مركز “ألما” الإسرائيلي البحثي، نشر تقريرا مؤخرا حول آلية عمل الممر الإيراني البري لتهريب الأسلحة عبر العراق إلى سوريا ولبنان، تحت غطاء شحنات إنسانية وغذائية، وذكر تقرير المركز، أن الأضرار التي لحقت بمسارات الممر الجوي والبحري هي الأشد خطورة، وأن إيران لم تتخلَ عن الممر البري، والنشاط مستمر، بالدرجة الأولى تحت غطاء مدني ودروع بشرية.

الممر الإيراني، الجوي، البري، والبحري، يشمل تهريب الأسلحة إلى سوريا ولبنان، وتشغيل البنية التحتية لإنتاج وتجميع أسلحة تقليدية متطورة على الأراضي السورية، ومشروع الصواريخ الدقيقة في مصياف السورية.

الممر البري، يتيح للإيرانيين الاستفادة من مزاياه المتمثلة في استغلال صعوبة الحصول على معلومات استخباراتية، لاستهداف شاحنة واحدة محملة بالسلاح على طول ممر بري في منطقة صحراوية بطول ألف و800 كيلو متر، مقارنة بطائرة أو سفينة.

عودة إيران للتركيز على الممر البري لنقل الأسلحة لسوريا، يثير تساؤلات حول أهمية هذا الممر، إضافة إلى الدور الذي لعبته الهجمات الإسرائيلية بتعطيل النقل الجوي بشكل خاص والبحري، وإمكانية منع إيران من استخدام الممر البري، ومستقبل التعامل الإسرائيلي مع إيران في سوريا بعد وصول نتنياهو لرئاسة الحكومة من جديد.

تعطيل النقل الجوي والبحري

النقل الجوي للأسلحة الإيرانية إلى سوريا، لطالما كان الوسيلة الأسرع والأفضل التي تعتمدها إيران في نقل عناصر وأسلحة إلى سوريا، لكن خلال الفترة الماضية وحتى منتصف أيلول/سبتمبر الماضي قامت إسرائيل باستهداف مطار دمشق الدولي عدة مرات بغارات جوية أدت إلى إخراجه عن العمل، كما استهدفت مطار حلب الدولي الذي استخدمته إيران بديلا لمطار دمشق.

قوات إيرانية في البوكمال “وكالات”

الضربات الإسرائيلية التي استهدفت المطارات السورية أدت بحسب مراقبين إلى توقف شبه كامل لعمليات نقل الأسلحة والعناصر الإيرانيين، إضافة لاستهداف إسرائيل عدة مرات لعمليات نقل بحري لأسلحة متوجهة لـ”حزب الله” اللبناني.

محمد الليثي، الخبير المصري في الشؤون الإسرائيلية، يؤكد خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن سلاح الجو الإسرائيلي، استطاع إلحاق الضرر بعمليات النقل الجوي والبحري للسلاح الإيراني، وهذا الأمر حدث مرارا في سوريا عن طريق استهداف متكرر لشحنات أسلحة إيرانية أعلن الجيش الإسرائيلي عنها، أو عن طريق استهداف مخازن الأسلحة والمعدات التي يتم نقلها إلى سوريا بهدف دعم “حزب الله” اللبناني.

الليثي، يشير أيضا إلى أن للهجمات الجوية الإسرائيلية تأثير كبير على عمليات نقل الأسلحة، نظرا لتطور سلاح الجو الإسرائيلي الذي يضم أحدث الطائرات والصواريخ الدقيقة.

لا يمكن تعطيل النقل البري نهائيا

منتصف ليل اليوم الأربعاء، قُتل نحو 14 شخصا معظمهم من الميليشيات الإيرانية، في غارات استهدفت قافلة إيرانية بالقرب من الحدود السورية العراقية، حيث استهدفت الغارات شاحنات تحمل أسلحة وصهاريج نفط تابعة للميليشيات الإيرانية في منطقة “الجمارك” في منطقة الهري والبوابة العسكرية بريف البوكمال شرقي دير الزور، كما طال القصف مواقع عسكرية للميليشيات في المنطقة.

المعلومات تشير إلى رتل الصهاريج البالغ عدده قرابة 45 شاحنة توقفت عند مفرق الرطبة عصر يوم أمس الثلاثاء، وكان من المتوقع أن ينتظر حتى الصباح لاستكمال طريقه، لكن المستغرب أن جزءا من هذه الصهاريج تحركت الساعة العاشرة مساء، وفور دخولها الأراضي السورية من معبر البوكمال، تعرضت لقصف من طيران مجهول.

أيضا لفتت المعلومات إلى أن الغارة الأولى التي استهدفت الرتل كانت تحذيرية، لإبعاد سائقي الصهاريج، وبعدها بدقائق استهدفت الغارة الثانية الرتل مباشرة، ثم تلتها الغارة الثالثة والرابعة، لتسفر عن احتراق عدد من الصهاريج التي تحمل لوحات مرورية إيرانية.

مصادر صحفية غربية، نقلت عن مصدر أميركي كبير تأكيده أن الضربة على الحدود السورية العراقية لم تكن أميركية، وأن القيادة المركزية تقوم بالتحقيق في الهجوم في الوقت الحالي.

العديد من الغارات المشابهة استهدفت قوافل إيرانية مكونة من شاحنات نقل وصهاريج، بعضها نفذها التحالف الدولي وأخرى نفذتها الطائرات الإسرائيلية، لكن على الرغم من ذلك فإن هذه الاستهدافات لم تتمكن من تعطيلها.

محمد الليثي، يرى أنه كما استطاعت إسرائيل تعطيل الممرات الجوية والبحرية، فهي قادرة على إلحاق الضرر بعمليات النقل البري ولكن بصورة أقل مما تفعل في الجو والبحر، ففي الممرات البرية نسبة الضرر أقل لقلة المعلومات الاستخباراتية التي قد تحصل عليها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.

مستقبل استهداف إسرائيل لإيران في سوريا

خلال اجتماع رؤساء مجالس الأمن القومي لروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل، في صيف عام 2018، أعلنت كل من روسيا والولايات المتحدة الالتزام بأمن إسرائيل واعتباره أولوية قصوى، فإسرائيل تعتبر التواجد الإيراني في سوريا تهديدا يمس أمنها بشكل مباشر، لذلك فهي تملك الضوء الأخضر من الروس والأميركيين بالتحرك بحرية في الأجواء السورية وضرب أي أهداف إيرانية ترى أنه لا بد من استهدافها.

روسيا وخلال السنوات الماضية، لم تمنع أي غارات إسرائيلية في سوريا، لكنها كانت كمن يمسك العصا من المنتصف، فهي تريد من جهة تقليم أظافر إيران في سوريا والحد من وجودها، ومن جهة أخرى لا تريد أن تتحول سوريا لساحة حرب مفتوحة بين إسرائيل وإيران.

لكن مع فوز ائتلاف بنيامين نتنياهو بانتخابات “الكنيست” قبل أيام، والذي سيؤدي إلى تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، يرجح مراقبون أن الهجمات الإسرائيلية ستشهد تصعيدا متزايدا بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة.

الليثي يشير إلى أنه بعد صعود اليمين المتطرف في إسرائيل، فإن نتنياهو سيستكمل النهج الذي سار عليه طيلة السنوات التي كان فيها رئيسا للحكومة، وسيكون هناك عمليات متتالية من الغارات الجوية التي تستهدف العناصر التابعة لإيران و”حزب الله” في سوريا، حيث سيسعى نتنياهو في بداية حكمه لإثبات أنه يريد تحقيق الأمان للإسرائيليين، لذلك سيكثّف من هذه الهجمات.

أهمية معبر البوكمال

معبر البوكمال الحدودي، بين سوريا والعراق، أُعيد افتتاحه في العام 2019، بعد أن تم طرد عناصر تنظيم “داعش” من المنطقة، ليغدو تحت السيطرة الإيرانية بالكامل، من الجانب السوري في البوكمال، ومن الجانب العراقي في القائم.

منذ ذلك لوقت تخضع مدينة البوكمال للسيطرة الإيرانية بشكل كامل، وقامت إيران بتحويل المدينة وباديتها إلى قاعدة لنقل الأسلحة والمخدرات القادمة من إيران وتوزيعها منها إلى مختلف المناطق السورية.

ثكنة إيرانية في البوكمال “وكالات”

بحسب معلومات خاصة بـ”الحل نت”، فإن شحنات الأسلحة وحتى المخدرات القادمة من إيران، يتم نقلها عبر الأراضي العراقية بدعم من “الحشد الشعبي” العراقي المرتبط بشكل مباشر بـ”الحرس الثوري” الإيراني، وعند وصولها إلى معبر القائم العراقي، يتم إدخالها بأنواع مختلفة من السيارات، والشاحنات وحتى حافلات نقل الحجاج الإيرانيين للمزارات الدينية في سوريا.

الشحنات سواء كانت من السلاح أو المخدرات، بعد دخولها معبر البوكمال تتوجه إلى منطقة في المدينة تدعى “الجلاء”، وهي معروفة بوجود كراجات خاصة للإيرانيين، حيث يتم إفراغ الشحنات في مخازن في المنطقة لوقت قصير جدا من أجل إعادة تحميلها ونقلها حسب وجهاتها، سواء إلى بادية البوكمال أو إلى مناطق أخرى في سوريا أو إلى لبنان.

الإشراف العسكري والأمني في البوكمال، من اختصاص اللواء رقم 47 التابع بشكل مباشر لـ”الحرس الثوري” الإيراني، بقيادة الحاج عسكر، وقيادي آخر يدعى أبو عيسى المشهداني، وتتميز المنطقة الجغرافية بين القائم (في العراق) ومدينة البوكمال السورية بانتشار كبير لقواعد عسكرية تعمل برعاية إيرانية، والدور الأساسي لـ”الميليشيات الشيعية” الإيرانية، هو تأمين طرق الممر البري في العراق وسوريا بشكل عام، ومنطقة المعابر الحدودية في القائم والبوكمال بشكل خاص.

قاعدة “عين علي”

هي القاعدة الأبرز لإيران في سوريا، حيث تم تأسيسها عام 2019، وتقع شرقي مدينة البوكمال قرب الحدود مع العراق، وهي القاعدة الأكبر والأكثر مركزية التابعة لإيران في منطقة معبر الممر البري في البوكمال.

منتصف عام 2019 تعرّضت القاعدة لعدة هجمات، ما دفع إيران لحفر أنفاق مناسبة لدخول ومرور مركبات النقل الكبيرة مثل الشاحنات، ويعتقد مركز الأبحاث أن هذه الأنفاق تستخدم لتخزين الأسلحة الثقيلة، وفي نهاية عام 2019، نفذت إيران أعمال بناء واسعة النطاق، وتم توسيع القاعدة وبنائها على ثلاثة مجمعات رئيسية.

المركز الإسرائيلي أشار إلى أن مجمع القاعدة الأول مهم جدا في إدخال الأسلحة إلى سوريا، ويوجد ما لا يقل عن 60 مخبأ ومخازن كبيرة لتخزين الصواريخ الباليستية وأسلحة أخرى، ويحتوي مجمع القاعدة الثاني، الأقرب إلى الحدود، أنظمة ومنصات دفاع جوي لإطلاق الصواريخ الباليستية والصواريخ بأنواعها المختلفة، وقد تكون هناك أنفاق عابرة للحدود في العراق.

كما يحتوي المجمع الثالث للقاعدة على أنظمة دفاع جوي والعديد من مستودعات الأسلحة، والغرض الرئيسي منه، هو حماية المجمعين الآخرين، ويقع على تل يطل على المنطقة بأكملها، وتشير التقارير الإسرائيلية، إلى أن إسرائيل استطاعت إعاقة 70 بالمئة من نقل الأسلحة الإيرانية، وتدمير نحو 90 بالمئة من البنية التحتية لإنتاج الأسلحة على الأراضي السورية، وأنه من المستحيل إيقاف كل نشاط بسبب النطاق الواسع الذي تسيطر عليه إيران وقدرتها على إيجاد بدائل بشكل مستمر في عمليات إدخال الأسلحة.

إقرأ:القصف الإسرائيلي يوقف رحلات الطيران الإيرانية إلى سوريا

مواجهة مستمرة بين إسرائيل وإيران ساحتها الأراضي السورية، فإسرائيل ترفض بشكل قاطع أن تكون إيران عامل تهديد لها في سوريا، بينما تعمل إيران على زيادة تواجدها عسكريا وأمنيا للضغط على إسرائيل من جهة، وتحقيق مشروعها التوسعي من جهة أخرى وجعل سوريا منطلقا للضغط على دول الجوار ومنصة مهمة لتهريب السلاح والمخدرات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.