بعد أشهر من الانتظار والترقب، بدأ لبنان منذ مطلع شهر كانون أول/ديسمبر الحالي، تطبيق التسعيرة الجديدة للدولار الجمركي، والتي حددت بـ 15 ألف ليرة لبنانية بدلا من التسعيرة السابقة، التي كانت توازي 1500 ليرة لبنانية، في تطور ينظر إليه اللبنانيون بقلق كبير.

رفع تسعيرة الدولار الجمركي، أثار مخاوف مراقبين من أن يؤثر سلبا على القدرات الشرائية للبنانيين، وذلك رغم تأكيد وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية منذ أيام، أن “70 في المئة من المواد الغذائية لن تتأثر بالدولار الجمركي على السعر الجديد، ولن يكون هناك زيادة أعباء على الناس، خصوصا في ظل تفلت سعر صرف الدولار وهبوط القدرة الشرائية”، على حد تعبيره.

تحت الضغط

قرار رفع الدولار الجمركي، يمكن وصفه بالقرار “المتسرع”، الذي أتى تحت الضغط أو إلى حد ما إكراه وزارة المالية ووزير المالية لاتخاذه، نظرا لاعتقادهم أنه يردف الخزينة بأموال كبيرة يستطيعون من خلالها تغطية الإنفاق، وخاصة زيادات الإنفاق التي أُقرت في موازنة 2022 والتي سبق وأن نشرت قبل 10 أيام من صدور تاريخ هذا القرار.، بحسب حديث الخبير المالي والاقتصادي بلال علامة لـ”الحل نت”.

الأجهزة الرسمية وخصوصا وزارة المالية، تراهن على أن رفع الدولار الجمركي، سيؤدي لرفد الخزينة بإيرادات عالية، ولكن للأسف هذا الموضوع في حقيقة الأمر لن يؤدي إلى ذلك، وفق علامة، فلا يمكن لأي دولة أو مجتمع تعاني ما يعانيه المجتمع اللبناني، أن يؤدي قرار من هذا النوع إلى زيادة الإيرادات، بل سيؤدي إلى تناقصها، وخاصة أن الوزارات المعنية بمتابعة هذا القرار لم تستطع أن تكون حاضرة، وهنا نتكلم عن وزارة الاقتصاد التي عليها أن تؤمن جداول ولوائح بكل السلع المعفاة من الرسوم الجمركية والسلع التي سيطالها التعديل.

هذا الأمر بحسب علامة، تُرك رهن متابعات لاحقة، وهذا الموضوع سيؤدي إلى فوضى في الأسواق، خاصة إذا علمنا أن الكثير من التجار تعمدوا في فترات سابقة إلى استيراد كميات هائلة من السلع، سواء التي يطالها الرسم الجمركي أو التي لا يطالها، بحسب تعبيره.

قد يهمك: رسميا لبنان بلا أموال.. إفلاس الدولة اللبنانية والمصرف المركزي

 مدير عام وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية محمد أبو حيدر، أوضح في تصريح خاص لوكالة “الأنباء” القطرية، أن لبنان يستورد 86 بالمئة من مواده الغذائية، وبالتالي يعتمد الاقتصاد اللبناني على الدولار في تعاملاته، وأن البلاد مرتبطة باتفاقيتين، إحداهما اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، والثانية اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية.

وزارة الصناعة اللبنانية بدورها قد أعلنت، في بيان لها، عن بدء العمل بتسعيرة الدولار الجمركي الجديدة في الأول من كانون أول/ديسمبر الجاري، مؤكدة أن هذا الإجراء لن يطال الآلات الصناعية والمواد الأولية المستوردة للزوم الصناعة والتصنيع في لبنان. بدوره أكد جورج بوشكيان، وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، في حديث تلفزيوني، أن “رفع الدولار الجمركي يحمي المنتجات المصنّعة في لبنان، وأن وزارة الصناعة تراقب المنتجات، لأن ما يهمها هو المستهلك” على حدّ وصفه.

مراقبة التجار

الموضوع الأساسي في لبنان اليوم، هو مراقبة التجار الذين قاموا بتخزين كميات هائلة من مختلف البضائع قبل إصدار التعرفة الجديدة للدولار الجمركي، ليتم منعهم من بيعها على السعر الجديد، حيث أن أولوية وزارة الاقتصاد والأجهزة الأمنية حاليا، هي وضع آلية بيع هذه المنتجات تحت رقابة مشددة. بحسب حديث للمدير العام لوزارة الاقتصاد في لبنان، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”.

رغم دخول القرار حيز التنفيذ، فإنه لم يتم حتى الساعة تحديد ما هي السلع المعفاة أو تلك التي تخضع أو لا للدولار الجمركي الجديد، إذ أن هذا الوضع يمكن أن يتحول إلى إرباك في الأسواق وفرصة جديدة للفساد بالنسبة لبعض التجار والمستفيدين، ممن كدّسوا البضائع والسلع على السعر القديم لطرحها في الأسواق بعد ارتفاع الدولار الجمركي

السوق اللبناني سوق مرن، لا يوجد فيه سياسات سعرية عامة، بحسب حديث  الباحث والخبير الاقتصادي بيار خوري، لـ”الحل نت” والذي استبعد كلمة إرباك في وصف حالة الأسواق، فكل الأشياء إجمالا متروكة للسوق، وخلال الأزمة التي عاشها البلد خلال السنوات الثلاث الماضية، أصبح هناك تفلت ساري، لدرجة سُمّي بالجشع التضخمي، ولكن هناك مرونة دائمة، إي أن السوق اللبناني يقوم بموازنة نفسه، بناءا لقوانين العرض والطلب وقدرة المستهلك على الدفع، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما يحصل اليوم بناءا لميزانية متضائلة بالليرة، وميزانية متضائلة حتى لهؤلاء الذين عندهم دخل بعملة ثابتة مثل الدولار الأميركي أو اليورو الأوروبي.

 تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الطاقة والغذاء، إلى جانب انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، والتدهور المتزايد الذي تعيشه البلد على كافة الأصعدة، جميع ذلك، بحسب خوري، يبرهن بأن لبنان قادر عل التأقلم بسبب قدرته على ذلك، وليس بسبب السياسات التي تطرحها الحكومة.

انكماش إضافي

الوضع اللبناني يعاني من انكماش هائل ويعاني من اضطرابات في سوق التجارة الدولية، بمعنى أن لبنان يعاني الأمرّين، حتى يستطيع التجار تأمين السلع الأساسية للبلد، وبالتالي كان من المفترض أن يتم تخفيض الرسوم ومساعدة التجار على جعل العملية التجارية أكثر انسيابية كي تتفعّل إيجابا، وأن يؤدي هذا الموضوع إلى زيادة الإيرادات بالنسبة للخزينة.

ما حصل بالنسبة لرفع رسم الدولار الجمركي، بحسب الخبير الاقتصادي بلال علامة، سيؤدي حتما إلى انكماش إضافي، فكل الرسوم التي ستُدفع على السلع والمستوردات، ستكون بمكان ما بمثابة ضربة قاضية للحركة التجارية والاقتصادية، وستنعكس سلبا عل الاستيراد في المرحلة القادمة، وبالتالي هذا الانكماش سيؤدي إلى تخفيض إيرادات الدولة.

الحل لم يكن أبدا بزيادة هذه الرسوم الجمركية بهذه الطريقة أو رفع رسم الجمركي بهذه الطريقة الفجائية، وفق علامة، قد يكون لبنان بحاجة جدّية إلى تعديل كل الرسوم والأسعار التي يعتمدها ومنها الرسم الجمركي، ولكن لا يمكن أن يكون قرارا على حدى بمعزل عن باقي القرارات التي تعالج الأزمة الاقتصادية.

اقرأ أيضا: الدولار الأميركي يشعل أسعار المحروقات في لبنان

على الأجهزة الرسمية أن تبحث عن تفعيل الجباية وتفعيل الإيرادات من خلال تكبير حجم الاقتصاد وزيادة النمو فيه، بدلا من أن تفتش على رفع الرسم الجمركي بهذه الطريقة، فينكمش الاقتصاد ويحصل نمو سلبي يؤدي إلى انخفاض الإيرادات والواردات إلى الدولة. في ظل تفلت الواقع اللبناني وعمل السوق بالتهريب حتى بنسب كبيرة ومرتفعة جدا، ستجعل من المواطن هو من يدفع الثمن، في وقت سيلجأ فيه التجار إلى السوق السوداء، في محاولة منهم التهرب من التبعات السلبية لهذا القرار، وبالتالي ستضطرب الأسواق بشكل كبير جدا وستكون العواقب وخيمة في حال لم تستدرك السلطة الموضوع وتعالجه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.