يبدو أن ارتفاع الأسعار، الذي أصبح الشاغل الأكبر للسوريين في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى، ناتج ليس فقط عن تقلبات أسعار الصرف، ولكن أيضا بسبب إجراءات مؤسسات السلطات السورية. على قناة تطبيق “وين” في منصة “التلغرام”، ثمة خبران متناقضان عن “صالات السورية للتجارة” يفصل بينهما يومان فقط، والمضمون يتعلق بأكثر المواضيع حساسية لغالبية الأُسر السورية، وهي المواد الغذائية الأساسية.

في الخامس من آب/أغسطس الجاري، جاء الإعلان عن دورة جديدة بالمقنن تبدأ بداية الأسبوع القادم، وفيه قالت “صالات السورية للتجارة” إن هناك تعديلا للأسعار والكميات على بعض المواد الغذائية، وبعد نحو 48 ساعة فقط قال مديرها وتحت عنوان “تنويه” يقول فيه “لا يوجد دورة جديدة للمواد المقننة من السكر والأرز، ورفعت أسعارها أكثر من الأسعار المتداولة في الأسواق، وبالتالي ارتفعت الأسعار تلقائيا في المحال التجارية.

الحكومة تساهم برفع الأسعار

هذا التخبط في الإعلانات والقرارات الحكومية يؤدي إلى خلق حالة من الفوضى في الأسواق بدلا من استقرارها. ويبدو أن تحركات “صالات السورية للتجارة” خلال الأيام القليلة الماضية ساهمت بشكل كبير في تصاعد الأسعار، إضافة إلى أنها أصبحت ذريعة للمحلات لرفع الأسعار أكثر من سعر الصرف.

الخبر المؤرخ في 5 آب/أغسطس الجاري، جاء بعد أيام على رفع “السورية للتجارة” أواخر تموز/يوليو الفائت أسعار المواد الأساسية بنسبة 20 بالمئة، وذلك من سعر مبيعها الأساسي، وشملت السكر والأرز والزيت النباتي والسمنة والمعلبات من الطون والسردين، وفق تقرير لموقع “غلوبال نيوز” المحلي يوم أمس الإثنين.

على إثر الغلاء الكبير، قد لا يعلم القائمون على التسعير بأن الأُسر السورية شطبت المادتين الأخيرتين من قوائم مشترياتها منذ سنوات، كما شطبت بعدها السمنة، وقللت إلى الحد الأقرب لانعدام شراء الزيت النباتي، ليبقى شراء السكر والأرز محكوما بالواقع، حيث لا يمكن للأسرة الاستغناء عنهما كمادتين تدخلان في غذاء الأطفال بعد فقدان الأمل من الحليب ومشتقاته، بانتظار الإعلان عن بدء الدورة الجديدة بالمقنن، أي بسعر مدعوم في البطاقة الذكية.

في اليوم ذاته، جاء الإعلان عن دورة جديدة بالمقنن تبدأ بداية الأسبوع القادم، وفيه قالت “صالات السورية للتجارة” إن هناك تعديلا للأسعار والكميات على بعض المواد الغذائية، وأوضحت “سيتسلم المواطن برغل 10 كغ، سكر 1 كغ، رز 1 كغ، بالإضافة إلى وجود جميع المواد الغذائية بما فيها الزيت بالسعر الجديد المعدل 20 ألف لليتر الواحد”.

خلال الأيام الماضية وصل سعر كيلو السكر لأكثر من 14 ألف ليرة سورية، وسط انقطاعه في “صالات السورية للتجارة”، وهو ما أحدث حالة من التذمر بين السكان، إذ تفاجؤوا من هذه الزيادة المباغتة التي بدأت تظهر في الأسواق كل يوم.

أعلى من أسعار السوق

على الرغم من غموض الإعلان عن سعر السكر والأرز، وبحسن الظن أو بالمنطق يُفهم أن “صالات السورية للتجارة” عندما تعلن بدء دورة جديدة فإنها بالحد الأدنى قد وفّرت المواد في مخازن صالاتها، وبكميات تكفي نسبة معقولة من الأُسر، مع سلسلة توريدات تؤمن الباقي على مراحل محددة التوقيت، هكذا المفترض أن تكون عليه الحال.

إلا أن المؤسسة غيرت ما أعلنت عنه، وبعد يومين فقط وعلى لسان مديرها وتحت عنوان “تنويه” في قناة “وين” على تطبيق “تلغرام” يقول “لا يوجد دورة جديدة للمواد المقننة، معزّيا ذلك بأنه حصل تدخل إيجابي لبيع كيلو سكر بـ 12500 ليرة، وكيلو أرز بـ 13 ألف ليرة لكل عائلة عبر “البطاقة الذكية” كبيع مباشر، إلى جانب زيادة كيلو البرغل على المواد المقننة بسعر 3500 ليرة للكيلو الواحد.

مع التركيز على عبارة “تدخل إيجابي”، يُلاحظ أن سعر السكر اليوم 31 تموز/يوليو الماضي في السوق كان 11 ألف ليرة، أي أن سعر “صالات السورية للتجارة” جاء أعلى من سعر السوق بـ 1500 ليرة، وتسعيرها هذا تسبب برفع سعر المادة في الأسواق تباعا، ما يعني أن التدخل إيجابي لصالحها ولصالح التجار وليس لصالح المواطن، وسط تدني الرواتب والأجور.

كما أردف مدير مؤسسة “صالات السورية للتجارة” أنه لا يوجد موعد واضح لبدء دورة جديدة للمقنن حتى الآن، زاعما أن “السورية للتجارة” تقدمت بعدة مناقصات خارجية لاستجرار السكر والأرز، ولم تتم الموافقة بسبب القطع الأجنبي وعدة أسباب أخرى.

هذا ويشتكي العديد من المواطنين من انقطاع بعض السلع الغذائية فجأة في الأسواق وفي “صالات السورية للتجارة”، إلى جانب عدم استقرار الأسعار وكأن الجميع باتوا يسعّرون وفق سعر الصرف، حتى “السورية للتجارة” التي تُعتبر مؤسسة حكومية ولابد لها أن تبيع السلع للمواطنين بأسعار منخفضة، دون أن تنافس التجار في الأرباح.

ارتفاعات مرتقبة

في المقابل، ثمة تخوفات لدى المواطنين في سوريا من ارتفاع قريب في سعر الخبز، وخاصة بعد تصريحات بعض أعضاء مجلس الشعب السوري بأن الحكومة تسعى إلى إصدار قرارات جديدة تؤثر على الحياة اليومية للمواطنين. وتتعلق هذه القرارات المرتقبة برفع الدعم عن المحروقات وتحرير أسعاره، وإقرار زيادة جديدة على أسعار الخبز.

بعد أيام قليلة من انتهاء جلسة مجلس الشعب السوري “الاستثنائية” بمشاركة أعضاء الحكومة، بدأت بشائر هذه الجلسة التي أفضت إلى تشكيل “لجنة مشتركة” بين المجلس والحكومة، بهدف إعداد حزمة متكاملة من المقترحات للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي، وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف، وتحسين الأوضاع المعيشية للعاملين في الدولة، على أن تُقدّم هذه اللجنة مقترحاتها لمناقشتها وإقرارها.

الحكومة أطلقت سلسلة من القرارات بعد هذه الجلسة، تتعلق بمزيد من رفع لأسعار السلع والخدمات في سوريا، أبرزها قرار وزارة “التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، رفع سعر البنزين إلى 10 آلاف ليرة سورية، حيث تم رفع السعر بمقدار 1400 ليرة، الأمر الذي سيكون له انعكاسات على مختلف السلع والخدمات في البلاد.

بالتالي فإن هذه الارتفاعات جاءت في وقت تقول فيه الحكومة، إنها تعمل على تحسين الواقع المعيشي، لكن أفعال الحكومة لا تتوافق أبدا مع أقوالها، إذ إن جميع القرارات الحكومية الصادرة مؤخرا ساهمت في زيادة معاناة السوريين في التعامل مع الأزمة الاقتصادية.

بعد تدهور الليرة وبعض القرارات الحكومية حول رفع أسعار حوامل الطاقة، فإن الأسعار باتت تتغير بشكل شبه ساعية، فالسلعة التي تكلّف 5 آلاف، بعد ساعة واحدة فقط، تصبح أكثر من السعر المذكور، بالإضافة إلى أن أصحاب المحلات يخفون بعض البضائع حتى ترتفع الأسعار أكثر خلال الأيام المقبِلة، ثم يظهرونها مرة أخرى على الرفوف ولكن بأسعار جديدة ومرتفعة، إلى جانب عدم تقيد أصحاب المطاعم الشعبية والمقاهي بالتسعيرة الحكومية.

خبراء في الاقتصاد السوري أكدوا أن أي حديث عن جلسات استثنائية أو حتى تغيير في الحكومة، لن يكون مجديا لتحسين الواقع المعيشي في سوريا، فالحكومة حتى ولو أرادت، فإنها لا تملك أية أدوات لتحسين الواقع الاقتصادي.

منذ أشهر كان البعض يتحدث عن أن الراتب الحكومي لا يكفي لتغطية مصاريف عائلة لمدة أسبوع واحد، واليوم ومع الارتفاعات الجديدة في أسعار الصرف وأسعار السلع والمواد الغذائية، فإن الراتب الحكومي في سوريا فَقَد المزيد من قدرته الشرائية في الأسواق، والأسوأ أنه ليس ثمة أي حلول تلوح في الأفق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات