أسبوع من المنافسة المحتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين، أسفر في نهايته عن فوز “الحزب الأحمر” بأغلبية مجلس النواب الأميركي في الانتخابات النصفية، فكيف ستكون سياسة “الحزب الجمهوري” الخارجية.

الجمهوريون حصدوا الأغلبية في مجلس النواب الأميركي، أمس الأربعاء، بعد تأمينهم 218 مقعدا من مجموع 435 مقعدا، وهو العدد الكلي لأعضاء “الكونغرس”.

فوز الحزب اليميني، سيمهد الطريق لعامين من الحكومة المنقسمة، خاصة مع سيطرة “الحزب الديمقراطي” بزعامة الرئيس جو بايدن، على “مجلس الشيوخ”، بعد فوزه بفارق ضئيل على الجمهوريين.

الفوز بأغلبية مجلس النواب، يمنح “الحزب الأحمر” القدرة على تعطيل أجندة بايدن، فضلا عن إطلاق تحقيقات يحتمل أن تكون ضارة سياسيا لإدارته، على الرغم من أنه أقل بكثير من “الموجة الحمراء” التي كان يأمل فيها الحزب.

شبكة “إن بي سي” الإخبارية الأميركية، قالت إن أغلبية الجمهوريين الضئيلة، ستعقّد قدرتهم على العمل في قاعة مجلس النواب، مردفة أنه بدلا من ذلك، كشفت النتائج عن أن أميركا لا تزال منقسمة بسبب الرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب، وادعاءاته المتكررة بأن انتخابات عام 2020 سُقت منه.

بايدن نحو التفاوض؟

لم تكف المخاوف من الاقتصاد والتضخم لدفع الجمهوريين بأعداد كبيرة للتصويت لمرشحيهم في الانتخابات، بعد أن “جعل ترامب الانتخابات استفتاء فعليا على نفسه وخططه السابقة والمستقبلية كزعيم فعلي للحزب”، بحسب الشبكة.

حتى مع وجود أغلبية صغيرة، سيظل الجمهوريون في “الكونغرس” يتمتعون برقابة قوية على بايدن، الذي يمكنه الآن توقع معارضة أكبر تجاهه، لكنه يستطيع الاعتماد على حلفائه في “مجلس الشيوخ” لتأكيد تعييناته القضائية والإدارية، حتى لو كانت أجندته التشريعية معرقلة من قِبل مجلس النواب.

بحسب شبكة “سي إن إن”، فإن بايدن سيضطر إلى التفاوض مع الجمهوريين، وخوض معارك حول المساعدات الممنوحة لأوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي والحفاظ على تمويل الحكومة، بينما يحاول الجمهوريون عرقلته قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2024.

النتائج الحالية تُذكّر بالديناميكية التي حدّدت معظم فترة الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، في “البيت الأبيض”، عندما كان بايدن نائبا للرئيس.

مثل بايدن، دخل أوباما الرئاسة مع سيطرة الديمقراطيين الكاملة على الكونغرس، إلى أن فاز الجمهوريون بمجلس النواب في أول انتخابات نصفية له، بينما كان الديمقراطيون يسيطرون على “مجلس الشيوخ”.

وفق وكالة “رويترز”، فإنه من المتوقع أن يستمر الجمهوريون في أجندتهم، حيث يستعدون للتحقيق مع مسؤولي إدارة بايدن ونجل الرئيس هانتر في تعاملاته التجارية السابقة مع الصين ودول أخرى، وحتى مع بايدن نفسه.

بايدن وبعد فوز “الحزب الجمهوري” بأغلبية مجلس النواب، هنأهم على فوزهم، وقال إنه سيعمل معهم لتحقيق أهداف الأميركيين، مضيفا أن “الشعب الأميركي يريدنا أن ننجز الأمور من أجله”.

بحسب بيان أصدره “البيت الأبيض”، أكد بايدن “سأعمل مع أي شخصٍ -جمهوريا كان أو ديمقراطيا- على استعداد للعمل معي لتحقيق نتائج لهم”.

بعد إعلان نتائج التوقعات، قال زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي في تغريدة عبر “تويتر”، إن “الأميركيين مستعدون لاتجاه جديد، وأن الجمهوريين في مجلس النواب مستعدون لتحقيق ذلك”.

فوز مكارثي الثلاثاء في اقتراع سري لنواب حزبه بزعامة الأغلبية الجمهورية، يعني أنه بات في موقع رئيسي لانتخابه رئيسا لمجلس النواب وليحل محل الديمقراطية نانسي بيلوسي.

مساعدة أوكرانيا ومواجهة الصين

فيما يخص السياسة الخارجية للجمهوريين بعد فوزهم بأغلبية مجلس النواب، سيستخدم الحزب اليميني أغلبيتهم الجديدة لتكثيف تركيز واشنطن على الصين، ومراقبة وصول المساعدات إلى أوكرانيا عن كثب، لكنهم يصرّون على أنه ليس لديهم خطط لوقف دعم كييف في قتالها مع روسيا.

النائب الجمهوري مايكل ماكول، وهو المرشح لرئاسة لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، أوضح أن أولويته القصوى ستكون التنافس مع الصين الصاعدة، بما في ذلك مراقبة صادرات التكنولوجيا الفائقة.

ماكول صرّح لوكالة “رويترز” البريطانية، “نحن في منافسة كبيرة الآن مع الصين الشيوعية. هم منافسنا الأول وربما أكبر تهديد للأمن القومي”.

بصفتهم حزب الأغلبية، سيقرر الجمهوريون ما هو التشريع الذي يتم النظر فيه في مجلس النواب، وسيكون لهم دور أكبر في وضع سياسة الإنفاق وكتابة التشريعات، لكن تأثيرهم العام على السياسة الخارجية سيكون محدودا؛ لأن سن أي قانون، فإنه بجب تمرير أي مشاريع قوانين في “مجلس الشيوخ” الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، ويوقعها الرئيس جو بايدن.

هذا يترك للجمهوريين القدرة على إجراء تحقيقات وإجبار مسؤولي الإدارة الأميركية على المساءلة والشهادة؛ لأنهم صفتهم حزب الأغلبية، سيسيطرون على لجان مجلس النواب.

بحسب موقع “الحرة”، يخطط الجمهوريون للتركيز على تعزيز سلاسل التوريد لدعم إنتاج المكونات الأساسية مثل أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، وكذلك على ضوابط التصدير، مع التركيز على ضمان عدم وصول التكنولوجيا الأميركية الحساسة إلى الجيش الصيني.

ماكول قال، “بالنسبة لي هذا جنون، نحن نسلح عدونا اللدود”، وأردف أنه يعتقد أن الديمقراطيين والجمهوريين سيعملون معا في هذه القضية لتحجيم قوة الصين بكل الطرق.

وفق “رويترز”، سيعمل ماكول والنائب الجمهوري مايك روجرز، وهو المرشح لرئاسة لجنة القوات المسلحة، معا لتعزيز خط الإمداد الصناعي الدفاعي لتسهيل توفير المعدات العسكرية لتايوان، حتى تتمكن من درء أي هجوم محتمل من الصين.

الاتفاق النووي وأفغانستان

الجمهوريون أشاروا أيضا، إلى أنهم سيكونون أكثر إحكاما فيما يتعلق بتدفق المساعدة الأميركية على أوكرانيا، لكن من غير المتوقع أن يقطعوها، إذ يتوقع ماكول استمرار تدفق المساعدات، وأن الحزبين “الجمهوري والديمقراطي” سيزعمان حكومة كييف، لكن نسبة التمويل قد تنخفض.

بحسب ماكول، فإن الجمهوريين يريدون المزيد من “الرقابة والمساءلة” على المساعدات الخارجية، فضلا عن مشاركة حلفاء الولايات المتحدة، وأنه يود أن يرى أسلحة جديدة، مثل المدفعية بعيدة المدى، يتم إرسالها إلى أوكرانيا.

“سنضع شروطا على المساعدة. على سبيل المثال، سنقدم لكم هذه المساعدة لكننا نريد أن يتحمل شركاؤنا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) عبء ذلك، وألا تكون الولايات المتحدة وحدها قادرة على دعم ذلك”.

جانب آخر سيركز عليه الجمهوريين في سياستهم الخارجية، وهو الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، والذي حاولت إدارة بايدن إحياءه منذ أن تولى الرئيس الحالي منصبه في عام 2021، لكن الجانبين لم يتمكنا من إبرام اتفاق جديد حتى الآن.

الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، انسحب من الاتفاق النووي في عام 2018، وتعهد الجمهوريون بمنع حصول أي اتفاق نووي مجددا مع طهران، وهو ما سيركزون عليه الآن بعد فوزهن بأغلبية مجلس النواب، بحسب موقع “الحرة”.

أفغانستان ستكون حاضرة أيضا، إذ يسعى الجمهوريون لعقد جلسات استماع بشأن الانسحاب الأميركي من أفغانستان في آب/أغسطس 2022، والأحداث في البلاد منذ ذلك الحين، إذ قال ماكول، “لم نحصل قط على محاسبة كاملة. لما حدث ولماذا حدث الانسحاب بالطريقة التي حدث بها”.

بالمحصلة، فإن فوز “الحزب الجمهوري” بأغلبية مجلس النواب، سيمكّنه من السيطرة على لجان المجلس، ولا سيما لجنة العلاقات الخارجية، ومن خلالها سيركزون على ملفات مواجهة نفوذ الصين الاقتصادي، وتقليل التمويل في ملف مساعدة أوكرانيا ضد روسيا، ومنع أي اتفاق نووي مع طهران، والمساءلة بشأن الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.