وسط مخاوف من أن يؤدي تذبذب أسعار النفط مجددا إلى تراجع النمو الاقتصادي وضعف الطلب العالمي على المادة؛ انخفضت أسعار النفط في التعاملات الآسيوية المبكرة، اليوم الاثنين، حيث قوبلت المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي واحتمالات قيام مجلس الاحتياطي الاتحادي “البنك المركزي الأميركي” برفع أسعار الفائدة، بتوقعات بتقليص الإمدادات في ظل التخفيضات التي أعلنتها مجموعة “أوبك بلس”

بحسب “رويترز”، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت 20 سنتا أي 0.3 بالمئة إلى 75.21 دولار للبرميل بحلول الساعة 00.44 بتوقيت غرينتش، بعد أن استقرت على ارتفاع 0.8 بالمئة الجمعة الماضي، فيما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 23 سنتا أي 0.3 بالمئة مسجلا 70.41 دولار بعد أن أغلق مرتفعا 1.1 بالمئة في الجلسة السابقة.

أما برنت فقد هبط للربع الرابع على التوالي بنهاية حزيران/يونيو الماضي، بينما سجل خام غرب تكساس الوسيط انخفاضا فصليا ثانيا حيث تباطأ أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين، في الربع الثاني.

بناء على ذلك، نمت المخاوف من حدوث مزيد من التباطؤ الذي يلحق الضرر بالطلب على الوقود بعد أن أظهرت بيانات الجمعة الماضي، أن التضخم في الولايات المتحدة لا يزال يفوق هدف “البنك المركزي” البالغ 2 بالمئة، ما أثار توقعات بأن يرفع أسعار الفائدة مرة أخرى.

أسعار النفط تهدد الاقتصاد العالمي

وسط هذا المشهد، نقلت “رويترز” عن محللين توقعاتهم، بتقليص الإمدادات وارتفاع الأسعار في النصف الثاني من العام الحالي بعد أن تعهدت السعودية التي تُعدّ أكبر مصدّر للنفط في العالم، بخفض الإنتاج نحو مليون برميل إضافي يوميا خلال الشهر الحالي، في حين تعمل الولايات المتحدة على تجديد احتياطها الاستراتيجي من النفط تدريجيا.

هذه حالة من “اللايقين” المسيطرة على الاقتصاد العالمي، تحت وطأة التطورات الجيوسياسية الأخيرة وتبعاتها الواسعة، انعكست على أسعار النفط خلال النصف الأول من العام الجاري 2023، بينما لعب تحالف “أوبك بلس” دورا مؤثرا في محاولة تحقيق التوازن بأسواق النفط، في ظل مشهد مضطرب تلفه جملة من التحديات المفصلية العميقة، وسط رهانات على فعالية وتأثير قرارات خفض الإنتاج الطوعي التي اتخذتها الدول الأعضاء بالتحالف خلال الستة أشهر.

تبعا لذلك ومع المعطيات الراهنة، وبينما تتباين التقديرات بشأن مستويات أسعار النفط خلال النصف الثاني من العام، على اعتبار أنها تتوقف على مدى التطور الذي تشهده تلك العوامل المذكورة وغيرها، وفي ضوء ارتباطها بالتطورات الجيوسياسية الراهنة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياتها الممتدة، أوضح خبير الاقتصاد بيار خوري، تداعيات الانخفاض الحالي على الاقتصاد العالمي.

خوري وفي حديث مع موقع “الحل نت”، أشار إلى أنه للانخفاض الحالي في أسعار النفط عدد من التداعيات على الاقتصاد والنمو العالمي، وتنقسم تلك التداعيات إلى إيجابية وسلبية، ومن التأثيرات الإيجابية انخفاض تكاليف الطاقة؛ فإن انخفاض أسعار النفط بالنسبة للبلدان المستوردة للنفط، يعني انخفاض تكاليف الطاقة، مما قد يؤدي إلى زيادة الدخل المتاح والإنفاق الاستهلاكي، وهذا يمكن أن يعزز النمو الاقتصادي.

أيضا من تلك التأثيرات زيادة الاستثمار، حيث يمكن أن يؤدي انخفاض أسعار النفط إلى زيادة الاستثمار في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل التصنيع والنقل، وبالتالي هذا يمكن أن يعزز النمو الاقتصادي كذلك، وذلك بالإضافة إلى انخفاض التضخم، مما يسهل على الشركات الاستثمار والنمو، بحسب خوري.

أما عن التأثيرات السلبية، بيّن خبير الاقتصاد، أن انخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى انخفاض عائدات البلدان المصدّرة للنفط، ذلك لأنها تعتمد على مبيعات النفط في جزء كبير من عائداتها الحكومية، وعندما تنخفض أسعار النفط، يمكن أن تشهد هذه البلدان انخفاضا حادا في الإيرادات، مما قد يؤدي إلى عجز في الميزانية وعدم الاستقرار الاقتصادي.

علاوة على ذلك، “فقد يتسبب الانخفاض الحالي بفقدان الوظائف في قطاع النفط والغاز، إذ يُعتبر قطاع النفط والغاز جهة توظيف رئيسية في العديد من البلدان، بالتالي عندما تنخفض أسعار النفط، قد تقوم شركات النفط بتسريح العمال، مما قد يؤدي إلى فقدان الوظائف والصعوبات الاقتصادية، وذلك بالإضافة إلى زيادة مستويات الديون، حيث ستجد البلدان التي اقترضت بكثافة لتمويل أنشطة التنقيب عن النفط وإنتاجه صعوبة في سداد ديونها عندما تنخفض أسعار النفط، مما يمكن أن يؤدي إلى أزمات الديون السيادية والركود الاقتصادي”.

تأثيرات أسعار النفط على حركة الأسواق

على مستوى حركة السوق والظروف المعيشية، أوضح خوري، أن الانخفاض بأسعار النفط يمكن أن يكون له تأثيرات على سوق الأسهم، إذ قد يؤدي إلى سوق أقوى؛ ذلك لأن الانخفاض يمكن أن يخلق حالة أكثر تفاؤلا لدى المستثمرين بشأن الاقتصاد، مما يدفعهم للاستثمار أكثر في الأسهم، بيد أن ذلك سيؤدي في الوقت ذاته إلى ضعف العملة في الدول المصدّرة للنفط، بسبب أن هذه الدول ستكون عائداتها أقل من النقد الأجنبي من صادرات النفط.

أسعار النفط تثير مخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي/ إنترنت + وكالات

في حين يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى “انخفاض التضخم، حيث يمكن أن يساعد انخفاض أسعار النفط في ذلك، مما يسهل على الناس تحمل تكاليف الضروريات الأساسية، وذلك في الوقت الذي يمكن أن تكون هناك تأثيرات على مستوى زيادة النشاط الاقتصادي، إذ يمكن أن يؤدي الانخفاض لأن يكون لدى الشركات والمستهلكين المزيد من الأموال لإنفاقها، مما يخلق فرص عمل ويعزز النمو الاقتصادي”.

بخصوص سيناريو الانهيار العالمي الذي يمكن أن تتسبب به أسعار النفط، لفت خبير الاقتصاد بيار خوري، إلى أنه يمكن تجنّبه من خلال تنويع الاقتصاد العالمي، بحيث يجب على البلدان تنويع اقتصاداتها وعدم الاعتماد بشكل مفرط على صادرات النفط، فذلك يمكن أن يساعد في حمايتهم من الآثار السلبية لتقلب أسعار النفط.

كذلك، وفق خوري، يجب الاستثمار في الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي يمكن أن تقلّل اعتماد البلدان على النفط وجعل اقتصاداتها أكثر مرونة في مواجهة صدمات أسعار النفط، فضلا عن تشجيع كفاءة الطاقة؛ إذ إن تشجيع تدابير كفاءة الطاقة مثل استخدام أجهزة ومركبات أكثر كفاءة يمكن أن يساعد في تقليل استهلاكها الإجمالي للطاقة وجعل اقتصاداتها أقل عرضة لصدمات أسعار النفط.

خوري اختتم حديثه لموقع “الحل نت”، بالإشارة إلى أن تأثير تغيرات أسعار النفط يمكن أن تختلف حسب الظروف الخاصة لكل دولة، فالبلدان المصدرة للنفط التي لديها وسائد مالية كبيرة قادرة على تحمل صدمات أسعار النفط بشكل أفضل من البلدان التي لا تملك ذلك، فضلا عن أن التأثيرات يمكن أن تختلف بمرور الوقت. فالآثار الإيجابية لانخفاض قد تكون أكثر وضوحا على المدى القصير، في حين أن الآثار السلبية قد تكون أكثر وضوحا على المدى الطويل.

أسعار النفط ترتبط بجملة من المؤشرات والمتغيرات، بما في ذلك اتجاهات السياسات المالية والنقدية في ظل سياسة التشديد النقدي المتّبعة من جانب البنوك المركزية، علاوة على معدلات النمو الاقتصادي.

يضاف إلى ذلك المخاوف المرتبطة بشبح الركود الذي يهدد عديدا من الاقتصادات الكبرى، بالإضافة إلى المؤشرات المتوقفة على الطلب الصيني في ظل تراجع النشاط الصناعي بشكل خاص، وغيرها من المعطيات التي تتحدد بناء عليها مستويات أسعار النفط.

قراءات في أسعار النفط

ذلك يأتي في وقت يُنظر فيه إلى منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” على أنها لاعب رئيسي لاستقرار الأسواق، حيث يعوّل عليها في إحداث التوازن المطلوب، وسط مجموعة التحديات الاقتصادية المتزامنة التي يشهدها العالم، لاسيما في ظل ارتفاع معدلات التضخم.

توقعات بانتعاش حركة الأسواق رغم انخفاض أسعار النفط/ إنترنت + وكالات

في السياق، تترقب الأسواق مجموعة من التطورات المؤثرة على مستويات الطلب على النفط، وبالتالي على مستويات الأسعار، وسط تقديرات متباينة صادرة من قبل بنوك الاستثمار العالمية بشأن تلك المستويات؛ فقد خفض “جيه بي مورغان تشيس”، منتصف حزيران/يونيو، توقعاته حيال أسعار خام برنت، بنسبة 11 بالمئة إلى 82 دولارا للبرميل، وذلك في تقديراته للأسعار خلال النصف الثاني من العام الجاري 2023.

بينما يناهز فيه سعر الخام المعياري الآن 75 دولارا للبرميل، خفض “HSBC” توقعاته لأسعار النفط أيضا، متوقعا وصول سعر خام برنت المعياري إلى 80 دولارا للبرميل في النصف الثاني من العام، انخفاضا من 93.50 دولار في السابق. كما خفض تقديراته طويلة الأجل إلى 75 دولارا للبرميل مقارنة بـ 85 دولارا من قبل.

أما “مورغان ستانلي”، والذي كانت تقديراته السابقة قبل قرار “أوبك بلس” الأخير، تشير إلى استقرار أسعار النفط عند مستوى 77.5 دولارا للبرميل في الربع الثالث من العام، فقد شكلت تقديراته أقل التوقعات بالنسبة لبنوك الاستثمار العالمية، في الوقت الذي يرى فيه أن الأسواق بحاجة لمزيد من الوقت حتى الوصول إلى المستوى الصعودي.

في غضون ذلك، تشير تقديرات “غولدمان ساكس”، إلى أن أحدث خفض للإنتاج من جانب “أوبك”، من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض مخزونات النفط، وبالتالي دفع الأسعار إلى نطاق 90 دولارا، طبقاً للرئيس العالمي لأبحاث السلع في “غولدمان ساكس”، جيفري كوري.

من جانبه “بنك أوف أميركا”، فقد خفض توقعاته عند حدود الـ 80 دولارا للبرميل بنهاية العام الجاري، مرجعا ذلك إلى عدد من العوامل؛ من بينها اقتراب “البنك الفيدرالي” الأميركي من إنهاء سياسة رفع الفائدة، وذلك في وقت تلفّ بالاقتصاد العالمي حالة من عدم اليقين، وسط مخاوف الركود المسيطرة على الأسواق، مع ضعف الطلب، وفي ضوء سياسات رفع الفائدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات