في حين يحذّر الخبراء والمحللون الاقتصاديون من ركود عالمي قادم، على خلفية ارتفاع مستويات التضخم، نتيجة زيادة أسعار الطاقة العالمية خلال عام 2022، المدعومة باستمرار الطلب العالمي على النفط والغاز في أعقاب جائحة “كوفيد-19″، بجانب تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، التي أدت إلى زيادة كبيرة في إيرادات الدول المصدرة للطاقة، ومن بينهم دول الخليج العربي.

كذلك، وبعد أن سجّلت اقتصادات دول “مجلس التعاون الخليجي” أداء جيدا العام الماضي على الرغم من تقلبات الاقتصاد العالمي، هناك نظرة مستقبلية إيجابية للاقتصادات الخليجية لعام 2023 بحسب تقرير صادر عن مجموعة “أتش أس بي سي إيكونوميست رود شو” التي توقعت أن تحقق البلدان الخليجية أعلى معدل نمو في العالم، مع إثارة تساؤلات حول فرص مواصلة النمو الاقتصادي أو حدوث تباطؤ اقتصادي بفعل التحديات العالمية.

فبحسب المحللين والمعطيات التي تشير إلى إمكانية نمو اقتصادات الخليج في عام 2023 وأنه سيكون نقطة تحول لهذه الاقتصادات، لذا لا بد من طرح أسئلة أخرى حول عوامل هذا النمو وسط توقعات بركود عالمي، وفيما إذا سيعزز هذا النمو الاقتصادي الخليجي في ازدهار قطاعات أخرى، مثل القطاع السياحي أو استقطاب المستثمرين وغيرها.

عوامل النمو

تقرير تحليلي لمجموعة “أتش أس بي سي إيكونوميست رود شو” الذي صدر حديثا، يفيد بأن نمو اقتصادات المنطقة الخليجية وصل إلى نسبة 6.5 بالمئة  خلال عام 2022 الماضي، الأمر الذي يجعلها واحدة من أفضل المناطق أداء على مستوى العالم، بتحقيقها أكبر نمو لها منذ عقد على الأقل، مع توقعات بنمو اقتصادي بنسبة 5 بالمئة عام 2023.

محللون ومختصون يرون أن عام 2023 سيشكل نقطة تحول في تنفيذ الاستراتيجيات الاقتصادية لدول “مجلس التعاون الخليجي” لعصر ما بعد النفط لتُحدث تنوعا قويا وسط وفرة الطاقة وسهولة الحصول عليها وأسعارها والمشاريع التنموية الضخمة التي احتوتها الرؤى الاقتصادية للدول الأعضاء وقربها من مصادر العمالة الرخيصة المدربة عالية الإنتاجية.

الأكاديمي والخبير الاقتصادي، رشاد عبده، يتفق مع الرأي ذاته، ويقول “من حيث المبدأ، فإن دول الخليج تستفيد من الحرب الأوكرانية، بسبب تراجع إمدادات الطاقة، وكلما اشتد الصراع واتسع رقعته، كلما ارتفعت أسعار النفط والغاز بنسب قياسية، وبذلك تزداد إيرادات اقتصاد دول الخليج، ومع هذه الزيادات يزداد معدل النمو والخدمات العامة والخطط التنموية وما إلى ذلك، وهذا عامل رئيسي مؤشّر على نمو وانتعاش اقتصاد هذه الدول الخليجية، وربما يكون نقطة تحول أيضا، نظرا لأن الحرب الدائرة هناك غير معروف متى وأين وكيف ستنتهي.

بحسب تقدير الخبير الاقتصادي الذي تحدث لـ “الحل نت”، فإن الأزمات المستمرة؛ أي الحرب الأوكرانية، والتي تركزت تداعياتها على السلع الأكثر طلبا عالميا في الوقت الحاضر، وتحديدا في الدول الأوروبية، وهذه السلع المتمحورة في منتجات الطاقة، متوفرة بكثرة في دول الخليج، وبالتالي مما لا شك فيه سترتفع اقتصاديات هذه الدول خلال عام 2023، خاصة وأن هذه الدول لديها النفط والغاز والبترول بكميات هائلة.

قد يهمك: سياسات تحرير سعر الصرف.. ماذا وراء أزمة الدولار في العراق؟

عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد “تشارترد للأوراق المالية والاستثمار” وضاح الطه، يرى من جانبه أنه “ربما نرى تسارعا في اتجاه مشاريع رأسمالية بسبب الوفرات التي تولدت من ارتفاع أسعار النفط وارتفاع الدولار الذي انعكس على العملات المحلية الخليجية، الأمر الذي قد يؤدي إلى التفكير في توسيع نطاق الخطط الاقتصادية، ففي السعودية كانت هناك مبادرة لإنشاء هيئة فضاء، وفي الإمارات كان هناك تركيز على الاقتصاد الرقمي”. وأعرب الطه عن تفاؤله بأداء الاقتصادات الخليجية عام 2023، متوقعا أن يكون النمو الاقتصادي مرتفعا بقيادة الاقتصاد السعودي، الأكبر في المنطقة، بسبب استمرار صعود أسعار النفط وتحسّن القطاعات غير النفطية.

خطط تنموية داعمة

المستشار المالي السعودي علي الجعفري، قال إن الخطط التطويرية مثل رؤية السعودية 2030 وبقية منطقة الخليج ستكون داعما رئيسا لاستكمال النمو المتدفق من قوة ارتفاع أسعار النفط وعدم مواجهتها التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي بسبب التضخم ورفع أسعار الفائدة والتداعيات الممتدة للحرب الروسية الأوكرانية، متوقعا أن يكون الانتعاش الاقتصادي في دول المنطقة طفيف.

الدكتور عبده يعتقد في هذا الإطار، أنه نظرا لحجم اقتصادات الخليج الكبيرة، بدأت هذه الدول بالتوجه إلى تطوير كافة القطاعات الأخرى، سواء قطاعات التعليم أو الاقتصاد بشكل عام أو المجال الطبي أو التكنولوجيا الرقمية وما إلى ذلك، وكل هذا يجذب الاستثمارات الأجنبية ويساعد في تنمية وتطوير الخطط الاقتصادية.

لهذا السبب، يوجد بهذه الدول اليوم أكبر الشركات، مثل “ماكنزي الشرق الأوسط” وهي شركة عالمية، يقع مقرها في إمارة أبوظبي، حيث تزاول أعمالها في المنطقة منذ عام 1957، وتُركز على إتاحة النمو ودفع عجلة التنمية، ومساعدة المؤسسات في التصدي للمسائل الأكثر أهمية و إلحاحا بالنسبة إليها، حيث تقدم استشارات الأعمال والدراسات الأكاديمية، وتعمل على تسريع نمو القطاعات الرئيسية مثل الطاقة والبنية التحتية، وتعزيز التعليم والرعاية الصحية، وفق تعبير عبده.

بالمثل، هناك اهتمام لافت بجذب الاستثمارات السياحية، حيث يوجد اهتمام مباشر من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حيث يجري العمل على مدينة سياحية كاملة تطل على البحر أو المحيط الهندي، وهي مدينة “ذا لاين”، ضمن مشروع “نيوم”، كنموذج عالمي رائد يحقق الاستدامة ومثالية العيش. وجانبي المدينة الخارجيين سيكونان من “الأسطح الزجاجية وعبارة عن مرايا عاكسة تمنحها طابعا فريدا، وتسمح لتفاصيلها بالاندماج مع الطبيعة”، وفق حديث الخبير الاقتصادي.

كما ويتم توظيف العديد من الإمكانات في قطاع الاستثمارات السياحية، وبالتالي هناك جاذبية للمستثمرين في المنطقة وسيكون هناك استقطاب كبير للاستثمارات السياحة بشكل عام خلال الفترة المقبلة، وتحديدا في السعودية والإمارات، لوجود بنية تحتية قوية وإنفاق قوي، وفق تقدير عبده.

هذا بالإضافة إلى الاهتمام والترويج لقطاع السياحة في جميع أنحاء دول الخليج، وبالتالي سيكون هناك إيرادات في هذا القطاع، بحسب خطة السعودية 2030، وهناك اهتمام واضح بتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط والغاز فقط، بما في ذلك تعزيز دور القطاع الخاص والاهتمام بالاستثمارات الأجنبية والتركيز على قطاع السياحة، وهذا يُعتبر خطوة مهمة في تعزيز اقتصادات هذه البلدان، وفق توقعات عبده.

في وقت سابق، أعلن ولي العهد السعودي، عن تصاميم مدينة “ذا لاين”، ضمن مشروع “نيوم”، كنموذج عالمي رائد يحقق الاستدامة ومثالية العيش بالتناغم مع الطبيعة”.

بحسب بيان نشرته “وكالة الأنباء السعودية” (واس) منتصف العام الماضي، فإن “تصاميم مدينة ذا لاين، تأتي انعكاسا لما ستكون عليه المجتمعات الحضرية مستقبلا في بيئة خالية من الشوارع و السيارات والانبعاثات، وتعتمد على الطاقة المتجددة بنسبة 100 بالمئة، لجعل صحة الإنسان ورفاهيته أولوية مطلقة بدلا من أولوية النقل والبنية التحتية كما في المدن التقليدية”.

التحديات وسبل المعالجة

في المقابل، يظلّ مستويات التضخم وتداعيات أخطار تباطؤ النمو من أهم التحديات التي سوف تواجه دول المنطقة فرغم تسجيله في تموز/يوليو الماضي أعلى مستوى منذ 11 عاما عند 4.8 بالمئة، إلا أن المعدل انخفض إلى 4 بالمئة في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، كما أنه من المتوقع أن يواصل تراجعه إلى 2.7 بالمئة في 2023، بحسب ما ذكرته “بلومبيرغ ” في تقرير لها مؤخرا.

قد يهمك: الشريك الخفي.. لماذا تضاعفت صادرات الصين إلى كوريا الشمالية في عام 2022؟

كذلك، وبالرغم من زخم العمل والإنتاج في قطاعات اقتصادية غير نفطية، لكن تبقى الضغوط على السيولة ماثلة دائما وقد تحتاج الأنظمة المالية إلى عملية تصحيح مقبلة. ويشير المحللون أن تدخلات السياسة النقدية الخليجية كانت نافعة مع تقلبات سعر الدولار وصعوده مع مواكبة دول الخليج لقرارات رفع أسعار الفائدة الأميركية. وينظر عدد من المحللين إلى أن “التحول الجديد في دول الخليج والقدرة على ضبط استقرار الأسواق يرجعان إلى سياسة ضبط الإنفاق والمرونة الاقتصادية”، وفق تقرير لـ”إندبندنت”.

في حين، قالت وكالة التصنيف الائتماني “موديز” إن نمو اقتصادات دول الخليج سيتباطأ خلال عام 2023 إلى 2.3 بالمئة من 5.7 بالمئة العام الماضي وسط هبوط القطاع النفطي. وأوضحت “موديز” أن اقتصادات المنطقة ستشهد تباطؤا في النمو إذا ما ظلت سياسة “أوبك بلاس” الخاصة بخفض الإنتاج سارية. واستجاب تحالف “أوبك بلاس” الذي يضم معظم دول الخليج لتوقعات النمو العالمي الضعيفة، بخفض إنتاجه بمليوني برميل يوميا بدءا من تشرين الثاني/نوفمبر 2022.

الوكالة تقول إنه “بافتراض عدم وجود مزيد من الخفوضات في الإنتاج حتى نهاية عام 2023، من المرجح أن ينكمش إنتاج القطاع النفطي في دول الخليج بحوالى 1 بالمئة هذا العام، وأن انخفاض المعروض من نفط أوبك بلاس سيحد من تراجع الأسعار، بالتالي ستؤثر خفوض إنتاج النفط الخام بشكل كبير في نمو الناتج المحلي الإجمالي”.

توقعات “موديز” لنمو اقتصادات الخليج تأتي دون تقديرات “صندوق النقد الدولي” الذي رجح في تشرين الأول/أكتوبر 2022 أن تسجل دول المنطقة نموا نسبته 3.6 بالمئة في 2023. معتقدة أن الجدارة الائتمانية لدول الخليج لا تزال إيجابية عام 2023. وذكرت أن عائدات النفط المرتفعة، على رغم خفض الإنتاج، سوف تسمح للحكومات بخفض أعباء الديون وإعادة بناء الهوامش المالية الوقائية.

عبده يقول من جانبه، إنه بالنظر إلى عائدات النفط والغاز الكبيرة لدول الخليج، وبالتزامن مع أزمة الطاقة الدولية، فإن هذا سيوفر موارد مالية كبيرة لهذه الدول، التي تقوم بدورها في توظيف هذه الأموال في العديد من القطاعات ودعم المشاريع المختلفة، بالتالي فإن اقتصاد هذه الدول في ارتفاع ونسبة التراجع ضئيلة جدا.

هذا وبفضل الأداء القوي الذي تميزت به اقتصادات الدول المصدّرة للنفط، تمكّنت دول الخليج خلال عام 2022 من النأي بنفسها عن الاضطرابات العالمية التي سببتها التوترات الجيوسياسية والحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة وتفاقم معدلات التضخم وتقلبات الأسواق، بحسب تقرير حديث أصدرته مؤسسة “بي دبليو سي” الشرق الأوسط، مؤخرا.

تقرير المؤسسة، أرجع ذلك إلى استضافة دول المنطقة لفعاليات دولية ناجحة خلال العام الماضي مثل النصف الثاني من “إكسبو دبي” في دولة الإمارات وكأس العالم لكرة القدم في قطر ومؤتمر الأطراف “كوب27” في مصر، مشيرا إلى أن هناك خمسة محاور وتوجهات رئيسة، لا بد من مراقبتها في 2023 وفي مقدمتها احتمال تباطؤ النمو مع دخول ثلث اقتصادات العالم في حال ركود، على رغم أن التوقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي لمجلس التعاون بنسبة 3.6 بالمئة خلال العام الحالي.

من جانب آخر، أشار التقرير إلى أن الوتيرة السريعة لرفع أسعار الفائدة من قبل “الاحتياطي الفيدرالي” الأميركي، انعكست ضغوطا كبيرة على سيولة السوق في منطقة الخليج، إلا أن ذلك سيتغير نتيجة إجراءات تصحيحية في 2023.

البنك الدولي” توقّع في تقريره الحديث أن تنمو اقتصادات دول “مجلس التعاون الخليجي” بنسبة 6.9 بالمئة خلال عام 2023 الجاري، قبل أن تنخفض إلى 3.7 بالمئة و2.4 بالمئة في 2023 و2024 على التوالي، مشيرا إلى أن تخفيف القيود المفروضة بسبب جائحة “كورونا” والتطورات الإيجابية في سوق الهيدروكربونات “النفط والغاز”، أدّيا إلى تحقيق تعاف قوي خلال العامين الماضي والحالي في دول الخليج كافة.

كما توقع “البنك الدولي” أن تسجل منطقة دول “مجلس التعاون الخليجي” فائضا قويا مزدوجا هذا العام، وأيضا على المدى المتوسط، مدفوعا بارتفاع أسعار النفط والغاز، بحيث يقدر أن يسجل رصيد المالية العامة لدول المجلس فائضا بنسبة 5.3 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو أول فائض يسجل منذ عام 2014، فيما يتوقع أن يصل فائض الميزان الخارجي إلى 17.2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي.

كذلك، من جانبها، وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني أعطت نظرة محايدة للشركات الخليجية في العام الحالي، وهو ما يعكس النشاط الاقتصادي الداعم وأسعار النفط المرتفعة. وقالت الوكالة “تحسنت موازنات البلدان المصدّرة للنفط، ومن المتوقع أن تحفّز المشاريع التي ترعاها الحكومة نشاط القطاع الخاص”. وبدورها، رجحت شركة الاستشارات الاقتصادية المستقلة “أكسفورد إيكونوميكس” في تقرير لها أن تسجل اقتصادات دول الخليج نموا بأكثر من ضعف وتيرة الاقتصاد العالمي في العام المقبل.

في العموم، وعلى الرغم من تباطؤ الاقتصاد العالمي، ومستويات التضخم وارتفاع الأسعار وتقلبات الأسواق، يبدو أن اقتصاد منطقة الخليج سينتعش خلال عام 2023 الحالي، وسيكون مركز استقطاب للمستثمرين في 2023، ونمو شركات القطاع الخاص بشكل كبير، وسط انزلاق الكثير من الاقتصادات المتقدمة والناشئة إلى ركود معتدل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.