في خضم الغلاء الذي يلتهم الأسواق السورية منذ فترة، خاصة بعد أن رفعت الحكومة أسعار البنزين والغاز، أصدرت لجنة تحديد الأسعار في محافظة دمشق قرارا بتحديد أسعار جديدة للمطاعم الشعبية والفطائر والمعجنات والمقاهي.

لم يكن هذا القرار مفاجئا للمواطنين، حيث أصبحت الزيادة في الأسعار أمرا معتادا في المشهد العام للحياة في سوريا، وقد صرح رئيس “جمعية المطاعم” كمال النابلسي في وقت سابق، أن الجمعية تعمل على دراسة تعديل أسعار المواد الغذائية الشعبية لمواكبة ارتفاع أسعار الغاز الصناعي. وبالفعل صدر قرار برفع الأسعار، الأمر الذي يزيد من تفاقم الأعباء على المواطنين الذين يعانون بالفعل من ارتفاع الأسعار دون زيادة في رواتبهم أو مداخيلهم.

بعد أن رفعت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك السورية” سعر أسطوانات الغاز الصناعي إلى 75 ألف ليرة سورية، وارتفاع سعر البنزين في القطاعين العام والخاص ومن ثم بشكل عام، كانت ثمة مخاوف من تأثير هذا الارتفاع على الأسواق عامة، وهذا ما يحصل حاليا، حيث أثّر هذا الارتفاع على مجمل مفاصل الحياة اليومية بالبلاد، بالتالي فإن القرار الحكومي الأخير وفّر بيئة خصبة لتفاقم أزمة الأسعار أكثر فأكثر.

قرص الفلافل بـ 175 ليرة!

وفقا للقرار الحكومي، فقد تمّ تحديد سعر كيلو المسبحة بـ 15 ألف ليرة سورية، نسبة الطحينة 20 بالمئة، وكيلو الحمص المسلوق بـ7 آلاف ليرة، والفول المسلوق بـ7 آلاف ليرة، حسبما أوردته صحيفة “الوطن” يوم أمس الثلاثاء.

قرص الفلافل بـ175 ليرة سورية- “سناك سوري”

كما حُدّد سعر صحن المسبحة بالزيت بـ 6 آلاف ليرة، وكذلك الأمر بالنسبة لصحن الفول بالزيت وحمص الحَب، وصحن البيض المقلي بالزيت، أما صحن الفول بالزيت واللبن مع سرفيس، 200 غرام، بـ 6500 ليرة، وزبدية الفتة بالسمن مع سرفيس، 500 غرام، بـ7 آلاف ليرة.

اللافت أن قرص الفلافل وصل سعره لـ 175 ليرة، وسندويشة الفلافل بين 2800 ليرة و4 آلاف ليرة، وهو ما يُعتبر سعرا كبيرا مقارنة برواتب الموظفين ومداخيل المواطنين بشكل عام في سوريا. أما سندويشة البطاطا بخبز صمون، 6 أقراص، بـ 4 آلاف ليرة، وسندويشة البطاطا بخبز صمون مع كتشب وسلطة إيطالية، 1500 غ بطاطا، بـ 4 آلاف ليرة وكذلك بالنسبة لسندويشة المرتديلا، 80 غ مرتديلا، بـ 6 آلاف ليرة.

أيضا، حُدّد سعر سندويشة “الهمبرغر” مع البيض والبطاطا و الكاتشب،60 غ لحمة و40 غ بطاطا- بيضة، بـ 8 آلاف ليرة، وسندويشة البيض المسلوق بـ 4 آلاف وكذلك بالنسبة لسندويشة الجبنة قشقوان بخبز صمون، والحلاوة مع الزبدة النباتية بخبز صمون.

بينما سندويشة لحم الدجاج بخبز صمون، 60 غ لحم فروج، وصل لـ 8 آلاف ليرة، وسندويشة السودة دجاج بخبز صمون أو سياحي،80 غ سودة، بـ7 آلاف ليرة. وبالنسبة لسعر أقراص المعجنات، حدد السعر بـ 800 ليرة لقرص الجبنة والزعتر والمحمرة والسبانخ، و1500 ليرة لكل من الجبنة بقشقوان والمحمرة بقشقوان، والمرتديلا، و البيتزا، إضافة إلى أجرة تصنيع القرص بـ 350 ليرة، طبقا لقرار لجنة تحديد الأسعار في محافظة دمشق.

العديد من الأهالي يرون أن هذه الأسعار مرتفعة مقارنة برواتبهم ومداخيلهم، حتى لو كانت معقولة مقارنة بتكاليف التشغيل والمواد الأولية، وبالتالي فإن هذه الزيادة تجعل كل هذه المأكولات الشعبية بعيدة عن موائدهم، ويبدو أن الذهاب إلى المقاهي سيكون صعبا على جيوبهم.

أسعار المشروبات بالمقاهي

في المقابل، ارتفع أسعار المشروبات في المقاهي، ليصبح سعر كأس الشاي الكبيرة، وفنجان القهوة بـ 3500 ليرة لكل منهما، وكأس الزهورات الكبير بـ 3500 ليرة، وكذلك الأمر بالنسبة لكأس الكابتشينو والميلو، كما حُدّد سعر الأركيلة المعسل بـ 7500 ليرة سورية، وكذلك بالنسبة للأركيلة تنباك.

رئيس “الجمعية الحرفية للمطاعم والمقاهي والمتنزهات” في دمشق كمال النابلسي، ذكر في وقت سابق وجود أكثر من 1000 مطعم شعبي في العاصمة، وأن هناك تأثيرات حاصلة من قرار تعديل الأسعار لاسيما أن المطاعم الشعبية بدمشق تحصل على نصف احتياجاتها فقط من المحروقات بالأسعار الرسمية.

أما النصف الأخر تعمد إلى تأمينه من السوق السوداء بأسعار مضاعفة تصل إلى 300 ألف ليرة لأسطوانة الغاز الصناعي.

عقب ارتفاع سعر الغاز قبل نحو أسبوعين، طرحت العديد من المطاعم أسعارا تلائم كُلف مستلزماتها ضاربة عرض الحائط أي تعرفة رسمية صدرت، علما أن الأمر شمل السندويتش باختلاف أنواعه والمعجنات والمشروبات والأراكيل، وبالتالي أصبح هناك تباين واضح بين مطعم وآخر في أحياء العاصمة، وهذا يعني أن مسألة إقرار التعرفة الجديدة من المحافظة والرقابة بات أمرا لا مفرّ منه، وهذا ما حصل اليوم بالفعل.

المدهش في الأمر، أن هذه الأسعار تعتبر أقل إلى حد ما من الأسعار التي تُباع بها المواد حاليا في مختلف الأسواق والمحال، وبالتالي ثمة مخاوف من عدم التقيد بموجبها من بعض المحال نتيجة الارتفاع الكبير لمستلزمات وكلف التشغيل وواقع المحروقات.

مما يعني أن أسعار لجنة تحديد الأسعار في محافظة دمشق لن يتم التقيد بها، نظرا لأنها لا تتلاءم مع كلف التشغيل والمواد ولاسيما أن معظم المقاهي والمخابز والمطاعم الشعبية يشترون الغاز من السوق السوداء وليس بالسعر المدعوم.

محال للمعجنات في سوريا- “إنترنت”

عضو “جمعية المطاع” في دمشق سام غرة، زعم من جانبه للصحيفة المحلية أن الأسعار تمت دراستها مع مدير التموين وحماية المستهلك والكادر التمويني وحصلت على موافقة لجنة تحديد الأسعار في محافظة دمشق، معتبرا أن الأسعار منطقية ومنصفة.

غرة قال أيضا “كنا نتمنى تحديد سعر كيلو المسبحة بـ17 ألف ليرة، نسبة الطحينة 25 بالمئة، لكن ما تقرر يُعتبر جيدا في حال لم ترتفع أسعار المادة”. بينما قال رئيس “جمعية حماية المستهلك” عبدالعزيز معقالي، إن الأسعار الجديدة خطوة في الطريق الصحيح لإنصاف الحرفيين على الرغم من أنها أقل من التكاليف الكبيرة التي يتكبّدونها.

مع هذا الحديث ينسى المسؤولون الحكوميون أن الرواتب والأجور ثابتة ولا زيادة فيها بحيث تواكب وتلائم مستوى المعيشة في البلاد.

لكن الكلام ليس غريبا، فالمسؤولون الحكوميون دائما ما يعتبرون ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الكبير وغير المنطقي على أنه أمر عام ويحدث في كل بلدان العالم، وهو يرجع إلى تدهور سعر الصرف مقابل الدولار الأميركي، متناسيين عدم قيام الحكومة بواجباتها تجاه المواطنين أو الاعتراف بعجزها في رفع الرواتب بما يتناسب مع مستوى المعيشة في البلاد.

تقنين المواد

سلسلة من القرارات أصدرتها الحكومة السورية خلال الفترة الماضية، كان لها دور كبير في زيادة تكاليف إنتاج معظم السلع والخدمات في سوريا، الأمر الذي ساهم بزيادة الأسعار على المستهلك، في ظل عدم إقرار أي آلية من شأنها تحسين دخل المواطن.

أبرز القرارات الحكومية التي عمّقت جراح المواطن على المستوى الاقتصادي، هو قرار رفع سعر مادة الغاز، حيث أكد عضو المكتب التنفيذي لقطاع التجارة الداخلية وحماية المستهلك في دمشق قيس رمضان، أن ارتفاع سعر الغاز سيؤدي بالضرورة إلى رفع أسعار العديد من السلع في الأسواق.

بسبب الارتفاع المستمر لمعظم السلع والخدمات التي أثّرت بدورها على أسعار المأكولات الشعبية في سوريا، هناك أصناف غذائية تجاوزت قدرة الفقراء على شرائها، مما يعني أنها تخرج من قائمة الخيارات المتاحة لهم. هذا الارتفاع المتواصل في الأسعار يعرض الفئات الأكثر ضعفا لمزيد من الصعوبات ويؤثر سلبا على قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية.

من بين الأصناف التي يصعب الوصول إليها حاليا بسبب ارتفاع الأسعار يمكن ذكر اللحوم، والأسماك، والدواجن، ومنتجات الألبان، والفواكه الطازجة، وحتى المونة. هذه الأصناف الغذائية التي كانت في السابق تُعتبر جزءا من نظام غذائي صحي ومتوازن للفقراء، أصبحت الآن خارج نطاق قدرتهم المالية.

هذا التغيير في الأصناف المتاحة للفقراء يعزز حاليا التفاوت الاجتماعي ويفاقم حالة عدم المساواة في البلاد، فالأسواق السورية شهدت قفزة هي الأعلى منذ بداية العام الجاري، في أسعار مختلف السلع والخدمات بمتوسط زيادة نسبته 30 بالمئة، فيما ارتفعت أسعار بعض السلع بنسبة وصلت لـ 80 بالمئة، الأمر الذي فاقم الأزمة المعيشية في البلاد.

مما لا شك فيه أن أسباب هذا العزوف والتقنين يعود لضعف القدرة الشرائية للمواطن مقارنة بهذه الأسعار التي لا تتناسب إطلاقا مع قيمة الرواتب والأجور، وبالتالي يبدو أن السوريين سيضيفون تدريجيا عناصر جديدة إلى قائمة التقنين لديهم، ولا يُستبعد أن تُضاف أصناف أخرى في الفترة المقبلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات