في خضم تزايد مستويات الفقر وارتفاع معدلات البطالة في سوريا، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الرواتب والمداخيل، تلجأ نسبة كبيرة من المواطنين إلى وظائف أو أعمال تحميهم من براثن الفقر والعوز، حتى لو كانت هذه الأعمال غير مشروعة ومخالفة للقوانين.

لكن في سوريا، البلد الغارق في الفساد والأزمات، يبدو أن العديد من الأعمال غير القانونية تحدث أمام أعين الحكومة دون أي رقابة أو محاسبة. ولعل أبرز هذه الأعمال هو بيع المحروقات وتحديدا مادة البنزين على البسطات في الطرقات العامة والشوارع الفرعية والأسواق، وحتى مؤخرا انتشرت بسطات بيع البنزين اللبناني المهرَّب علنا وبكثافة في طرقات العاصمة دمشق ولا سيما الرئيسية منها، بحيث باتت شبيهة بالأسواق الأخرى، وسط غضّ الطرف من قبل السلطات هناك.

تجارة في وضح النهار!

نحو ذلك، أفاد تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، نشر مؤخرا، أنه ثمة بنزين مهرّب، كما يؤكد معظم السائقين، انتشر مؤخرا عبر عبوات بلاستيكية سعة 20 لترا مليئة بالبنزين الأخضر، وتُباع على أطراف بعض الطرقات من قِبل الشباب وأحيانا يتم البيع من قِبل الأطفال بسعر 200 ألف ليرة للعبوة الواحدة.

الصحيفة المحلية تقول إنها ليست المرة الأولى التي تنتشر فيها مثل هذه الظاهرة، فكلما حصلت أزمة في المحروقات ينتشر بيع هذا البنزين، كما يؤكد أحد سائقي سيارات الأجرة، الذي تبيّن له من خلال خبرته كسائق، أن البنزين الأخضر غير مرغوب بتعبئته أثناء العمل على السيارة فهو يتطاير بسرعة شديدة، على عكس البنزين السوري الأصفر الذي يقطع فيه السائق كيلومترات أكثر بكثير من الأخضر.

من جانب آخر، في السوق السوداء وصل سعر بطاقة البنزين المدعومة إلى 150 ألفا وأحيانا 175 ألفا من دون سعر البنزين، بينما وصل سعر بطاقة البنزين غير المدعومة إلى 100 ألف في ظل أزمة البنزين الحالية في البلاد، وأوضح سائق آخر “كنا نشتري البطاقة في السوق السوداء بـ 35 ألفا، أما في ظل الأزمة الحادة، فيستغل تجار البطاقات الأزمة لرفع أسعارها”.

إلا أن بعض المصادر المحلية الأخرى تقول إن سعر “تنكة” البنزين 20 لترا في سوق دمشق السوداء لأكثر من 250 ألف ليرة وفي ظل شحّ البنزين في محطات الأوكتان وإغلاق بعض محطاته بشكل تام، مؤخرا، فإن رسائل التعبئة تتأخر لأكثر من 16 يوما بعد أن كانت لا تتجاوز 10 إلى 11 يوما خلال الآونة الأخيرة. في حين أن رسائل البنزين المباشر غير المدعوم لم يطرأ عليها أي تحسّن والمدة لا تزال بحدود 40 يوما.

بطبيعة الحال، فإن مبررات الحكومة حول تأخر رسائل البنزين المدعوم والمباشر غير المدعوم يتمحور حول انخفاض عدد التوريدات اليومية والتي قُدّرت مؤخرا بمقدار 1,5 طلب، مما ينعكس بدوره على تأخّر وصول رسائل البنزين إلى ما بين 2 إلى 3 أيام وأكثر أحيانا.

يُذكر أن السعر الرسمي لمادة البنزين الممتاز “أوكتان 90” المدعوم في سوريا، والذي يجري تسلّمه عبر “البطاقة الذكية”، هو 3 آلاف ليرة سورية للتر الواحد، و”أوكتان 90″، الحر 4900 ليرة للتر، و”أوكتان 95” 5300 ليرة.

تجارة مخالفة؟

مديرية التجارة الداخلية في دمشق أكدت للصحيفة المحلية أن بيع عبوات البنزين الأخضر ظاهرة انتشرت حديثا على بعض الطرقات كنهر عيشة والزاهرة والسومرية، وهو بنزين مهرّب، وتقوم حاليا بمتابعة الموضوع ومصادرة البنزين وملاحقة بائعيه، مشيرة إلى أن بيع البنزين بكل أشكاله أو تداوله ممنوع ويعد مخالفة جسيمة يتحول بموجبها البائع إلى القضاء ويتم إيقافه وسجنه لمدة تتجاوز 3 سنوات أحيانا.

حول ظاهرة بيع البطاقات، زعمت المديرية بوجود مراقب ومشرف على كل كازية طوال 24 ساعة، فلا يتم تفريغ صهريج إلا بإشراف المراقب وكله مسجّل بدقة، وكل فترة تتم معايرة أغلب الكازيات، حيث يسمح بنسبة 20 بـ 20 وفي حال كانت النسبة أكثر من ذلك يتم ضبط المحطة وإحالة مشرفها إلى القضاء، كما يتم تنظيم ضبط بحق الكازية في حال ورود شكوى عليها بعدم دقة عدادها وفي حال تبيّن صحة الشكوى يتم تسجيل الضبط وتحويل المشرف إلى القضاء الذي يقتضي السجن والغرامة وقد يتم تغيير المشرف في بعض الحالات.

قد يهمك: “الكيلو بـ25 ألف ليرة سورية”.. افتتاح سوق الفاكهة الصيفية بأسعار “نارية”

لكن رغم كل هذه الادعاءات الحكومية حول ضبط ومتابعة بيع البنزين المهرّب على الطرقات، إلا أن الظاهرة منتشرة وتحدث أمام أعين الجميع، دون أن تقوم الجهات الرقابية بأي مخالفة أو رادع حقيقي يحد من هذه التجارة غير المشروعة.

معاون مدير التموين في ريف دمشق بسام شاكر أكد أنه يجب التأكد من مصدر البنزين قبل تنظيم الضبط والمخالفة، ففي حال كان محليا تُعتبر المخالفة اتجارا بمواد مدعومة من الدولة، أما في حال كونه غير محلي تنظم مخالفة اتجار بمواد مجهولة المصدر وفي كلتا الحالتين تتم إحالة الضبط إلى القضاء وتقتضي العقوبة بالسجن والغرامة.

بنزين لبناني مهرّب

في المقابل، كشفت عدة تقارير صحفية ومنها صحيفة “الشرق الأوسط”، أن البنزين الذي يُباع على الطرقات بسوريا هو مهرّب من لبنان، وتنتشر بسطات بيع البنزين اللبناني المهرَّب علنا وبكثافة على الطرق الدولية، مثل “دمشق – عمان، دمشق – بيروت، دمشق – حمص”، وصولا إلى شوارع العاصمة السورية الفرعية وجاداتها وأسواقها. يوجود عدد كبير من بسطات بيع البنزين اللبناني المهرَّب، وهو ذو لون بنفسجي ومعبَّأ في عبوات شفافة ذات سعات مختلفة تتراوح بين 10 لترات و4 لترات ولترين ولتر واحد.

الصحيفة الدولية تقول إنه في شوارع دمشق وتحديدا منطقة نهر عيشة جنوب دمشق، هناك عدد كبير من البسطات التي لا تتجاوز المسافة التي تفصل بينها 50 مترا، وبعضها قريب من حواجز للجيش الحكومي والقوى الأمنية، ويلاحظ أيضا أن غالبية أصحاب البسطات يقفون خلفها بانتظار الزبائن من أصحاب السيارات أو المارّة.

مصدر محلي من السكان يوضح، أن غالبية أصحاب البسطات هم من عناصر الجيش وأجهزة الأمن وهم من سكان المنطقة، ومعظمهم يرتدون بزّات عسكرية، كما ترى، من أجل عدم مخالفتهم. وهذا البنزين يصل من لبنان عبر سيارات نقل الركاب العاملة على خط دمشق – بيروت، والذين يقومون بذلك هم عناصر في الجيش وعناصر في “المخابرات” بعضهم غير معروف طبيعة عمله، وفق “الشرق الأوسط“.

مطلع كانون الأول/ديسمبر الماضي، عصفت بمناطق الحكومة السورية، أزمة محروقات حادة والتي اعتّبرت الأقسى منذ سنوات، حيث ارتفعت أجور النقل والمواصلات بشكل كبير، لدرجة أن تكاليف النقل للذهاب إلى العمل باتت متساوية لقيمة راتب الموظف الحكومي، وعلى إثرها نشطت السوق السوداء بشكل كبير حتى وصل سعر لتر البنزين إلى أكثر من 15 ألف ليرة سورية، لكنه تراجع مؤخرا إلى نحو 8 آلاف بعد أن خفّت الأزمة نسبيا، بعد تحسّن التوريدات وانتظام وصول كميات من النفط الخام إلى ميناء بانياس في الساحل السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات