في ظل الصراع الدائر في السودان، برز دور غير متوقع لكتائب “الظل” الإسلامية كقوة ذات دور بارز في محاولة إنقاذ الجيش السوداني من ورطته العسكرية. حيث تتعاون هذه الكتائب مع الجيش في مواجهة قوات “الدعم السريع”، وتقدم الدعم العسكري اللازم للجيش للحفاظ على استقرار الوضع وتقليل الخسائر في صفوفه.

التقارير الصحفية لفتت إلى أن عناصر النظام السابق التي تشارك في صفوف الجيش تكبدت خسائر كبيرة في معارك أم درمان، حيث بلغت أعداد القتلى أكثر من مئة شخص، بما في ذلك القائد البارز الملقب بـ “أمير المجاهدين” عمار عبدالقادر إبراهيم محنن، وعشرة ضباط آخرين. ولكن ما هي العلاقة بين كتائب “الظل” وعودة “الإخوان المسلمين” إلى الساحة السودانية.

من هي كتائب “الظل” السودانية؟

قصة كتائب “الظل” السودانية تعود إلى كانون الأول/يناير 2020، عندما تناقلت وسائط الإعلام السودانية خلال أيام اندلاع الاحتجاجات ضد حكم الرئيس المعزول عمر البشير، تسجيلا صوتيا يعود لنائب الرئيس السابق، علي عثمان محمد طه، الذي يقبع حاليا في السجن. وفي ذلك التسجيل، هدد المحتجين بكتائب “الظل”، وهو اسم يُعنى بقوات غير نظامية وسرية تتكون من إسلاميين يتحدون تحت راية “الأمن الشعبي”.

عناصر من تنظيم "الأمن الشعبي" السوداني - إنترنت
عناصر من تنظيم “الأمن الشعبي” السوداني – إنترنت

هذا الاسم يعبّر عن قوات سرية مكونة من الإسلاميين، يعملون في الظلام والسرية، وكانوا يتجمعون تحت لافتة “الأمن الشعبي”. وشاركت هذه القوات بمختلف أشكالها وأسمائها في قمع المحتجين السلميين على مدى فترة حكم النظام السابق، وقد ارتكبت العديد من الانتهاكات الفظيعة باستخدام الأشخاص الملثمين والسيارات ذات الدفع الرباعي دون لوحات تعريفية.

برغم سقوط نظام البشير وحل قوات “الدفاع الشعبي” ونزع سلاحها، فإن هذه القوات لا تزال تشكل هاجسا كبيرا للأمن والاستقرار في البلاد، وقد تجمع عدد من منتسبيها في غرب البلاد أخيرا وهددوا بقتال الحكومة ما لم تعد لهم الاعتبار والامتيازات التي فقدوها.

الارتفاع الملحوظ في عدد الضحايا المنسوبين لكتائب “الظل”، التي تدافع عن نظام حزب “المؤتمر الوطني” المنحل، يشير إلى حجم مشاركتها في المعارك إلى جانب الجيش. ويتضح أن هناك تعاونا واسعا يجمع قيادة الجيش وتنظيمات مسلحة تنتمي إلى الحركة الإسلامية السودانية.

ما علاقتها بـ “الإخوان”؟

بعد اندلاع الثورة السودانية، تمكن الشعب السوداني من الكشف عن هذه الكتائب وممارساتها القمعية. وتعكس التسريبات الصوتية عن حجم الخطر الذي تمثله تلك القوات السرية والأذى الذي تسببوا فيه للشعب السوداني. حيث تجاوزت أعمالهم الإجرامية كل حدود الإنسانية ولم تُلتفت إليها السلطات السابقة، مما أثار قلقا عميقا بشأن استمرار هذه الجرائم بدون محاسبة.

