غلاء جامح يجتاح الأسواق السورية خلال الفترة الماضية، لاسيما أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء حيث وصل سعر الكيلو الواحد من لحوم الأغنام لقيمة راتب موظف حكومي، الأمر الذي جعل السوريين أمام تحدي ابتكار وسائل جديدة، لتأمين متطلباتهم المعيشية.

بعد أن لجأ السوريون إلى “الفطر” كبديل للحوم نتيجة هذا الارتفاع غير المسبوق في الأسعار، اتجه العديد من سكان محافظة السويداء وبعض المدن والمناطق الأخرى إلى تربية الأرانب في منازلهم، أو شرائها من مربّيها في المدن والبلدات الريفية لتكون بديلا عن اللحوم.

وسائل جديدة للتعايش مع الغلاء

الارتفاع غير المسبوق لأسعار اللحوم الحمراء والبيضاء في عموم البلاد، والتي فاقت المقدرة المالية للمستهلكين لها، دفعت الكثير من أبناء محافظة السويداء ريفا ومدينة للتوجه نحو البدائل، فكانت وجهتهم تربية الأرانب منزليا، حسبما أوضحه موقع “غلوبال نيوز” المحلي، يوم أمس الثلاثاء.

أحد مربي الأرانب- “سناك سوري”

هذا وشهدت التربية المحدثة قبل نحو عام في ساحة المحافظة إقبالا ملحوظا من بعض المواطنين، خاصة في مناطق الريف، للأنواع المحلية والمحسّنة “فارسي – هولندي – إسباني”، وذلك لتقديم لحومها كبديل للحوم الأغنام والأبقار في بعض الأطعمة الشعبية وخاصة “الكبة”.

هذا فضلا عن ما يدر تربية الأرانب دخلا ماديا للمربّين، خاصة وأن أسعار بيعها تتراوح ما بين 45 إلى 100 ألف ليرة سورية في السوق المحلي لزوج من الأرانب وذلك حسب النوعية.

على مدار السنوات الماضية ظهرت عادات غذائية جديدة في سوريا، حيث لجأ الكثير من المواطنين، وخاصة في محافظة السويداء، إلى تربية الأرانب في حدائق منازلهم، واتخذوا هذه المهنة مصدرا للرزق، بالإضافة إلى حاجة الأسرة إلى لحوم الأرانب الغنية بالبروتين كبديل عن اللحوم الحمراء غالية الثمن التي لم يعد بمقدور السواد الأعظم من السوريين شراءها من الأسواق.

نتيجة للظروف المعيشية الصعبة، اتجه العديد من مربّي الأرانب إلى فكرة ترشيد الأُسر، ومن يرغب في هذه التربية التي تساعد في تحقيق نوع من الاكتفاء الغذائي وتعليم أساسيات التربية والسلالات والغذاء، والاستفادة من اللحوم من الخبرات السابقة والتجارب الخاصة. وقد انتشرت الفكرة بشكل جيد واستنادا إليها أنشأوا صفحة لسوق أرانب “السويداء” وتنظيم التداول وتقديم الاستشارات، بحسب تقرير سابق لموقع “سناك سوري”.

“غنية بالبروتين”

في هذا السياق أوضح رئيس دائرة الصحة الحيوانية الدكتور كميل مرشد لـ”غلوبال نيوز”، أن الكثير من المربين في ريف السويداء توجهوا لتربية الأرانب، حيث عانوا بداية من إصابتها ببعض الأمراض الهضمية والتنفسية، إلا أنها لم تعد موجودة لعدم ورود أي شكوى من المربين بهذا الخصوص.

مرشد أشار إلى أن تربية الأرانب تهدف إلى تعويض البروتين الذي افتقده المواطنون من جراء عجزهم عن شراء لحوم الأغنام والأبقار، وتُعد لحوم الأرانب من أجود اللحوم لغناها بالبروتين، وتكاليف تربيتها غير مرهقة للمربّين كونها لا تحتاج إلى كميات كبيرة من الأعلاف فتغذيتها تعتمد على الحشائش ومادة التبن العلفية وغيرها من المواد الغذائية الأخرى، ولكن لتاريخه لا توجد إحصائية عن الأعداد التي تمت تربيتها كونها مستحدثة والأغلب منزلي.

وفق بعض المربين فإن ميزة لحوم الأرانب تتمثّل بخلوها من بقايا الأعلاف والهرمونات، كون التغذية طبيعية ويكفي للأسرة أن تقدم له بقايا الطعام من رز وخضار وفواكه والشعير وتبن الحمص رخيص الثمن، حيث أن تربية زوج من الأرانب في قفص لا يزيد عن 80 سم بعرض 80 يمكن أن تكون بداية لمشروع الحصول على بروتين حيواني غني بالفيتامينات ولا يقل فائدة عن لحم الضأن.

بعض الأهالي يقولون إن الظروف المعيشية الصعبة وخاصة أسعار اللحوم الحمراء التي باتت بـ”العلالي”، حيث وصل سعر الكيلوغرام الواحد من لحم الغنم إلى 95 ألف ليرة سورية، أما مثيله من لحم العجل الهبرة الخالي من الدهن فيبلغ سعره 85 ألف ليرة، دفعهم لتربية الأرانب، إذ تشكّل لحومهم بديلا جيدا عن اللحوم الحمراء، ويبلغ سعرها قرابة الـ 20 ألف ليرة سورية للكيلوغرام الواحد.

عدد المربّين ازداد ليشمل مئات الأشخاص من المدينة والريف بناءً على تجارب ناجحة منها لسهولة التربية، وطبيعة الكائن الذي لا يحتاج إلى أكثر من لقاحات وأدوية بسيطة وفي حالات محددة كل 35 يوما تلد الأنثى ما لا يقل عن ثمانية أزواج يتم تربيتها لمدة شهرين وتكون جاهزة للبيع وفقا للأطباء البيطريين.

عادات غذائية جديدة

نحو ذلك، أشار تقرير لصحيفة “تشرين” المحلية، قبل أيام إلى أن الفطر في سوريا “تحول إلى كونه لحم الفقراء، حكما أنه بديل للحم الغنم بعدما تجاوز سعر الكيلو منه 95 ألف ليرة”، وذلك تزامنا مع زيادة الإقبال على زراعته في البلاد، حيث يتم إنتاج ما بين 20-30 كيلو من الفطر بالمتر الواحد المربع في كل دورة.

أسواق اللحوم في سوريا- “إنترنت”

خلال العام الماضي زاد إقبال المزارعين على زراعة الفطر، خاصة وأن دورته تمتد فقط من شهرين إلى ثلاثة أشهر، كما أن زراعته وفّر فرص عمل لعشرات الشباب، حيث يُباع الكيلو الواحد منه ما بين 25 إلى 35 ألف ليرة، ويمكن للكيلو الواحد أن يتجزأ إلى عدة طبخات.

بحسب تقرير الصحيفة المحلية، فإن مشاريع زراعة الفطر انتشرت في معظم المحافظات السورية، ضمن الأماكن المهجورة والأقبية المعتمة حيث وصل العدد الإجمالي للمستفيدين من زراعة الفطر الآن إلى حوالي 500 عائلة، حيث تُعدّ هذه الزراعة واعدة وذات جدوى اقتصادية جيدة للأسرة.

منذ بداية العام الجاري، شهدت أسعار اللحوم الحمراء قفزات كبيرة، حيث وصل سعر كيلو هبرة الخروف وهي أغلى أنواع اللحوم عادة إلى 140 ألف ليرة سورية، في وقت أشار فيه رئيس جمعية اللحامين بدمشق محمد يحيى الخن، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، إلى أن ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء مؤخرا عائدٌ لسببين رئيسين، أولهما أن الفترة الحالية هي فترة ولادة الأغنام، وبالتالي يمتنع المربّون عن بيع الخروف.

أما السبب الثاني، فهو عزوف المربين عن طرح الخرفان الكبيرة في الأسواق لبيعها، وذلك من أجل تخزينها وبيعها خلال أيام “عيد الأضحى”، لأنها مرغوبة كأضاحٍ خلال فترة العيد، كذلك فإن هناك أسباب أخرى لارتفاع الأسعار كالتهريب الذي يلعب دورا أساسيا في رفع الأسعار، فضلا عن ارتفاع سعر العلف.

كما وصل سعر  كيلو الخاروف الحي إلى 44 ألف ليرة سورية، ولحمة العجل هبرة خالية من الدهنة إلى 85 ألف. هذه الأرقام تسببت في عزوف شريحة واسعة من العائلات السورية عن استهلاك اللحوم في وجباتهم اليومية.

كذلك، كشف تقرير سابق لموقع “أثر برس” المحلي، عن أن المواطنين يبحثون عن بدائل تُغنيهم عن شراء اللحوم، وأصبح المنتج الجديد “كفتة بديل اللحمة” الذي اكتسح أسواق دمشق، وهو منتج نباتي مصنوع من دقيق بروتين الصويا، أحد هذه البدائل.

ما يعمق فجوة الوضع المعيشي في سوريا ويبعث بمدى عجز الحكومة في تأطير أو حلحلة الأوضاع الاقتصادية قليلا هو أن المواطن بات يبحث عن حلول غذائية بديلة علّها تخفف همّه الاقتصادي ونفقاته المعيشية فالإعلانات والمنتجات الغذائية البديلة انتشرت.

إذ اعتمد المواطنون فيها على عامل السعر المتدني مقارنة بالمنتج الأساس، وتحديدا اللحوم التي فاقت أسعارها قدرة العائلة السورية المحدودة الدخل، إضافة لارتفاع سعر اللحوم البيضاء في الآونة الأخيرة.

بالتالي صار المواطن السوري أمام واقع مرير، يبحث عن طرق لعلها تنجّيه من أزمته المعيشة في هذه البلاد، واستبدال اللحوم الحمراء والبيضاء بالفطر أو عظام اللحوم أو الأسماك أوقات انخفاض أسعارها. ولعل لجوء الأهالي إلى هذه العادات لكون اللحوم بأنواعها خارجة عن دائرة القدرة الشرائية لديهم، فكل يوم تزداد الفجوة بين قيمة الرواتب والمداخيل وأسعار اللحوم الرائجة في الأسواق، وتراجع نسبة شراء اللحوم الحمراء دليل على ذلك، حيث قال اللّحامون مرارا إن الناس باتوا يشترون كميات قليلة من اللحوم بحيث تتناسب مع المبلغ الذي يمكن أن يدفعوه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات