بعد استمرار الاحتجاجات الإيرانية منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي، على خلفية وفاة الشابة الكردية مهسا أميني بعد اعتقالها من قِبل شرطة “الأخلاق”، قررت السلطات الإيرانية إلغاء القوة المسؤولة عن اعتقال أميني، والمعنية بمتابعة لباس النساء وتطبيق ارتداء الحجاب، وهو ما قد يكون خطوة لتنازلات أبعد من ذلك، لاسيما بعد التنازل الذي نجحت حركة الاحتجاج في إجبار الحكومة على تقديمه.

القرار جاء على إثر استمرار وقع الاحتجاجات واتساعها في مختلف أنحاء إيران، حيث بدأ النظام بالبحث عن مخرج، إذ أعلن المدعي العام الإيراني حجة الإسلام محمد جعفر منتظري، مساء أول أمس السبت، عن مراجعة القانون الذي يفرض الحجاب وبحث إمكانية تعديله، دون تأكيد من الحكومة، وذلك لتفادي تكرار حادثة أميني التي احتجزتها القوة لانتهاكها المزعوم لقوانين اللباس الإسلامي الصارمة في البلاد.

المدعي العام جواد منتظري قال خلال اجتماع يناقش فيه المسؤولون الاضطرابات، إن شرطة “الأخلاق” أُلغت من قِبل نفس السلطات التي قامت بتثبيتها، بيد أنه لم يكن من الواضح ما إذا كان الإعلان، بمثابة قرار نهائي من قِبل الحكومة، التي لم تعلن إلغاء شرطة “الأخلاق” ولم تنكر ذلك، حتى بعد تقارير وسائل الإعلام، وإعلان منتظري.

ما تداعيات حل شرطة “الأخلاق“؟

غير إن خطوة إلغاء شرطة “الأخلاق“، والتي يسعى من خلاله النظام الإيراني إلى استرضاء المحتجين الذين ما زالوا يشتبكون مع قوات الأمن بمختلف أصنافها، ويطالبون بإنهاء الجمهورية الإسلامية، على أمل أن يدفع التغيير إلى إطفاء نار الغضب التي أشعلتها الممارسات القسرية، لم تكن واضحة إذا ما ستنجح في ذلك أم تفشل.

فضلا عن ما إذا سيمثل القرار مقدمة إلى خطوات أخرى، قد تصل إلى حد أن يدفع النظام الذي يقوده المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، أن يرخي الأحكام “الإسلامية القسرية” التي يفرضها على المواطنين، وبغية صرف الأنظار عن الأزمة المعيشية التي تفاقمت مع تعثر المفاوضات النووية، فضلا عن ما يمكن أن تمتد إليه التداعيات إلى مستوى تهديد مجلس صيانة الدستور الذي يراقب قرارات البرلمان، والسياسية الخارجية للدولة، والتي تضعها بموقف محرج أمام وكلائها الذين يرفعون يافطة “المقاومة الإسلامية“، مقابل التنازلات التي قدمتها دولتهم التي تدعمهم.

اقرأ/ي أيضا: العقوبات المالية تحاصر ممولي الإرهاب..على من تدور الحروب في الشرق الأوسط؟

ولبحث تلك التساؤلات أكثر، تحدث موقع “الحل نت“، مع الباحث السياسي عقيل عباس، الذي قال إن حل شرطة “الأخلاق“، يُعد تنازلا مهما على مستوى تنازل السلطات الإيرانية للمحتجين، سيما وأن إيران، لن تقدم تنازلات للمحتجين باستثناء تكرار إضراب سائقي الشاحنات في أعوام 2016-2017، ولذلك يمكن أن يكون تنازلا كبيرا ومهما.

وعن تداعيات القرار الإيراني على مستوى تأثر صورتها الخارجية لاسيما أمام أذرعها ووكلائها التي تربطهم بها علاقة إسلامية وسياسة، شرح المفكر الإسلامي والسياسي غالب الشابندر إلى “الحل نت“، تأثيرات ذلك، قائلا إن العلاقة لن تتأثر بين إيران ووكلائها، لسبب أنها علاقة عقائدية وليست علاقة حكم شرعي”.

بالتالي أن أي أمر يصدر عن إيران سيكون بمثابة الحكم الشرعي في حسابات وكلائها، حتى وإن أصدروا رؤية أخرى حول الحجاب سيعتبرونه حكم شرعي لأنهم محكومون بالعنوان الأساس على اعتبار أن كل ما يصدر من ولاية الفقيه علي خامني يعتبر تكليفا شرعيا، حتى إن كان من الناحية الظاهرية مخالف للإسلام أو الشريعة الإسلامية.

الشابندر بيّن في حديثه أيضا، أن إصدار إيران موقفها هذا حول شرطة “الأخلاق“، سيدفع الجماهير التي رفضت شرطة “الاخلاق” وفرض والحجاب، وليس رفض الحجاب، إلى رفع سقف المطالبات أكثر، وذلك لما سيوفره قرار شرطة “الأخلاق” من ذريعة لهم.

حل شرطة “الأخلاق” يرفع سق مطالب المحتجين

إلى ذلك، وحول إذا ما كان القرار الإيراني سيمثل مقدمة لقرارات أكبر يمكن أن يرضخ لها النظام الإيراني لتخفيف أحكام الجمهورية “القسرية“، أو على مستوى حل مفاصل مهمة في الدولة، أوضح الشابندر أن النظام سيتمسك بالعقيدة بشكلها العام بالسلاح والقوة، ولكنه سيرخي قبضته إلى حد ما من حيث الأحكام الشرعية التي تتعلق بحقوق الإنسان والعمال والتصرفات الشخصية، مبينا أن في الحكم الإيراني الإسلامي هناك تصورا يسمى الحكم الثانوي بدل الأولي، والحكم الثانوي بطبيعته قابل لكثير من التأويلات، بالتالي إن الأحكام الأولية ستتحول إلى ثانوية والاحكام الثانوية ستتعرض لتأويل، لذلك سيشهد المجتمع الإيراني تراخيا في كثير من الجوانب الشرعية لكن في جانب العقيدة والسياسة، لن يتساهلوا خصوصا بالنظر الى شخصية الخامنئي الذي لا يتنازل أبدا.

الشرطة الإيرانية هي من تُشرف على شرطة “الأخلاق“، وليس المدعي العام الذي أعلن حلها، غير أنه أكد في تصريحاته التي نقلتها صحيفة “نيويورك تايمز”، أن القضاء سيظل يفرض قيودا على السلوك الاجتماعي، في حين سبق وقال، إن السلطات تُراجع القانون الذي يتطلب من النساء تغطية أجسادهن بملابس طويلة وفضفاضة وشعرهن بوشاح الرأس أو الحجاب، وستصدر قرارا في غضون 15 يوما.

وسط ذلك كانت هناك العديد من التقارير من سكان إيران بأن شرطة “الأخلاق” نادرا ما شوهدت في الشوارع منذ اندلاع الاحتجاجات، وتظهر النساء بشكل متزايد في الأماكن العامة مع كشف شعرهن، لكن تُظهر مقاطع فيديو أخرى أن قوات الأمن بما فيها رجال ميليشيا “الباسيج” سيئة السمعة، تتعرض بالضرب وتعتقل النساء اللواتي يخرجن وشعرهن مكشوف.

تقرأ/ي أيضا: استهداف “الحوثي” للمنشآت النفطية.. العودة لأجواء الحرب في اليمن؟

بالمقابل، رفضت النساء والناشطات الإيرانيات الحديث عن حل القوة كتكتيك دعائي من قبل الحكومة لصرف الانتباه عن المطلب الأكبر للمتظاهرين بإنهاء حكم الجمهورية الإسلامية، فيما كان الحجاب قد أصبح إلزاميا في البلاد اعتبارا من نيسان/أبريل 1983، أي بعد أربعة أعوام على الثورة الإسلامية التي أطاحت بنظام الشاه.

يُشار إلى أن مواجهة القوات الإيرانية للمحتجين، تسببت بمقتل أكثر من 300 شخص، وذلك وفق ما أُعلن عنه للمرة الأولى من قبل قائد القوة “الجوفضائية” لـ “الحرس الثوري” العميد أمير علي حاجي زاده الأسبوع الماضي، وفي وقت تفيد فيه منظمة “حقوق الإنسان” في إيران، ومقرها أوسلو، بأن قوات الأمن قتلت حتى الآن 448 متظاهرا على الأقل معظمهم في سيستان بلوشستان الواقعة في جنوب شرقي إيران عند الحدود.

إحصاءات ضحايا النظام الإيراني.. ما علاقة روسيا؟

128 شخصا قتلوا على الأقل في سيستان بلوشستان في الحملة الأمنية التي تشنها السلطات الإيرانية، بحسب منظمة “حقوق الإنسان” في إيران، وهي أكبر حصيلة للقتلى الذين سجل سقوطهم في 26 من محافظات إيران الـ 31، فيما حلت كردستان في المرتبة الثانية لجهة عدد قتلى الاحتجاجات، حيث بلغوا 53 شخصا، إذ إنها مسقط رأس أميني، وتقع في غرب إيران عند الحدود مع العراق، وتُعد مركزا أخر للاحتجاجات.

الأسبوع الماضي قال المفوض السامي الأممي لحقوق الإنسان فولكر تورك، إن 14 ألف شخص بينهم أطفال أوقفوا في حملة قمع الاحتجاجات، وفي غضون ذلك، أفادت معلومات أن النظام الإيراني قدم في الأيام الأخيرة طلبا رسميا إلى روسيا للحصول على معدات وسيارات أمنية خاصة لمواجهة الاحتجاجات، كما طلب إرسال مستشارين وخبراء روس لمساعدة النظام الإيراني على قمع الاحتجاجات، وفقا لموقع “إيران إنترناشيونال“.

الموقع نقل، إن هذا الطلب يأتي بعد تقارير تشير إلى أن طهران تتوقع استمرار التظاهرات الاحتجاجية الواسعة والمطالِبة بإسقاط النظام لفترة زمنية طويلة، في حين كانت المتحدثة باسم “البيت الأبيض”، كارين جان بيير، قد تطرقت سابقا إلى مساعدة روسيا للنظام الإيراني في مجال قمع الاحتجاجات، وقالت، “من المحتمل أن تقدم موسكو استشارات لطهران بشأن قمع الاحتجاجات لأن روسيا لديها خبرة كبيرة في قمع تظاهرات الشوارع“.

كما أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عن قلقه من زيارة سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف لإيران، واحتمال مساعدة روسيا لطهران في الاحتجاجات.

الجدير ذكره، أنه يمكن ملاحظة الاعتماد الإيراني على الاستشارات الروسية بوضوح في تسريب وكالة “فارس” لقائد “الحرس الثوري”، حسين سلامي، وقد جاء في هذا التسريب أن جهاز المخابرات الروسي نقل نتائج التنصت على أجهزة المخابرات الغربية، إلى المسؤولين الإيرانيين التي تظهر أن الشعب الإيراني في حالة ثورة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.