بعد 6 أشهر على بث التلفزيون الإيراني اعترافات لمواطنَين فرنسيَين، بأنهما يعملان لمصلحة جهاز الأمن الفرنسي بتهمة إثارة اضطرابات في إيران عبر التغلغل في احتجاجات المعلمين التي شهدتها إيران الأشهر الأخيرة، عادت العلاقات الفرنسية الإيرانية للتوتر مجددا بعد أن أعلنت طهران، “اعتقال عدد آخر من عملاء المخابرات الفرنسية” على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها المدن الإيرانية إثر وفاة الشابة مهسا أميني بعد اعتقالها من قِبل شرطة “الأخلاق“.

في أيار/مايو الماضي، أذاع التلفزيون الرسمي الإيراني مقطع فيديو ظهر فيه مواطنان فرنسيان محتجزان في إيران بتهمة “التجسس“، هما سيسيل كولر (37 عاما) وشريكها جاك باريس (69 عاما)، وهما يعترفان بأنهما كانا “يتجسسان” لصالح إحدى الوكالات الأمنية الفرنسية.

وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية قالت آنذاك، إنها ألقت القبض على أوروبيَين لتحريضهما على “زعزعة الأمن” في إيران، في حين أدانت فرنسا إيران وطالبت بإطلاق سراح سيسيل كولر وشريكها جاك باريس على الفور.

على خلفية الاعترافات المصورة، اتهمت وزارة الخارجية الفرنسية طهران بممارسات أسوأ الأنظمة الديكتاتورية على الإطلاق ونفت بشكل قاطع أن المتهمَين من أفراد خدمات الاستخبارات الفرنسية.

مجددا عادت العلاقات بين طهران وباريس لدائرة التوتر، وسط اتهامات إيرانية للدول الغربية باستغلال الاحتجاجات في البلاد لإثارة الاضطرابات وزيادة الضغوط عليها عبر تشديد العقوبات.

اقرأ/ي أيضا: في ظل ارتفاع التضخم واقتراب الانتخابات.. ما حظوظ أردوغان؟

إيران تحمّل فواعل خارجية مسؤولية الاحتجاجات

حاليا تشهد إيران تظاهرات مستمرة منذ مقتل الشابة مهسا أميني بعد احتجازها من قِبل شرطة الأخلاق في سبتمبر /أيلول، غير أن طهران تحاول إلقاء اللوم على الدول الغربية وجماعات كردية لاجئة في شمال العراق، وفي هذا الإطار عادت إيران للتصعيد ضد فرنسا، من خلال إعلانها القبض على عناصر استخباراتية تسعى لاستغلال الاحتجاجات وتأجيجها.

في المقابل، نفت وزارة الخارجية الفرنسية اتهامات طهران بشأن مواطنَيها وقالت، إن الاعتقالات طالت 7 مواطنين فرنسيين بشكل “تعسفي” في إيران، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في ختام قمة مجموعة الـ 20 في إندونيسيا، إن إيران تتعامل بعدوانية متزايدة تجاه فرنسا باعتقالها مواطنينَ فرنسيينَ وأخذهم رهائن.

اللافت أن التصعيد الإيراني تجاه فرانسا جاء عقِب استقبال الرئيس الفرنسي 4 ناشطات في المعارضة الإيرانية وإشادته بـ“الثورة” التي تقودها النساء في إيران، كما أن اعتقال الأجانب في إيران لم يقتصر على المواطنينَ الفرنسيينَ، وإنما شمل أحيانا سيّاحا وأكاديميين ودبلوماسيين غربيين آخرين، وتزامن مع ارتفاع الضغوط الأوروبية على طهران.

اعتقال إيران لفرنسيين لم يكن تصرف جديد تجاه الغربيين، بل سبق واعتقلت السفير البريطاني السابق لدى إيران روب ماكاير، خلال مشاركته في احتجاجات شعبية على خلفية إسقاط “الحرس الثوري” طائرة ركاب أوكرانية عن طريق الخطأ في كانون الثاني/يناير 2020.

وفي تموز/يوليو الماضي أعلن جهاز استخبارات “الحرس الثوري” احتجاز جايلز ويتار، نائب رئيس البعثة الدبلوماسية البريطانية بتهمة التجسس على مناطق عسكرية، إلى جانب رونالد غشين زوج المستشارة الثقافية في السفارة النمساوية وآخرين.

خبراء يرون أن ما تفعله طهران، محاولة للرد على العقوبات الغربية التي يفرضها عليها الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية نتيجة لانتهاكات حقوق الإنسان على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها، وبخاصة ضد باريس على اعتبارها مَن لعب دورا بارزا في زيادة الضغوط الغربية على طهران.

اقرأ/ي أيضا: خلاف على منصب القائم بأعمال مرشد “الإخوان المسلمين” في مصر.. هل تعاني الجماعة من التفكك؟

أبعاد التوتر بين إيران وفرنسا

إضافة إلى ذلك، فأن جذور التوتر بين إيران والدول الأوروبية وفرنسا تحديدا، لا تخرج عن ثالوث النووي والسياسة الإقليمية والحرب على أوكرانيا، على اعتبار أن إفشال المبادرة الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي ساهمت في إعادة التوتر في العلاقات بين طهران والدول الأوروبية.

من جهته، يؤكد الجانب الغربي، أن سياسات إيران الإقليمية تعمل على زعزعة الاستقرار وتهدف إلى خلق تهديدات للشراكات الاقتصادية الغربية في الشرق الأوسط بشكل مباشر.

وسط ذلك، من المتوقع توسع دائرة التوتر في العلاقات الإيرانية الغربية خلال الفترة القليلة المقبلة، في وقت تسعى فيه العواصم الغربية، لا سيما باريس، الضغط على طهران لتعديل سلوكها في المفاوضات النووية وموقفها من الحرب الروسية على أوكرانيا.

بالمقابل، يرى مختصون أن تصرفات إيران قد تدفع الدول الغربية لتدويل الملفات الإيرانية، ومنها التحركات الرامية لإدانة طهران في مجلس حقوق الإنسان واتخاذ إجراءات ضدها في مجلس محافظي “وكالة الطاقة الذرية”، ما قد يفاقم الأزمة ويؤدي إلى عودة الضغوط الأممية ضد إيران.

يأتي ذلك على الرغم من أن باريس تُعد من أكثر العواصم الغربية تمسكا بتواصل الحوار مع طهران، وأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن، الإثنين الماضي، عزمه على الاتصال بنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في الأسابيع المقبلة.

عداء إيران يقطع رغبة فرنسا في التقارب

التطورات التصعيدية الحاصلة قد تترك مساحة ضيقة للغاية للحوار؛ خصوصا أن العلاقات الثنائية الفرنسية الإيرانية، تتداخل مع ملفات أخرى لها علاقة بالملف النووي الإيراني، وما يحصل في فيينا حاليا، في إطار اجتماعات مجلس محافظي “الوكالة الدولية للطاقة النووية”، واستمرار ما تعتبره فرنسا سياسة إيرانية مزعزعة للاستقرار في جوارها الإقليمي.

ومن بين المحتجزين الآخرين الباحثة الفرنسية من أصل إيراني فاريبا عادل خاه، التي اعتُقلت في حزيران/يونيو عام 2019 وصدر ضدها في وقت لاحق حكم بالسجن خمس سنوات بتهمة الإضرار بالأمن القومي، وهي مزاعم تنفيها أسرتها.

فرنسا كانت قد اتهمت إيران الشهر الماضي بما وصفتها بـ“الممارسات الديكتاتورية“، وباحتجاز مواطنيها كرهائن، وقد دفعت المظاهرات التي أعقبت وفاة مهسا أميني بالاتحاد الأوروبي إلى أن يحذو حذو كل من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، في فرض عقوبات على إيران.

ومن المنتظر أن يقرّ الاتحاد الأوروبي جولة جديدة من العقوبات ضد إيران بسبب ما وصِف بانتهاكات لحقوق الإنسان خلال المظاهرات التي عمت مختلف أرجاء البلاد.

يُشار إلى أن العلاقات بين فرنسا وإيران قد تدهورت في الأشهر الأخيرة الماضية، في وقت توقفت فيه المساعي الرامية إلى إعادة إحياء المحادثات حول برنامج طهران النووي، والتي تُعد باريس طرفا فيها.

الحكومة الفرنسية كانت قد نصحت مواطنيها الذين كانوا في زيارة إلى إيران الشهر الماضي بمغادرة البلاد بأسرع وقت ممكن، ومع اعتقال الفرنسيَين الاثنين، ارتفع عدد المعتقلين الفرنسيين في سجون إيران إلى سبعة.

اقرأ/ي أيضا: مصر تستضيف لقاءات “ستارت” الأميركية الروسية.. ما هي المآلات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة