وتيرة الاشتباكات تتصاعد بين قوى الإرهاب في مالي، والمتمثلة بـ”القاعدة”، وتنظيم “داعش” الإرهابي، وجماعة “نصرة الإسلام”، إلى جانب “فاغنر” الروسية، حيث نتج عنها عشرات الضحايا من المدنيين، يصحبها عمليات إعدامات ميدانية وانتهاكات ترقى لجرائم حرب بحق المحاصرين من مواطني الولاية الإفريقية، ممن لم يحصلوا على فرصة الفرار من مناطقهم باتجاه أماكن أكثر أمنا.

 حرب النفوذ بين “القاعدة” و”داعش” للسيطرة على مناطق في ميناكا وجاوا، تطورت لاشتباكات عنيفة بين التنظيمين الجهاديين مؤخرا، وأدّت لمصرع عشرات المدنيين، ونزوح المئات، بحسب تصريحات صحفية لمسؤولين في حكومة محلية شرقي مالي.

موجات الصراعات بين التكتلات الجهادية التي حصلت الأسبوع الفائت، أودت بحياة الآلاف ونزوح أكثر من 2.7 مليون شخص في أرجاء منطقة الساحل، وفق بيانات أممية.

حرب النفوذ والسيطرة

حرب الجغرافيا والسيطرة على الموارد، هي من أهم مسببات الصراع بين المجموعات الجهادية في ولاية ميناكا، بحسب حديث الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية محمد سعيد كبرشية، لـ”الحل نت”، تبعه أيضا غياب أجهزة الدولة الأمنية، فتحولت تلك المناطق لمراتع للإرهاب، وفق تعبيره.

وتيرة القتال تتصاعد بشكل يومي بين جماعة “نصرة الإسلام” الموالية لـ”القاعدة”، وبين تنظيم “داعش” في مناطق عدة في ميناكا، ومنها انستاتن، وتأملت وأغزرا، بحسب كبرشيه، ويضيف قائلا، إنه “في الأيام القليلة الماضية، هاجم تنظيم داعش مناطق عدة في ولاية ميناكا، كانت واقعة تحت سيطرة جماعة “نصرة الإسلام”، قتل فيها مالا يقل عن 40 جهاديا من النصرة، وسيطر على بعض من مناطقه وأسلحته، وأحرق سياراته وصادر أخرى”.

قد يهمك: الإرهاب في إفريقيا.. صعود للجماعات المتطرفة والجهادية القادمة من أفغانستان؟

في المقابل انسحب مقاتلو “داعش” من منطقة إنستانت وأضرنبوكار، بعد هجوم نفذه تنظيم “نصرة الإسلام” راح ضحيته أكثر من 300 شخص، غالبيتهم من المدنيين إلى جانب 7000 بين نازح ومفقود، بحسب كبرشية.

حول أسباب الصراع يقول كبرشية، إن “جماعة النصرة وداعش، تعتبران منطقة ميناكا، عمقا استراتيجيا، لتأسيس كل منهما دولته، فالتنظيم استغل تردي الأوضاع في نيجيريا، وتمدد على طول الشريط الحدودي بين مالي ونيجيريا، مما ساهم في حصوله على مصادر تمويل جديدة لعناصره بالسلاح والعتاد” وفق تعبيره.

مثلث الصراع الإرهابي

“داعش” يهدف من وراء سيطرته على “ميناكا”، الاستفادة من موقعها الاستراتيجي لقربها من نيجيريا، وسلب كنوزها من المواد الخام كالذهب، وموارد الطاقة والسليكون، والنفط والغاز إلى جانب ثروتها الحيوانية ومراعيها، بحسب حديث الصحفي الموريتاني عبد الله ولد دادا، لـ”الحل نت”.

المثلث الحدودي الذي يضم مالي وتشاد والنيجر، بحسب دادا، يعتبر بمثابة طريق الحرير للتنظيمات الجهادية الذي يصل إلى الحدود الإدارية لليبيا، والذي تستخدمه هذه التنظيمات في عمليات تهريب البشر والجهاديين والمخدرات ومصادر الطاقة أيضا.

 المجموعات المتشددة، تجهد في تهجير السكان المدنيين من تلك المناطق لا سيما البدو منهم، والسيطرة على المنطقة الغنية بموارد الغاز والنفط، بحسب دادا، ويعتبر المثلث الحدودي الذي يعاني هشاشة أمنية وصراعات ومرتكزات لبؤر الإرهاب، مصدر قلق وبمثابة حزام ناسف يهدد أمن الدول الإفريقية الثلاثة، مالي تشاد النيجر، وفق تعبيره.

فيما يعتقد الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية عبد الرحمن بلوشي، أن “السلام في تلك المناطق يصعب تحقيقه، رغم المحاولات الكثيفة لعقد صفقات تهدئة بين حلقات الصراع هناك من قِبل بعض الأطراف المحلية، بحسب تعبيره، وتطرق في حديثه لـ”الحل نت” إلى وجود مجموعات عديدة تتعارك فيما بينها في مالي، ولا تنحصر فقط بين تنظيم “داعش” وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، ومرتزقة “فاغنر”.

يعيش سكان بلدة كيدال، وهي إحدى أهم المدن الرئيسية شمال مالي منذ سنوات على صفيح ساخن، بحسب بلوشي، فبلدتهم في مرمى الصراعات بين مقاتلي “جاتيا” الموالية للحكومة المالية، وتنسيقية “حركات أزواد” التي يهيمن عليها “الطوارق”، وراح ضحية اشتباكاتهم آلاف المدنيين بين قتيل وجريح، ونازح ومفقود، إضافة لعمليات اغتصاب ممنهجة ارتُكبت بحق النساء والأطفال في الرقعة الأكثر دموية في القارة السمراء، من قِبل الأطراف الإرهابية المتناحرة فيها ” على حدّ قوله.

انتهاكات “فاغنر” في مالي

تقرير لموقع “المشارق” الإلكتروني التابع للقيادة المركزية الأميركية، بعنوان “مرتزقة فاغنر يشجعون المقاتلين المتطرفين، ويشردون المدنيين في شمال مالي” كشف عمليات قتل تُرتكب في صفوف المدنيين، يقف ورائها مجموعة “فاغنر” الروسية بالتنسيق مع الجيش المالي الموالي لروسيا.

اقرأ أيضا: تجدد المعارك في الكونغو الديمقراطية.. “نذير شؤم” على القارة السمراء؟

“المشارق” نقل عن العضو في مجموعة المراقبة” كيسا ” المدافعة عن حقوق قومية “السونغاي” في مالي، بنت سيدي بيه غاسكوين، قولها، “الناس يحكمون بناء على الفظائع التي تُرتكب ضد المدنيين، ومنذ وصول فاغنر، ولا سيما بعد ما حدث في مور، فإننا نشهد ارتفاعا سريعا في عدد الضحايا المدنيين” وفق تعبيرها.

في تقرير سابق لها بعنوان “اتهام لمرتزقة روس بارتكاب مجزرة بحق المدنيين في مالي”، نقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية، عن مصادر محلية، اتهامهم مجموعة “فاغنر” الروسية بارتكابها مجزرة في إحدى البلدات بمالي، خلال عملية جوية واسعة نفذتها على قرية بريف بلدة تينينكو أعقبها هجوم بري، لقي فيها ما لا يقل عن 13 مدنيا مصرعهم على يد قوات مالية، ومقاتلين من مرتزقة “فاغنر”، وقال مسؤول محلي، إن “من بين الضحايا امرأة وابنتها وحفيدتها”.

مخيم “أمبره”

بالعودة إلى الصحفي الموريتاني عبد الله ولد دادا، الذي بيّن أن تصاعد العنف الذي ترتكبه المجموعات الجهادية والقوات المالية، وعناصر “فاغنر” الروسية أجبر المدنيين النزوح إلى الحدود الموريتانية، وتحديدا نحو مخيم “أمبره” أحد أكبر مخيمات منطقة الساحل للاجئين الماليين، والواقع على بعد 20 كيلومترا شرق موريتانيا.

الحكومة الموريتانية، نجحت في كبح جماح الإرهاب من التمدد إلى أراضيها ونجحت في حماية الوافدين للمخيم الذي يقطنه أكثر من 50 ألفا غالبيتهم من النساء والأطفال، مسجلين كلاجئين في سجلات منظمة “الهجرة الدولية”، وفق دادا.

موريتانيا، تتولى تأمين اللاجئين الماليين للعام السابع على التوالي، يقول دادا، بعد أن استوطنت جماعات إرهابية منازلهم وقراهم وبلداتهم منذ 2012. ويكشف دادا الذي زار مخيمات الفارين من مالي، عن أن “المدنيين يتعرضون لعمليات قتل وإعدامات ميدانية، والنساء لاغتصابات جماعية مروعة ليس فقط على يد عناصر داعش وتنظيم القاعدة، ومرتزقة فاغنر والجيش المالي، بل حتى على يد قطاعي الطرق ومقاتلي القبائل”، على حد قوله.

تحذيرات أممية

حدة التحذيرات الأممية تصاعدت من خطر مجاعة يلوح في أفق القارة الإفريقية، ومنها مالي على وجه الخصوص، أكثر من أي وقت مضى، بعد شح التمويل الدولي، وتراجع عمل المنظمات الإنسانية، نتيجة تفاقم الوضع الأمني وتمدد رقعة الإرهاب فيها الذي أرغم الرعاة والمزارعين على هجرة حقولهم ومنازلهم.

تقارير صحفية نقلت عن فيديريكو دوينرت، مسؤول برنامج الأغذية العالمي بالأمم المتحدة، قلقه من خطر المجاعة التي قد يواجها أكثر من 25 ألف في مناطق غرب إفريقيا الملتهبة من الصراعات العام القادم.

 أثناء تقديمه نتائج آخر تقرير للأمن الغذائي للأمم المتحدة في داكار بالسنغال، أرجع المسؤول الأممي، العنف والانكماش الاقتصادي، الذي خلفه وباء “كوفيد 19″، والحرب الأوكرانية لأهم أسباب تعرض المدنيين في مالي وبوركينا ونيجيريا لخطر الجوع.

“أحد أبرز الأشياء هو أننا كنا مررنا بمشكلات، بسبب انعدام بالغ للأمن الغذائي العام الماضي، لكننا نشهد هذا العام تدهورا أكبر”، بحسب دوينرت.

قد يهمك: “عدو لم يكن بالحسبان”.. فقدان آدم يبال بداية لانهيار حركة “الشباب” الصومالية؟

وفق بيان الأمم المتحدة، فالأزمة الإنسانية تتصاعد في غرب إفريقيا على طول الحدود بين مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، إذ أن أكثر من 10 ملايين شخص بحاجة للمساعدة.

مع غياب الدولة، وتفاقم الوضع الأمني، وانتشار الفوضى، إلى جانب كابوس المجاعة الذي يطارد السكان المدنيين، ممن فقدوا سبل عيشهم بسبب الجفاف والإرهاب، وعجز المنظمات الإنسانية الوصول إليهم، بات القتل والفرار المشهد اليومي المتكرر على خارطة البلد الإفريقي، حيث يرى مراقبون بأنه لا حلول قريبة تلوح بالأفق لوقف معاناتهم، سوى التحرك جدّيا من قِبل الدول العظمى، لوضع حدّ لتمدد الإرهاب والقضاء عليه بشكل كامل في القارة الإفريقية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.