الحدود الصينية الهندية الملتهبة.. عقود من الصراع هل تنتهي بحرب عالمية ثالثة؟

نزاعات لعقود حالت دون فض التوترات بين أكبر قوتين نوويتين في آسيا الصين والهند، رغم اتفاقهما لمرات عديدة، العدول عن الصراعات والمناوشات التي أدت لخسائر في الأرواح بين الطرفين.

الدولتان العملاقتان تتنافسان لمد نفوذهما، وفرض سيادتهما على المنطقة الحدودية الخصبة بينهما، وسط توقعات المراقبين التهاب العلاقات من جديد بين نيودلهي وبكين، واستبعاد احتكامهما إلى طاولة المفاوضات بعد تحشيدات عسكرية من الجانب الهندي الذي نقل آلاف من جنوده ومدرعاته العسكرية على طول الحدود الجبلية الممتدة مع الصين في كانون الأول/ديسمبر 2022، على خلفية مناوشات بين البلدين لم تسفر عن خسائر بالأرواح.

العلاقات المتأزمة بين الدولتين الجارتين ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى منتصف القرن الماضي، بعد أن منيت نيودلهي بخسائر بشرية في الأرواح من الطرف الصيني، وتجددت الخلافات بين الجيشين وتحولت لمواجهة مباشرة استمرت طيلة 72 يوما في 2017.

عودة الاشتباكات

 رغم الهدوء الحذر على الحدود لكن قلق عودة الاشتباكات لازال الخيار المسيطر على المشهد، وتوقعات من انتزاع الاستفزازات فتيل الحرب التي قد تنتهي بكارثة لا تحمد عقابها وفق ما توقعه الباحث المتخصص في الشؤون الصينية، أحمد حميد الدين، في حديثه لـ”الحل نت” حيث يقول بإن “واشنطن ترغب بتقليص النفوذ الصيني في المناطق التي تعتبرها أميركا  خطر يأتيها من الصين، عبر زجه ونظيرته الهند في حروب جانبية، تفسح لواشنطن الطريق لإعادة تموضعها من جديد في البلاد الغنية بمواردها الطبيعية، والتي تتنافس معها الصين فيها كأفغانستان ،وسوريا ،وإفريقيا وغيرها” وفق تعبيره.

في ردها على أسباب الصدام الهندي الصيني وضحت صحيفة “الشرق الأوسط” في مقالها المنشور بعنوان “المواجهات الحدودية الهندية ـ الصينية.. من إرث الماضي إلى طموحات المستقبل” أن عدم ترسيم الحدود كليا بين الهند، والصين لمسافة ممتدة لـ3500 كم، تسبب في الصراع بينهما.

قد يهمك: الصين والهند.. في الطريق للاصطدام؟

المنطقة المتنازع عليها تحوي مساحات جبلية نائية اشتعلت فيها المناوشات خاصة في لاداخ وأروناتشال براديش شرقا، بحسب الصحيفة.

حول رؤية كلتا الدولتين لأحقيتهما في هذه الجغرافية الوعرة، ترى الصحيفة أن “الهند تدعي حقها السيطرة على اكساي تشين بالقطاع الغربي من الحدود التي احتلتها بكين خلال حرب 1962 فيما القطاع الشرقي من ولاية أروناتشال براديش ترى الصين أحقيتها فيها”.

معضلة أمنية

التنافس بين الصين والهند أجهضت ترتيبات حل نزاع حرب 1962، بحسب حديث الكاتب الصحفي المتخصص بالشأن الدولي محمد حسن البديوي، لـ”الحل نت” ويضيف، بأن “بناء النقاط العسكرية والبنى في المراكز الحدودية المتنازعة عليها، غذى المعضلة الأمنية في البؤر الساخنة بين أكبر قوتين عظمتين في القارة الآسيوية، يمكن أن تنتهي بكارثة تفتح الباب أمام حرب عالمية ثالثة”، وفق تعبيره.

البديوي يعزي أسبابها الأساسية إلى عهد رئيس الوزراء الهندي الراحل جواهر نهرو الذي لم يحتسب لأطماع الجارة الصينية التي كانت تخطط لاحتلال الهند عسكريا لاحقا.

سرعان ما انتصرت بكين على الهند آنذاك، وفق البديوي، وفرضت شروطها على جارتها الخاسرة التي خرجت بهزيمة مهينة بعد وقت قصير من المواجهة معها”.

نيودلهي كانت تستضيف في ذلك الوقت زعيم إقليم التبت الدلاي لاما، وحكومته المعادية للصين مما آثار غضب بكين، فتحول الإقليم لبؤرة التصادم الهندي الصيني، وقد تندلع المعارك بينهما في أية لحظة، لأن ملف تسوية الحدود لازال عالقا في وقت سوت الصين حدودها على طول جبال همالايا مع باكستان عكس نيودلهي، بحسب البديوي.

بالعودة للباحث جعفر أحمد حميد الدين، الذي وضح أن الحدود الهندية الصينية التي رسمتها بريطانية إبان انتدابها للهند، قد شهدت عدة مواجهات بين الجيشين الهندي والصيني منذ حرب 1962.

منتصف سبعينات القرن الماضي كانت المواجهة الثانية بينهما، خلفت 1200 قتيل من الجانبين، وانتهت الحرب باتفاق الحكومتين الذهاب للطاولة لتسوية ملف الحدود، وتجريد حرس الحدود من أسلحتهما، وبقيت الاتفاقية ملتزمة ببنودها من قبل الحكومتين المتصارعتين حتى تفجرت شرارة الحرب في 2020، أدت لمقتل 24 عسكريا هنديا وصينا، وعاد التوتر بعد عامين من الهدوء في التاسع من كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، وفق حميد الدين.

أميركا وقضية المياه

الصحفي محمد حسن البديوي، يرجح سبب التحرك الصيني الأخير، أنه  جاء كردة فعل  على حزمة أسباب استفزت بكين، ومنها التدريبات العسكرية الأخيرة  التي أجريت بين نيودلهي وواشنطن.

 الصين تعتبر تلك التدريبات انتهاك صارخ لاتفاقيات عامي 1993-1996بين بكين ونيودلهي، وبالأخص عملية “مران” التي نفذت بالقرب من المناطق الحدودية الجبلية المتنازع عليها بين الهند والصين، وفق البديوي.

اقرأ أيضا: تصاعد التوتر بين الصين والهند في جبال الهيمالايا.. الأسباب والمآلات

عملية “مران” تعد تقليدا يتم العمل عليه منذ العقد الأول من القرن الحالي، بحسب البديوي، إلا أن العمليات السابقة لها، كانت تنفذ في أماكن متفرقة من الشمال الهندي، إلا أن إجراء التدريبات الأخيرة نفذت على بعد 100 كيلومتر من منطقة  ما تعرف  بخط السيطرة الفعلية، للأراضي الحدودية المتوترة بين الدولتين  وهو ما  أغضب الصين، وفق تعبيره.

هذه التدريبات تعكس تعزيز الصفقات الدفاعية التي أبرمت بين الهند والولايات المتحدة الأميركية، والتي تعمق بدورها التعاون العسكري والرغبة في مواجهة الصين، بحسب البديوي.

فيما اعتبر الباحث جعفر أحمد حميد الدين، قضية المياه من أكثر الملفات الحساسة بين الحكومتين الجارتين، ويعتبر حميد الدين، بأن “الصين هي المعتدي، بعد كشفها قبل ثلاث سنوات عن خططها في تشييد سد فائق للطاقة الكهرومائية على جزء من نهر براهمابوترا قرب الهند، وبناء أكبر سد في العالم على روافد نهر يارلونج تسانجبو في سفوح جبال الهيمالايا”.

ثمن التحالف الرباعي

صحيفة “نيويورك تايمز”  تساءلت في عنوان مقالها المترجم للعربية “لماذا تتقاتل الهند والصين في الهيمالايا” وتقول إن “الهند تعتقد أن انتشار القوات العسكرية الصينية في الحدود المتنازعة، هو الثمن  الذي تدفعه عن انضمامها للتحالف الغربي” .

الصحيفة تنوه إلى رفض نيودلهي صفقة أميركية بدعمها ضد بكين أثناء توغل الأخيرة في لاداخ في 2020، وتشير الصحيفة إلى أن رفض الهند، وتحملها عنتا كبيرا جاء في سبيل تأكيد صورتها المستقلة، رغم أن التعاون الهندي الأميركي أقتصر على، نطاق المخابرات.

البديوي يعتقد أن بكين تخشى التقارب الهندي الغربي والدعم الأميركي الذي قد ينجح في استمالة الهند، وتقوية نفوذها ضد جارتها الحذرة بكين.

 فيما وصفت صحيفة “نيويورك تايمز” في مقالها “التدخل الصيني الجديد ـ بالنسبة للهند بمأزق” إذ تتساءل الصحيفة فيما إذا كان ينبغي على نيودلهي استمرارها بتمتين علاقاتها الاستراتيجية والعسكرية مع واشنطن، واستمرار شراكتها برباعية “الكواد” المعروفة  باتحاد أميركا،وأستراليا، واليابان ،والهند، والذي تعتبره بكين بحسب منظورها ونسختها العسكرية ، أي تحالف “الآوكوس” المؤلفة من أستراليا .وبريطانيا وواشنطن، الأكثر قلقا والأكثر ردعا للصين في المسرح البحري الهندي، وبالتالي تكون نيودلهي الشريك الوحيد الذي يواجه بكين هناك، بحسب الصحيفة.

خلاصة ما يجري تؤكد أن التوترات الأخيرة تلوح بحرب عالمية ثالثة، أن تطورت واستمرت لفترات طويلة وبينت أنها تحمل أبعادا استراتيجية مهمة تتعلق بالصراعات الإقليمية التي تهدف للسيطرة على المنطقة البحرية شرقا، كما أن بكين تهدف من توغلها الأخير مع نيودلهي عرض قوتها العسكرية أمام منافستها وعدوتها اللدودة على الساحة الدولية واشنطن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.