عناصر "الأمن الشعبي" يحيطون برئيس السودان السابق عمر البشير - إنترنت
عناصر “الأمن الشعبي” يحيطون برئيس السودان السابق عمر البشير – إنترنت

العلاقة بين كتائب “الظل” و”الإخوان المسلمين” تعود إلى فترة الحكم السابق في السودان، حيث كانت تلك الكتائب تشكل الجناح العسكري للحركة الإسلامية وتعمل تحت قيادتها. وبعد الإطاحة بالنظام السابق، حظرت الحكومة السودانية الحركة الإسلامية وأغلقت مقراتها ومعسكراتها. ومع ذلك، استطاعت كتائب “الظل” الإسلامية البقاء والعمل في الخفاء، وتواصل نشاطها في سبيل تحقيق أهدافها الإسلامية.

لم تكن كتائب “الظل” هي القوة الوحيدة التي اعتمد عليها الإسلاميون في السودان لقمع المواطنين خلال فترة حكمهم التي استمرت لثلاثين عاما. بل هناك أيضًا “الأمن الطلابي”، وهو جهاز غير رسمي ينتمي إلى تنظيم “الإخوان” ويتم تسليحه وتمويله لقمع الاحتجاجات الطلابية بشكل رئيسي، ويشارك في قمع الاحتجاجات في البلاد عموما. وتُعزى إليه العديد من الجرائم المروعة مثل قتل الطلاب واعتقالهم، وفي بعض الأحيان سجنهم في معتقلات خاصة داخل الجامعات.

بالإضافة إلى ذلك، هناك قوات “الدفاع الشعبي” التي تُعتبر شبه رسمية، وهي قوات أنشأها الرئيس المعزول عمر البشير في بداية حكمه عام 1989 بموجب القانون، وتعتبر جزءا من القوات المسلحة السودانية، لكنها تحتفظ بصلة وثيقة بـ”الجبهة القومية الإسلامية”. وتأسست هذه القوات بشكل أساسي من الميليشيات الإسلامية، وتم دمج العديد من الميليشيات القَبلية في صفوفها. ويتجاوز عدد المجندين الفاعلين فيها 15 ألفا، بالإضافة إلى قوة احتياطية تقارب المئة ألف فرد، وتنتشر إلى جانب وحدات الجيش.

أيضا بالإضافة إلى القوات ذات الأسماء الرسمية المذكورة، شاركت كتائب أخرى في الحروب الأهلية التي خاضها نظام البشير، والتي أدت إلى انفصال جنوب السودان واندلاع الحرب في ثماني ولايات من إجمالي 18 ولاية في البلاد. ومن بين هذه الكتائب البارزة كتائب “الأهوال”، و”الأنفال”، و”الدبابين”، وغيرها.

مجموعات قتالية بشكل علني

الآن، تظهر كتائب “الظل” الإسلامية من جديد في الساحة السودانية لدعم الجيش ومساعدته في مواجهة قوات “الدعم السريع”. ويُعتقد أن لها علاقة قوية بـ “الإخوان المسلمين”، وأنها تعمل بالتنسيق معهم في محاولة لإعادتهم إلى الساحة السودانية بعد حظرهم.

تقود جماعة "الإخوان المسلمين" حملة إعلامية شاملة تحاول تصوير الخطوة بأنها حرب على الله ورسوله والمؤمنين - إنترنت
تقود جماعة “الإخوان المسلمين” حملة إعلامية شاملة تحاول تصوير الخطوة بأنها حرب على الله ورسوله والمؤمنين – إنترنت

رئيس “الحركة الإسلامية”، علي كرتي، أعرب علنا عن حزنه لوفاة محمد الفضل رئيس الفكر والتأصيل بالحركة، في السادس عشر من حزيران/يونيو الماضي، والذي سبق له الانضمام إلى تنظيم “داعش”.

صفحات جماعة “الإخوان” المعروفة في السودان بـ”الكيزان” شهدت تداول تعازٍ لعدد كبير من الكوادر والقياديين الإسلاميين، مع إشادة بإنجازاتهم وبطولاتهم في الحرب، مع السعي لتكبير دورهم وإضفاء طابع ديني قدسي عليهم، وكأنهم شهداء يدافعون عن العقيدة.

كما نعت ميليشيا “البراء بن مالك”، المتطرف حسين جمال، وأشارت إلى مشاركته في ساحات الجهاد والجامعات. وأيضا نعت صفحة حزب “المؤتمر الوطني” المنحل على “فيسبوك” المتشدد عمار عبد القادر، الملقب بـ”أمير الدبابين”، ووصفته بأنه من المحاربين القدامى الذين شاركوا في الحرب الأهلية في جنوب السودان.

أيضا صدرت نعوات لما سموا بـ “قادة المجاهدين” الذين ينتمون إلى الكتيبة الجهادية، ومن بينهم علي شيخ العرب والقيادي محمد عبد الله الطيب الذي ينتمي إلى كتيبة “البراء بن مالك” المتشددة.

العديد من التابعين لـ”الحركة” الإسلامية قُتلوا في الحرب، أبرزهم عمر أبو كلام وبابكر أبوحجيل، وعمر قاسم وأيمن عمر وحسن محمود الشهير بـ”أربكان”، وأحمد فتح الرحمن المعروف بـ”جاموس” ومحمد عبدالله، وصهيب مجدي وإدريس عبدالله، وحسن جابر ومحمد عثمان الشاعر وعمر العجب.

هل يعيد البرهان حكم “الإخوان” للواجهة؟

هذه الأنباء تسبب حرجا لدى قائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الذي نفى بشدة وجود أي علاقة بينه وبين ماتبقى من النظام السابق، وأنه لا يشارك في أي معركة نيابةً عنهم. في المقابل، تتمسك قوات “الدعم السريع” بالرواية الأولى التي تفيد بوجود تعاون بينهما، وأنهما ينويان تنفيذ انقلاب عسكري لمنع تسليم السلطة للحكومة المدنية وإعادة عودة كوادر الرئيس السابق عمر البشير للحكم.

الفريق أول عبدالفتاح البرهان قائد الجيش - إنترنت
الفريق أول عبدالفتاح البرهان قائد الجيش – إنترنت

البرهان قام بتنظيم الميليشيات بعد إعلانه تأسيس “النفرة الشعبية” كمصطلح بديل لميليشيات “الدفاع الشعبي” وكتائب “المجاهدين”، وقد تم تبنيهم من قِبَل الفلول بعد فشل الدعوة إلى الجهاد، ورفض العديد من السودانيين تحويلهم إلى وسيلة لعودة الفلول إلى السلطة.

بعد هروبه من سجن كوبر في منتصف نيسان/أبريل الماضي، أعرب القائد في “الحركة الإسلامية”، أحمد هارون، عن دعمه الكامل للمؤسسة العسكرية، ووصف النزاع الذي نشب بـ”حرب الكرامة”، وهو الاسم المعتمد في كتائب “المجاهدين”.

الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أحمد سلطان، أوضح أن الحركة الإسلامية في السودان، بمختلف تنوعاتها، أعلنت دعمها للجيش، بما في ذلك جماعة “الإخوان” المرتبطة بالتنظيم العالمي لـ “جماعة الإخوان المسلمين” بقيادة المراقب العام عادل عبدالله، والجماعة المحلية برئاسة مولانا سيف الدين أرباب، وحزب “المؤتمر الوطني” الذي كان يحكم في السابق.

خطورة إعلان كتائب “الظل”، التابعة للنظام السابق، مشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش تتزايد. فإعلانهم يكشف عن خطة مروِّعة كان الجنرال البرهان وزملاؤه يعتزمون تنفيذها لقطع الطريق على الحكم المدني والمحافظة على السودان رهينة للحركة الإسلامية وتياراتها المتطرفة.

من الواضح أن دور كتائب “الظل” الإسلامية في الصراع السوداني يشكل تحديا للحكومة السودانية الحالية، فقد يتسبب في تعقيد الوضع الأمني والعسكري وزعزعة استقرار البلاد. ومع استمرار الصراع والتوتر، يبقى مصير الجيش السوداني ودور كتائب “الظل” محط قلق ورهبة للشعب السوداني والمجتمع الدولي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات