الحديث عن الفشل الحكومي في التعامل مع الأزمة الاقتصادية في سوريا، تصاعدت حدته في الفترة الأخيرة، ورغم فشل مؤسسات الحكومة في تنفيذ وعودها المتعلقة بتحسين الواقع المعيشي في البلاد، إلا أن خبراء أكدوا في عديد المناسبات أن الفشل الاقتصادي في البلاد يتجاوز الحكومة التي يسعى البعض إلى جعلها “كبش فداء”.

في آذار/مارس من العام الجاري عندما كان الدكتور عمرو سالم وزيرا للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، كان الجميع يتحدث عن فشل الوزير في أداء عمل الوزارة، وعلى الرغم من فشل الوزارة الفعلي في تحقيق أيّا من أهدافها، لكن يبدو أن العلة لم تكن بالوزير، فبعد التغيير الذي حصل في الوزارة، زادت أوضاع الأسواق سوءا وارتفعت أسعار المواد الغذائية وزاد انتشار المواد المغشوشة.

في ظل استمرار الفشل الحكومي في التعامل مع الأزمات التي تعصف بالمواطن السوري، يبدو أن الوزير السابق عمرو سالم أراد توجيه رسالة إلى القيادة المركزية في دمشق، يؤكد فيها أن قرار إقالته ما كان إلا “إبرة مخدر” للسوريين، لتغطية عجز الحكومة وعدم وجود إمكانات لتقديم أي حلّ للسوريين.

سالم ينتقم؟

سالم حمّل مسؤولية استمرار انخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية والتضخم الكبير الذي رافقها، لادارة “بنك سوريا المركزي” بشكل رئيسي ووزارة المالية بدرجة أقل، مشيرا إلى أن قيمة العملة المحليّة يحددها الميزان بين الوارد إلى الخزينة بالقطع الأجنبي من التصدير والتحويلات الواردة بأشكالها وبين العملة الصعبة الخارجة لاستيراد المواد المختلفة ومستلزمات الانتاج.

الوزير السابق اعتبر أن “البنك المركزي”، فشل في استقطاب القطع الأجنبي من عمليات التصدير، أو من إيداعات المواطنين والمستثمرين بسبب تعقيدات إجراءاته وعدم السماح للمودعين بسحب وتحويل إيداعاتهم، وأضاف “المركزي خنق الاستيراد دون دراسة لحاجات السوق أو الإنتاج، وأضاف تكاليف عالية جدا على الاستيراد، الأمر الذي جعل الأسعار في بلدنا أعلى من دول الجوار وأخرج الصناعة من المنافسة في الأسواق الخارجية”.

الأزمة الاقتصادية ربما لم تخلقها وزارات الحكومة بشكل مباشر، لكن الجميع مؤخرا يتفق على أن القرارات الحكومية ساهمت في تعميق مختلف الأزمات التي مرت بها البلاد، وهنا لا يقصد الخبراء أن العلة في الأشخاص، بل إن السياسة الحكومية التي تضعها القيادة المركزية في دمشق وتكون عامل موجه لعمل الحكومية هي التي أفضت إلى انهيار الوضع المعيشي في البلاد.

قد يهمك: الكهرباء تزيد من معاناة السوريين.. كيلو “البوظة” بـ 70 ألف ليرة

كلمة رئيس الحكومة حسين عرنوس أمام البرلمان في جلسة يوم الاثنين الفائت “الاستثنائية”، كانت دليل على هذا النوع من التدخلات، وبدت الكلمة محاولة يائسة لتضخيم الجهد الحكومي المبذول، مقابل تضخيم الصعوبات التي تواجههم في ذلك، إذ حاول عرنوس التأكيد على أن المشكلات التي تواجهها الحكومة بمثابة معادلات مستحيلة الحل، حتى ولو تمت إقالة الحكومة عشر مرات.

جلسة البرلمان السوري “الاستثنائية” مع الحكومة لم تفلح في الخروج بأية رؤية لوضع حلول إسعافية، للأوضاع المعيشية المتدهورة التي وصل إليها السوريون، مع الانهيار المستمر لقيمة الليرة السورية، الذي تزامن مع ارتفاع نسبي غير مسبوق في أسعار مختلف السلع والخدمات لا سيما منذ بداية العام الجاري.

لا حلول في الأفق

بالتوازي مع هذا الفشل بالخروج بأية حلول، تصاعد الحديث عن احتمالية أن يكون هناك قرار من السلطة الرئاسية يقضي بإقالة جماعية أو جزئية لمجلس الوزراء، بحيث تكون الحكومة “كبش الفداء”، في محاولة لضرب “إبرة مخدر” تزامنا مع السياسات الحكومية الفاشلة في إدارة الأزمة الاقتصادية، وتدهور الأوضاع المعيشية في سوريا.

كل ذلك تزامن مع استمرار الحديث عن زيادة مرتقبة في الرواتب والأجور في سوريا، وبالتأكيد فإن هذه الزيادة لن تغني أو تسمن من جوع، في ظل إصرار الحكومة على تعميق جراح السوريين، خاصة بعد قرارها الصادر أمس الأحد بزيادة أسعار البنزين، الأمر الذي يعني بالضرورة زيادة في مختلف أسعار السلع والخدمات التي يدخل البنزين في تكاليف صناعتها أو نقلها.

الانهيار في قيمة متوسط أجر المواطن السوري، أصبح مؤخرا يهدد الأمن الغذائي في سوريا، كما أفضى انهيار القوة الشرائية لمتوسط الدخل في سوريا، إلى تلاشي الطبقة المتوسط، التي كانت تمثّل سابقا النسبة العظمى من السوريين.

منذ بداية العام الجاري واجه راتب الموظف السوري صعوبات كبيرة في مواجهة الحد الأدنى من تكاليف المعيشة السورية، فرغم أنه مع بداية العام كان لا يحقق الحد الأدنى من تكاليف الحصول على غذاء لأسرة مؤلفة من ثلاثة أفراد، إلا أنه واصل النزيف أمام ارتفاع أسعار السلع والخدمات في سوريا.

بحسب تقارير محلية، فإن التدهور الاقتصادي الذي تعيشه سوريا منذ سنوات، أدى إلى اختفاء نسبة كبيرة من السوريين ممن كانوا يصنّفون ضمن الطبقى الوسطى في البلاد، فأصبح السوريون مكونين من طبقتين الأولى غنية ومقتدرة ماليا، والثانية معدومة الدخل، باتت عاجزة عن تأمين تكاليف الحد الأدنى من المقومات المعيشية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة