المغرب تشهد تحولات جذرية في مفهوم إنجاب الإناث والتفضيل بين الجنسين، حيث أظهرت دراسة حديثة نشرتها المندوبية السامية للتخطيط أن أكثر من نصف النساء المغربيات لا يصرّحن بأفضلية واضحة للمولود الذكر على حساب الأنثى. هذا الاتجاه المتغير يعكس تغييرات جذرية في المواقف والسلوكيات المتعلقة بالتفضيل بين الجنسين في المجتمع المغربي، مما يشير إلى تحول ثقافي ملحوظ وتغير في العقليات الاجتماعية.

منذ فترة طويلة، كان هناك اعتقاد متجذر في المجتمع المغربي يميل إلى تفضيل الذكور على الإناث فيما يتعلق بإنجاب الأطفال، وهو الاعتقاد الذي استمد قوته من العوامل التقليدية والاجتماعية. ومع ذلك، تشهد المغرب تغيرات هائلة على المستوى التشريعي والاقتصادي والثقافي، مما أدى إلى تغييرات عميقة في القيم والمعتقدات المجتمعية.

 تغيير ثقافة التمييز بين الجنسين

في الماضي، كانت النساء في المغرب يفضّلن إنجاب الذكور على الفتيات، وذلك بسبب القيم والتقاليد التاريخية التي ترتبط بدور الأولاد في دعم الأسرة واستمرار اسمها. حيث كانت الأمهات تميل بشكل خاص لتفضيل الأولاد نظرا لدورهم المرجو كمعيلين للأسرة وسببا لاستمراريتها.

نساء مغربيات يتظاهرن لتغيير القوانين والتشريعات - إنترنت
نساء مغربيات يتظاهرن لتغيير القوانين والتشريعات – إنترنت

مع تقدم تعليم المرأة وتمكينها، وتحسّن الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ظهرت علامات على تغيير هذا التفضيل. حيث تشير دراسة حديثة نُشرت من قبل المندوبية السامية للتخطيط، وهي مؤسسة حكومية، إلى أن أكثر من نصف النساء المغربيات لا يعبّرن عن تفضيل واضح بين الجنسين في إنجاب الأولاد؛ بل هناك ميل متزايد نحو تفضيل الإناث، وهذا يعكس تغيرا ملحوظا عن الماضي.

الدراسة التي تم إنجازها بواسطة قسم المحددات الديموغرافية في المندوبية، تشير إلى أن المرأة المغربية المتزوجة قد تكون أكثر استعدادا الآن لإنجاب البنات، وهذا قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في المواقف والسلوكيات المتعلقة بتحديد جنس الأطفال في المغرب.

بدوره الباحث في العلوم الاجتماعية، لسحن دحماني، في حديث لصحيفة “العرب” اللندنية، أن التفضيل بين الجنسين يُعد قضية ثقافية واجتماعية ونفسية أيضا. ويعود ذلك إلى وجود نظرة تحتقر المرأة التي تنجب الإناث فقط، ويتأثر ذلك بسلطة الوالدين والتقاليد المجتمعية في المغرب، حيث يتم تعزيز التمييز والترتيب بين الجنسين منذ الولادة.

دحماني أضاف أن تفضيل الذكور على الإناث يترتب على عوامل ثقافية واجتماعية ونفسية. وتشير الدراسات الآن إلى أن النساء في المغرب أصبحن أكثر سهولة في تربية الإناث بفضل تطور التعليم وتوفر الفرص للنساء.

ازدياد كبير لعدد النساء وتحقيق هيمنتهن

طبقا لما تحدث به الصحفي المغربي عمر دغوغي، لـ”الحل نت”، فإنه قد يكون للتطورات التشريعية دور كبير في هذا التحول، حيث شهدت المملكة إصلاحات هامة في قوانين الأسرة وحقوق المرأة. حيث تم تعديل القوانين لتمنح النساء حقوقا أكثر تكافؤا ومساواة في المجتمع، مما أدى إلى تعزيز الثقة والاعتزاز لدى النساء المغربيات وتغيير نظرتهنّ للتفضيل بين الجنسين.

ازدياد مشاركة النساء المغربيات في البرامج الحكومية - إنترنت
ازدياد مشاركة النساء المغربيات في البرامج الحكومية – إنترنت

مع ذلك، لا يمكن نسبة هذا التحول الكبير في العقليات الاجتماعية فقط للتغييرات التشريعية؛ بل ينبغي أن النظر أيضا إلى التغيرات الاقتصادية والثقافية التي شهدها المجتمع المغربي. فطبقا لحديث دغوغي، شهد البلد تطورا اقتصاديا هاما وتحسنا في مستوى المعيشة، مما ساهم في تغيير آفاق النساء وتعزيز دورهن في المجتمع. وهذا التحسن في الوضع الاقتصادي ساهم في تغيير أولويات الأُسر وتحويل الانتباه إلى قيم أخرى مثل التعليم والاستقلالية المالية.

بالإضافة إلى ذلك، لعبت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي دورا حاسما في نشر الوعي وتغيير النظرة المجتمعية تجاه التفضيل بين الجنسين. فقد أصبحت المرأة المغربية أكثر قدرة على التعبير عن آرائها وتبادل الخبرات والتجارب مع النساء الأخريات، مما أدى إلى تكوين شبكات اجتماعية تدعم التغيير وتعزز التفاعل الإيجابي.

رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، أعلن في آذار/مارس الفائت، أن نسبة تقلد النساء للمناصب العليا في البلاد ارتفع إلى 19 بالمئة عام 2022. حيث جاء ذلك في كلمة لأخنوش خلال اجتماع المجلس الحكومي بالرباط، وفق بيان لرئاسة الحكومة، بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة.

أخنوش أكد أن الحكومة تولي مكانة كبيرة لتعيين النساء في المناصب العليا، وأشاد بمستوى حضور النساء بالمناصب العليا حيث ارتفع من نسبة 16 بالمئة عام 2018 إلى 19 بالمئة​​​​​​​ عام 2022، ليبلغ بذلك عدد النساء في المناصب العليا 619 امرأة في العام الجاري.

التربية التقليدية للفتاة تكرس خلق التمييز

في ضوء الانتقالات التي شهدتها المغرب على الصعيد التشريعي والاقتصادي والثقافي، ومع التغيرات الاجتماعية المتلاحقة، أصبح هناك تحول مثير للدهشة. فعلى عكس ما تم مشاهدته في عام 1997، عندما فضلت النساء الريفيات أن ينجبن ذكورا، أصبحن الآن يتمنين بشدة أن يكون جنس الطفل أنثى. 

المغرب تشهد تحولات جذرية في مفهوم إنجاب الإناث - إنترنت
المغرب تشهد تحولات جذرية في مفهوم إنجاب الإناث – إنترنت

بل وزاد هذا التوجه نحو تفضيل البنات بين النساء الريفيات من 20.9 بالمئة في عام 1997 إلى 23.3 بالمئة في عام 2018. وفيما يتعلق بالنساء في المدن، فقد زادت رغبتهن في اختيار البنات على حساب الأولاد مع مرور الوقت، حيث ارتفعت النسبة من 29.8 بالمئة مقابل 25.6 بالمئة في عام 1997 إلى 28.8 بالمئة مقابل 19 بالمئة في عام 2018.

مذكرة المندوبية السامية للتخطيط تكشف عن حقيقة مثيرة للاهتمام، وهي أن أكثر من نصف النساء المغربيات لا يهتمن بتحديد جنس الطفل المرغوب به حاليا. في الوقت نفسه، تشير بعض النساء إلى تفضيلهنّ للبنات على الأولاد. ومع ذلك، تشير المذكرة إلى أن اهتمام النساء بتحديد جنس الطفل أصبح أقل شيوعا في المغرب منذ بداية القرن الحادي والعشرين.

فنحو نصف النساء المتزوجات اللواتي يرغبن في إنجاب طفل في المستقبل لم تعبرن عن تفضيلهنّ لجنس الطفل، وبالإضافة إلى ذلك، ارتفعت نسبة عدم الاهتمام بجنس الطفل من 49 بالمئة في عام 1997 إلى 54.4 بالمئة في عام 2018.

وفيما يتعلق بالنساء اللواتي يفضلن تحديد جنس الطفل المرغوب، تشير المذكرة إلى عدم وجود تفضيل واضح للهوية الجنسية للطفل. فعلى سبيل المثال، في عام 1997، أرادت 26 بالمئة من النساء المغربيات إنجاب صبي، بينما أرادت 25 بالمئة منهن إنجاب فتاة.

البيانات الرسمية الأخيرة تكشف أن التركيبة السكانية في المغرب تشهد تغييرا ملحوظا في اتجاه زيادة عدد النساء وتعزيز دورهن. فوفقا للمعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، بلغ إجمالي عدد سكان المملكة 36.67 مليون نسمة في الأول من تموز/يوليو 2022، ووصلت نسبة الإناث في المملكة إلى 50.2 بالمئة في نفس الفترة، وهذا الرقم يعكس زيادة تواجد النساء وتعزيز دورهن في المجتمع.

الخبير الاجتماعي دحماني، يؤكد أن تربية الأسرة التقليدية للفتيات تعزز التمييز والفروق بين الذكور والإناث. حيث يتاح للأولاد الفرصة لاكتشاف العالم الخارجي، بينما تقتصر تربية الفتيات على المهام المنزلية. ويزداد هذا التمييز تفاقما أثناء مرحلة البلوغ، حيث يحصل الأولاد على حرية أكبر في الانفتاح خارج دائرة الأسرة، في حين تبقى الفتيات محصورات بشكل أكبر في دائرة الأسرة، نظرا للاعتقاد التقليدي في الحفاظ على شرف الأسرة من خلال حماية بكارتهن.

الباحث التربوي والنفسي محمد الصدوقي، أوضح أن الميل نحو اختيار المواليد الإناث ينبع من خلفيات سيكولوجية، مثل نقص الراحة العاطفية لدى النساء، خاصة تلك اللاتي يواجهن ظروفا اجتماعية وأسرية صعبة، مما يدفعهن بشكل غير مدرك نحو السعي للتعويض العاطفي من خلال البنات، نظرا لأنهن أكثر حنانا من الذكور.

على الرغم من هذا التحول الإيجابي، يرى خبراء اجتماعيون وجوب مواصلة العمل على تعزيز الوعي وتغيير الثقافة العميقة المتجذرة بين الأفراد، وإزالة أي آثار للتمييز بين الجنسين وتعزيز المساواة والعدالة في جميع جوانب الحياة، إذ إن التحولات السريعة والإرادة المستمرة للتغيير يمكن أن تؤدي إلى مجتمع أكثر تعاونا وتقدما، حيث لا مكان للتفضيل بين الجنسين وتحقيق المساواة الكاملة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات