، هو النقطة الأحق للبنان بالإضافة إلى الخط 23، إذ يعتقد هؤلاء أن الاتفاق وفقا للخط 23، أضاع شيء من حقوق لبنان، لكن عبد الخالق، تشير إلى أن “هذا الاتفاق يبقى أفضل من غيره”.

باعتقاد عبد الخالق، فأن للاتفاق أبعاد أخرى بعيدة عن الاقتصاد، فجاء الاتفاق ضمانا للاستقرار الأمني على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وحول ذلك تضيف، “الاتفاق أعطى اطمئنان على الحدود، أعتقد أن الوضع على الحدود سيبقى آمنا، يبدو أن التهدئة سيدة الموقف على الحدود بين لبنان وإسرائيل”.

بحسب ما أعلن لبنان، فإن الشركة الفرنسية “توتال”، ستبدأ عملية التنقيب عن النفط والغاز فور الانتهاء من مذكرة التفاهم بين لبنان وإسرائيل في شأن الحدود البحرية الجنوبية، لكن هناك فئة من اللبنانيين بحسب ما تنقل عبد الخالق، تتخوف من تعمل هذه الطبقة السياسية إلى تقاسم الحصص.

عبد الخالق أوضحت هذه المخاوف قائلة، “نحن نتخوف في حال بدء لبنان بالتنقيب عن ثروته أن تعمل هذه الطبقة السياسية إلى تقاسم الحصص، نأمل أن يكون النواب الجدد استفادوا من التجارب السابقة وأن يعملوا للصالح العام من أجل خلاص لبنان، من براثن الأزمة الاقتصادية، بيان الرئاسة اللبنانية أمس كان واضحا أن السلطات اللبنانية، اعتبرت أن لبنان أخذ حقه في ملف الترسيم ولبنان راض عن هذا الاتفاق”.

إقرأ أيضا:ما التداعيات الإقليمية والدولية لقرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط؟

اتفاق عبر سلسلة من الرسائل من البلدين إلى الولايات المتحدة والأمم المتحدة، شكّل سابقة تاريخية، إذ أنه اتفاق بين إسرائيل ولبنان، التي لم تكن خلال العقود الماضية تعترف بإسرائيل كدولة، ولكن هذا الاتفاق جاء بمثابة اعتراف وإن كان غير صريح، لكن في نفس الوقت وبالنظر إلى المكاسب، فإن إسرائيل حققت الأكبر منها أما مكاسب لبنان فهي مؤجلة لعدّة سنوات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.