رغم غياب الأنشطة الإرهابية لتنظيم “داعش” عن الجزائر، تواصل الحكومة الجزائرية مساعيها في مواجهة تنظيمات العنف والتطرف بأشكال عدة، إن كان عبر المواجهة القانونية أو الفكرية المتعلقة بتغيير مناهج التعليم وتغيير سياسات مؤسسات الدولة.

يبدو أن بعض الخلايا التي تعلن الجزائر بشكل دوري عن تفكيكها في البلاد، تدفع الحكومة إلى مزيد من الجهود لوضع استراتيجيات دقيقة، من شأنها منع أي ظهور جديد للتنظيمات الإرهابية، فهل تنجح هذه الاستراتيجيات والقوانين في تجفيف منابع الإرهاب ومنع ظهور تنظيم “داعش” في البلاد.

قانون مواجهة تبييض الأموال

في إطار تنفيذ هذه الاستراتيجيات، تتجه الجزائر لإصدار قانون جديد خاص بجريمة تبييض الأموال، في مسعى إلى “تجفيف منابع الإرهاب“، مع اتخاذ التنظيمات المتطرفة أشكال عدة لتنفيذ ودعم نشاطاتها.

الجزائر تسعى من خلال القانون الجديد إلى منع وصول الأموال إلى الجماعات المتطرفة، وبالتالي منعها كذلك من عودة أنشطتها إلى أنحاء البلاد، فلجأت إلى مواجهة مختلف الجرائم التي أصبحت تُصنّف على أنها جرائم إرهابية، عَبر استخدام الأموال.

القانون الذي تم عرضه على البرلمان الجزائري الإثنين الفائت، يشمل بحسب ما نقله موقع “سكاي نيوز عربية“، عدة إجراءات قانونية تتماشى مع المعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، كما يسعى القانون لمحاربة عمليات تبييض الأموال بمختلف أشكالها، سواء كانت سرقة أو فساد أو تجارة المخدرات.

تطوير استراتيجيات مواجهة الإرهاب

الباحث في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب، رأى أن الخطوة الجزائرية تصبّ في اتجاه تطوير استراتيجيات مكافحة تنظيمات الإرهاب والتطرف، مشيرا إلى أن عمليات تبييض الأموال واستخدامها بشكل غير شرعي يساعد هذه التنظيمات على الحركة والنشاط.

أديب قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “هناك مشكلة حقيقية في مواجهة جماعات العنف والتطرف، لا بدّ ألا تقتصر مواجهة هذه التنظيمات على ما يمكن أن نسميه بالمواجهة الأمنية والعسكرية، ورغم أهمية هذَين النوعَين في المواجهة، إلا أننا نحتاج إلى زوايا ومساحات أخرى من المواجهة، قد يكون منها استصدار قوانين هدفها حصار هذه التنظيمات وقطع الإمداد عنها“.

بالتالي فإن أولى صور هذه المواجهة، هي فكرة إصدار قوانين لها علاقة بالوقوف أمام عمليات تبييض الأموال التي تهدف إلى دعم جماعات العنف والتطرف، لكن ووفق رأي أديب فإن إقدام الجزائر على إصدار مثل هذه القوانين، لا يعني أن خطر الإرهاب قد عاد من جديد، بقدر ما أن الجزائر تهدف إلى وضع استراتيجية محددة لمواجهة هذه الجماعات.

أديب أوضح كذلك أن “الجزائر لا تنتظر أن تكون التنظيمات وصلت إلى مستوى من القوة يصعب بعدها مواجهتها، بالتالي هي تسعى لإصدار قوانين من شأنها قطع قنوات التمويل والقوة عن هذه التنظيمات، سواء من قِبل الأشخاص أو الهيئات أو حتى بعض الحكومات“.

أديب اعتقد في حديثه، أن هذه القوانين، تفضي لإحداث استراتيجيات، عامة لمواجهة جماعات العنف والتطرف التقليدية سواء المحلية أو الدولية، وكذلك مواجهة الجماعات العابرة للحدود والقارات ومنها تنظيم “داعش“، إذ إن التنظيم ينتشر الآن في العديد من الدول العربية وغير العربية.

حول ذلك أضاف، “أعتقد أن هناك دواعش موجودين في الجزائر، ولذلك الجزائر تقف أمام انتشار هذا التنظيم بالشكل الذي يهدد أمنها القومي، وهي تأخذ مسارات المواجهة المختلفة مع المواجهة الأمنية والعسكرية، وهذه القوانين تعبّر عن المواجهة القانونية، هناك مواجهة فكرية أيضا من خلال تغيير مناهج التعليم ودعم الفن والثقافة، لمواجهة الفكر المتطرف، فضلا عن دعم المؤسسات الدينية التي تقدم خطابا معتدلا“.

الجزائر تسعى لأن يكون مشروع القانون، متكيف مع المنظومة التشريعية مع القوانين الدولية التي تحارب الفساد والجريمة العابرة للقارات، كما أن القانون سينص ربما على تشديد العقوبات على الأشخاص الذين يقومون بعمليات تبييض الأموال بمختلف أشكاله.

النائب البرلماني الجزائري، هشام بن حداد، قال في تصريحات نقلها الموقع الإماراتي، “رغم تكييف العقوبة على أنها جنحة إلا أننا نثق بتعهدات وزير العدل الجزائري عبد الرشيد طبي الذي أكد على عزم القضاء تسليط أقصى العقوبات على هذا النوع من الجرائم“.

قد يهمك: هبوط العملة الحاد.. حرب أوكرانيا تسبب أزمة تكلفة المعيشة في مصر؟

نواب البرلمان طالبوا كذلك، بتصنيف جريمة تبييض الأموال على أنها جناية، غير أن القانون الجديد يستمر في تصنيفها على أنها جنحة قد تصل عقوبتها إلى 20 سنة سجن.

القانون ركز أيضا، على فرض رقابة مشددة على تمويل الجمعيات بمبالغ ضخمة من الخارج أو من أي جهة كانت، كما تم منح المزيد من الصلاحيات للجان والهيئات التابعة لوزارة المالية للمشاركة في محاربة الجريمة المنظمة.

مصدر خطر الإرهاب في الجزائر

السلطات الجزائرية، كانت قد أعلنت مطلع العام الجاري، عن إحباط تدبير لاغتيال شخصيات مهمة والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية كانت تركز على أهداف اقتصادية ومنشآت نفطية في الصحراء، بعد نجاحها في تفكيك خلية تتبع لتنظيم “داعش“، كانت في مرحلة التخطيط لذلك.

هذه العمليات تكررت خلال الأشهر الأخيرة في الجزائر، ما يعني أن تنظيم “داعش“، قد يسعى لاستعادة نشاطه في البلاد، كجزء من استراتيجيته الرامية إلى إحياء وجوده في منطقة المغرب الإسلامي وشمال إفريقيا بشكل عام.

الخلايا النائمة أو المجموعات الصغيرة التابعة لتنظيم “داعش“، تمثل وسيلة لتوظيف فكر التنظيم في الجزائر وغيرها من الدول، لا سيما وأن هذه المجموعات الصغيرة هي آخر ما تبقى للتنظيم في العديد من الدول العربية وأبرزها سوريا والعراق وبعض الدول الإفريقية.

خطورة “داعش” في الجزائر، تكمن حاليا من انقسامه لمجموعتين منذ تأسيسه، إذ تتمثل المجموعة الأولى ببعض مجموعات المسلحين المتمركزة في جبال محافظة البويرة، في حين أن المجموعة الثانية هي الخلايا النائمة أو السرية التي تعمل لصالح التنظيم في مختلف المناطق، وقد أعلنت السلطات تفكيك العشرات منها خلال السنوات الماضية.

مساعي الجزائر في مواجهة تنظيم “داعش” قبل حتى أن يجد موطئ قدم له في البلاد، لها كذلك اعتبارات أمنية قومية، وذلك لأن التهديدات المحيط القادمة من دول الجوار تمثل خطرا إضافيا على البلاد من هذه التنظيمات.

خاصة وأن عناصر “داعش” يتخذون من دول ليبيا وتونس والمغرب ومالي، مواضع للتمركز والانطلاق لشن الهجمات الإرهابية، لذلك فإن جميع سبل المواجهة العسكرية كانت أو الفكرية، مهمة لمنع ظهور التنظيم من جديد.

تنظيم “داعش” كان قد ظهر في الجزائر عام 2014، وكانت أولى عمليات في أيلول/سبتمبر من العام نفسه، عندما أعلن اختطاف الفرنسي إيرفي غوردال ثم إعدامه، وردّ الجيش الجزائري حينها بعملية القضاء على مؤسس التنظيم في البلاد.

الضربات ضد التنظيم توالت بعدها، وتم حصر دائرة تحركه على الرغم من محاولته العودة عبر عمليات معزولة، أبرزها استهداف ضابط شرطة في مدينة قسنطينة بشرق البلاد في تشرين الأول/أكتوبر 2016، الأمر الذي جعل مراقبون يؤكدون فشل التنظيم بإيجاد موطئ قدم له في البلاد.

عمليات التصدي للجماعات الإرهابية المرتبطة بـ “داعش” في الجزائر، حظيت في تلك الفترة بأولوية قصوى، وشاركت بها كل الأجهزة الأمنية ممثلة بالجيش والمخابرات والشرطة وعناصر الدرك، عبر تحقيقات وعمليات مراقبة مكثفة.

رغم عدم انتهاء تنظيم “داعش” بالكامل في الجزائر وغيرها من الدول، إلا أن وضع استراتيجيات بهذه الدقة، من شأنها بالتأكيد القضاء على جذور الإرهاب والتطرف قبل أن تنمو وتنتشر في المدن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.