الحرب في أوكرانيا، تدخل منعطفا جديدا مع اقتراب فصل الربيع، تزامنا مع زيادة الدعم العسكري الغربي لكييف، وسط التحذيرات الروسية من اعتبار ذلك تورطا مباشرا في النزاع، وفي أعقاب التأكيد الأميركي والألماني على إرسال دبابات إلى أوكرانيا، كشف مسؤولون في كييف عن إسقاط الدفاعات الجوية أكثر الصواريخ الروسية التي أُطلقت باتجاه العاصمة، خلال أحدث جولة من الضربات الجوية التي تشنها موسكو.

مراقبون ومحللون، يقولون إنه من المتوقع أن تشن روسيا هجوما على أوكرانيا بحلول فصل الربيع، وربما قبل ذلك، ردا على تعزيز التسليح الغربي في الآونة الأخيرة، خاصة مع هدوء العمليات العسكرية في الشتاء الذي يصعب فيه إجراء المناورات.

من جهته، قال نائب رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، فاديم سكيبيتسكي، إن بلاده “تعتقد أن روسيا تخطط لشن هجوم جديد في الربيع، سيكون حاسما لمسار الحرب”، معتبرا أنه “إذا فشل الهجوم الروسي الكبير المخطط له، فسيكون سقوطا لروسيا”.

تطورات مرتقبة خلال فترة قصيرة تطرح تساؤلات حول أهمية المعركة القادمة، والدور الذي ستلعبه الدبابات التي ستحصل عليها أوكرانيا من الغرب، والمحاور المحتملة للمعركة القادمة، وإلى أي مدى يمكن أن يصل الدعم الغربي لأوكرانيا في الحرب.

ما أهمية معركة الربيع؟

معهد “دراسة الحرب”، يرى أن مثل هذا الهجوم “من المرجح أن يأتي من أراضي دونيتسك ولوغانسك”، الإقليمان الانفصاليان المواليان لروسيا التي اعترفت باستقلالهما، إضافة لبيلاروسيا، وفي المقابل، تقوم القوات الأوكرانية بتجهيز تحصينات جديدة، وإعداد خطط قتالية على طول خط المواجهة، مع اقتراب الربيع، فيما رجّح خبراء عسكريون أن الحرب الروسية في أوكرانيا قد تشتعل في الربيع، موضحين أن الربيع سيكون نقطة انعطاف رئيسية في الحرب.

دبابة ليوبارد 2 الألمانية

سامر إلياس، الخبير في الشؤون الروسية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن جميع الخبراء والمسؤولين الأوكرانيين يتحدثون منذ مدة طويلة بأن الجانب الروسي سيبدأ معركة في الربيع، وفي مقابل ذلك فأوكرانيا تريد أيضا شنّ حملة عسكرية برية في الربيع بعد تحسن الأحوال الجوية ، وتراهن أوكرانيا على أنها تريد تحرير جزء من الأراضي الأوكرانية التي احتلتها روسيا .

أيضا بحسب إلياس، فإن روسيا تريد فرض سيطرتها على أقاليم دونباس ولوغانسك بشكل كامل، وربما استكمال احتلال منطقتي خيرسون و زاباروجيا بحدودهما الإدارية الكاملة، نظرا لأن روسيا قامت بضمهما سابقا في الاستفتاء الذي أجرته قبل عدة أشهر.

إقرأ:ما أهمية خيرسون الأوكرانية في المعركة الفاصلة للغزو الروسي؟

كما أن الجانب الروسي بدأ عمليا بتصعيد كبير في مناطق سوليدار وباخموت لأسباب أهمها رفع المعنويات بسبب إطالة محاولات احتلال هاتين المنطقتين منذ شهر أيار/مايو الماضي وحتى الآن، لكن من الواضح أن الجانب الروسي يريد العملية العسكرية وهناك ضربات يشنها في زاباروجيا، وهنا ربما ما تحاول روسيا القيام به هو استباق لما قد يكون محاولة أوكرانية لشن هجوم معاكس ضد روسيا انطلاقا من زاباروجيا.

ما دور الدبابات الغربية في المعركة القادمة وما أهم محاورها؟

حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا، تشمل 31 دبابة “أبرامز” ومدرعات وذخائر؛ تمهيدا لهجوم مضاد يستعد الجيش الأوكراني لشنه ضد القوات الروسية، كما أعلنت برلين تسليم دبابات “ليوبارد 2” إلى كييف بحلول مارس المقبل، في خطوة يراها مراقبون بأنها تغير نوعي جديد لمستقبل الصراع.

لكن حسب إلياس، إذا شنت روسيا حملة من أجل أن تقوم بأكبر قدر ممكن من التقدم على الأرض فإن هذه الدبابات لن تلعب دورا مهما، لأن أوكرانيا ستحصل على الدبابات في نهاية آذار/مارس المقبل، لكن الرهان الأساسي أن هذه الدبابات يمكن أن تساعد أوكرانيا على شن حملة برية وتحرير جزء من أراضيها والدفاع عن قسم آخر من الأراضي الأوكرانية، بسبب مواصفاتها.

إلياس يضيف أن عدد الدبابات ليس كبيرا لكنها قادرة على إحداث فارق نظرا لصفاتها التقنية المتطورة، خاصة دبابة “ليوبارد 2” الألمانية وذلك مقارنة بالدبابات الروسية وخاصة إذا تم تزويدها بذخائر كافية وهي متوفرة لدى معظم دول حلف “الناتو” وهي من عيار 120، وليس عيار 155 التي باتت قليلة في الآونة الأخيرة.

أما بالنسبة لأهم محاور المعركة فستعمل روسيا على استكمال احتلال دونباس ولوغانسك بشكل أساسي، وهناك حديث أن الجانب الروسي يمكن أن يبدأ من كورسك، وهذا يعني أنه يمكن أن تكون هناك حملة جديدة على مدينة خاركيف في أوكرانيا، لكن الحديث الأساسي يدور حول دونباس وجبهة زاباروجيا وربما بشكل آخر خيرسون.

مدى دعم الغرب لأوكرانيا

بحسب خبراء، فإن قرار إرسال دبابات “ليوبارد 2” وباقي المساعدات الأميركية، له أهمية كبيرة لدعم أوكرانيا، وهو أيضا إشارة مهمة لروسيا من الحلفاء الغربيين لأوكرانيا، وفي الوقت نفسه لا يريد الغرب الصدام المباشر مع روسيا كي لا تتطور الأمور إلى استخدام لأي من أسلحة الدمار الشامل في الحرب.

دبابة تشالنجر البريطانية

سامر إلياس يرى أن حلف “الناتو” والغرب بدأ تدريجيا بقضم الخطوط الحمراء المتعلقة بتسليح أوكرانيا في مواجهة روسيا، وذلك بأسلحة متقدمة يمكن أن تحدث فارقا كبيرا، وروسيا مستاءة جدا من هذا الدعم وتعتبره تدخلا مباشرا في الحرب.

إلياس يبيّن أن الغرب حتى الآن يزود أوكرانيا بشكل تدريجي بالأسلحة، لكن لم يكن متوقعا تزويد أوكرانيا بأنظمة الدفاع من نوع “باتريوت”، ودبابات “ليوبارد 2″ و”تشالنجر” و”أبرامز”، كما أن الجانب الأوكراني يطالب الآن بالدعم بطائرات مقاتلة نوع “إف 16” كما يطلب وسائل هجومية ومزيدا من أنظمة الدفاع الجوي وكل ذلك سيكون مرتبطا بسير المعركة القادمة.

إلياس ختم أن الجانب الغربي واضح تماما حتى الآن، فهو لا يريد أن تنتصر روسيا في هذه الحرب، وفي نفس الوقت لا يريد أن تنتصر أوكرانيا حتى لا تقع روسيا بخسائر كبيرة تدفعها لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية أو الاستراتيجية، أي أن هناك حظر غربي على هزيمة روسيا بشكل كامل.

من الواضح أن عملية إرسال الدبابات الغربية إلى أوكرانيا يمكن أن تؤثر بالفعل على مسار الحرب، في الوقت الذي تستعد فيه روسيا لتصعيد جديد للصراع، فيما تظهر الدول الغربية استعدادها لمواصلة دعم كييف لإنهاء الحرب بشروطها الخاصة، وهنا تكمن الرسالة الأساسية الموجّهة لروسيا، بأن أوكرانيا ستتلقى أيضا موارد يمكن أن تغير الوضع الراهن على الخطوط الأمامية، وأن موسكو لن تجري مفاوضات بشروطها الخاصة، وهو بالضبط ما تسعى إليه الآن.

معركة كبيرة قادمة خلال الشهرين القادمين، يسعى كل طرف من الأطراف المتصارعة إلى تحييد خصمه فيها، فروسيا أمامها أكثر من هدف بالنسبة للمناطق التي تريد السيطرة عليها أو تسعى لاستكمال السيطرة عليها، فيما تستعد كييف لاستعادة أراضيها المحتلة من قبل روسيا وتحقيق اختراقات في تحصينات الروس في الجبهات الأمامية بالاعتماد على الأسلحة الجديدة التي بدأت بتلقيها.

إقرأ أيضا:بين التكتيك والاستراتيجية.. ما دلالات الانسحاب الروسي من خيرسون الأوكرانية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.