تزامنا مع عدم الاستقرار السياسي في ليبيا منذ سنوات، جاءت الأزمة الاقتصادية، لتُزيد من معاناة حياة المواطن الليبي، الذي يجد نفسه محاطا بخيار الهجرة للبحث عن مجتمع أفضل وحياة أكثر استقرارا، لا سيما بعد أن تحولت السواحل الليبية إلى نقطة انطلاق نحو الجانب الآخر من البحر المتوسط.

اعتماد ليبيا بشكل شبه كامل على الاستيراد في توفير الاحتياجات الضرورية، جعلها عرضة للصدمات الاقتصادية مؤخرا، ذلك ما زاد من تأثير الأزمات الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الليبي، خاصة مع استمرار تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا، فما تأثير التوتر السياسي والأزمة الاقتصادية على معدلات الهجرة في البلاد.

صدمات اقتصادية مضاعفة

صدمات اقتصادية جديدة تلقّاها سكان الجنوب الليبي مؤخرا، بعدما تفاقمت أزمة الوقود، وفُقد البنزين من المحطات الرسمية، في المقابل قفزت أسعاره إلى مستويات قياسية في الأسواق السوداء ووصلت إلى 7 دنانير “دولار ونصف أميركي”، بينما لا يتجاوز ثمنه 0.15 دينار، في مناطق غرب ليبيا، وهو ما تسبب بتنظيم وقفات احتجاجية من قبل الأهالي.

بحسب تقرير لموقع “العربية نت”، فإن مناطق الجنوب الليبي شهدت “اصطفافات طويلة من السّيّارات بشكل يومي منذ مطلع العام الجاري، يوميا أمام محطّات الوقود لغرض الحصول على بضعة لترات من البنزين، بينما يتوفر بكميات كبيرة في الأسواق السوداء الموازية”.

على وقع الأزمة الاقتصادية، تعيش ليبيا حالة من عدم الاستقرار السياسي، تتمثل بصراع جاري بين حكومتين على السلطة، يترأس الحكومة الأولى التي كلفها البرلمان، فتحي باشاغا، بينما يترأس الحكومة الثانية الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة تُكلّف من قبل برلمان جديد منتخب.

الباحث السياسي الليبي حمدي بن أحمد، رأى أن الأوضاع الاقتصادية ألقت بظلالها مؤخرا على معدلات الهجرة، إن كانت الداخلية أو الخارجية، متوقعا زيادة في هجرة الليبيين نتيجة تفاقم الأزمة السياسية وعدم الاستقرار السياسي.

بن أحمد قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “في الجنوب هناك أزمة وقود منذ سنوات، هذه الأزمة زادت حدتها مؤخرا. عندما تذهب إلى مناطق الجنوب في سبها وغيرها، تجد أغلب الشوارع فارغة والعقارات من منازل ومزارع معروضة للبيع، الوضع شاق جدا على الأهالي”.

هجرة خارجية وداخلية

هذه الأوضاع أثّرت بحسب بن أحمد، على الهجرة الداخلية والخارجية، حيث ظهرت مؤخرا في ليبيا حركة هجرة من مناطق الريف إلى المدن، تزامنا مع حركة الهجرة المستمرة بشكل غير شرعي في محاولة للوصول إلى الشواطئ الأوروبية.

حول ذلك أضاف بن أحمد، “كل هذا أثّر على الهجرة، كذلك عدم وجود فرص عمل جيدة في المنطقة، وكذلك الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها ليبيا، ويعاني منها العالم، كلها ستزيد من معدلات الهجرة من ليبيا باتجاه شمال إفريقيا ومن ثم الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وسيؤدي بالتالي أيضا إلى ازدياد الهجرة الداخلية أيضا من الريف إلى العاصمة الليبية، ومن الجنوب إلى الشمال”.

تحتاج ليبيا إلى تقليل الاعتماد على الاستيراد، عبر دعم مشروعات الصناعة والزراعات الاستراتيجية، وتنويع مصادر الدخل، إذ إن الاقتصاد الرجعي لليبيا، القائم على إيرادات النفط فقط، وهو ما لا يمكن الاعتماد عليه للأبد بحسب رأي الخبراء.

منذ منتصف الصيف الماضي، زادت حركة الهجرة غير الشرعية من شواطئ الشرق الليبي، وبحسب رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة لدى ليبيا، فيديريكو سودا، فإن الطريق من شرقي البلاد بدأت بالازدهار، وأن غالبية المهاجرين هناك هم مصريون وبنغلادشيون “يسعون للإبحار بسرعة بعد وصولهم إلى البلاد عوضا عن التوجه غربا”، في محاولة لعدم التعرض لأي من المخاطر على الطريق، كالاعتقال أو الاختطاف أو التعرض للعنف.

وفق تقارير محلية من ليبيا، فإن الطريق من الشرق الليبي بات مرغوبا أكثر مؤخرا، خاصة لجهة عدم وجود رقابة مكثفة كتلك المفروضة على سواحل غرب البلاد الخاضعة لسلطة حكومة طرابلس، بسبب الاتفاقيات الموقّعة بين تلك الحكومة وعدد من الدول الأوروبية.

محاولات الهجرة من الشواطئ الليبية تتخللها مخاطر عديدة قد تصيب المهاجرين، حيث أعلنت “جمعية الهلال الأحمر” الليبية الأربعاء 25 كانون الثاني/نوفمبر، مقتل 8 أشخاص على الأقل بعد غرق قارب يحمل عشرات المهاجرين قبالة الساحل الليبي، مضيفة أنه جرى إنقاذ نحو 100 شخص.

قد يهمك: أسعار الغاز في أوروبا إلى مستويات ما قبل الغزو.. بوتين خسر حرب الشتاء؟

جثث الضحايا، انجرفت إلى الشاطئ قرب بلدة القره بولي الليبية على بعد 40 كيلومترا شرق طرابلس، بعد غرق القارب الثلاثاء الماضي. فيما تقول منظمات الإغاثة إن عدد المهاجرين واللاجئين الذين يسعون للعبور إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل أو أكثر أمانا زاد منذ جائحة “كوفيد-19” لكنه لا يزال أقل من المستويات المسجلة في عامي 2014 و2015.

وفقا “للهلال الأحمر” الليبي، الذي يتولى عمليات البحث والإنقاذ، فإن شهودا قالوا إن ما يقرب من 150 شخصا تكدسوا على متن القارب آملين في الوصول إلى إيطاليا.

تفاقم أزمة الهجرة

حركة الهجرة في إفريقيا لا تقتصر على ليبيا فقط، فقد زادت معدلات الهجرة من مختلف الدول الإفريقية مؤخرا، وذلك بسبب الأزمات الاقتصادية والتغيرات المناخية التي ضربت القطاع الزراعي ومصادر المياه.

استمرار هذه الأزمات يعني بالضرورة، تفاقم أزمة الهجرة نحو البلدان الأوروبية خلال السنوات القليلة القادمة، فهي الوسيلة التي يسعى من خلالها الإفريقيون إلى تغيير واقعهم، والبحث عن حياة أفضل بعيدا عن الفقر ونقص المياه.

من جانبها، قالت “مفوضة الصحة والشؤون الإنسانية والتنمية الاجتماعية” في “الاتحاد الإفريقي”، ميناتا سيسوما، إن الأسباب الجذرية للهجرة في القارة تتلخص في “تغير المناخ، والفقر، ونقص فرص العمل، والصراعات، وما وصفتها بالهجمات الإرهابية”، وفقا لموقع “الجزيرة”.

كذلك، يتوقع “البنك الدولي” أن يكون هناك 86 مليون مهاجر بسبب تغير المناخ في إفريقيا بحلول العام 2050. وقد يجد نحو 18 مليون عامل مهاجر موسمي في إفريقيا أن وظائفهم في الزراعة والتعدين وصيد الأسماك آخذة في الاختفاء، ما يزيد من احتمالات الهجرة الدائمة بحثا عن فرص عمل جديدة. وأبلغ 30 بالمئة من مواطني غرب ووسط إفريقيا والأثيوبيين عن تأثيرات بيئية على ظروفهم الاقتصادية.

في ليبيا تجتمع جميع الأسباب التي تدفع الليبيين إلى اللجوء إلى خيار الهجرة من البلاد، التوتر السياسي و تأثيرات التغيرات المناخية، فضلا عن الأزمات الاقتصادية المتتالية، وعدم وجود أية خطة أو استراتيجية حكومية لمواجهة الأزمات المختلفة التي تعيشها البلاد. هذه الأسباب دفعت بآلاف الليبيين بشكل دوري، إلى سلك رحلة المخاطر أملا بالوصول إلى الجانب الآخر من المتوسط.

ليبيا شهدت مؤخرا قفزة في أسعار مختلف السلع والخدمات، بعد ارتفاع معدل التضخم، وهو الأمر الذي تعاني منه معظم دول العالم حاليا.

السيطرة على الأسعار تستلزم تدابير ضرورية منها ترشيد الإنفاق العام الداخلي والخارجي، والحد من التوسع النقدي غير الضروري، وفتح الاعتمادات اللازمة لتوفير السلع في السوق الليبي الذي يستورد نحو 90 بالمئة من حاجاته، لكن الإجراءات التي تتخذها السلطات ما تزال محدودة حتى الآن.

ليبيا تحتاج بالتأكيد للتخفيف من وطأة أزمة الاقتصاد والهجرة، إلى التوافق على الحكومة، والذي من شأنه أن يؤدي بالبلاد إلى الوصول إلى الاستقرار السياسي، بما يسمح للحكومة اتخاذ إجراءات لمواجهة الأزمات المختلفة والتخفيف من تبعاتها، وإلا ربما سنشاهد قوافل من المهاجرين تحاول الوصول إلى الشواطئ الأوروبية انطلاقا من شواطئ ليبيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.