بالتزامن مع زيادة الرواتب بنسبة 100 بالمئة، أصدرت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” السورية قرارا برفع أسعار المشتقات النفطية، ما يعني أن أسعار كل شيء سترتفع خلال اليومين المقبلين، نظرا لتأثير تسعير الوقود على جميع مفاصل الحياة الاقتصادية.

هذه المرة الثانية التي ترفع فيها الحكومة السورية سعر البنزين خلال أقل من شهر، ففي نهاية شهر تموزيوليو الماضي سعّرت البنزين “أوكتان 95” بـ 1400 ليرة سورية للتر الواحد، إضافة إلى رفع سعر مادة المازوت أيضا. خلال السنوات القليلة الماضية عمدت الحكومة السورية إلى رفع أسعار المحروقات من حين لآخر، بحجة الأسعار العالمية للمواد، بينما ترفع قيمة الرواتب مرة واحدة فقط كل عدة سنوات.

في الواقع هذه العملية تشكّل فجوة واسعة بين مستوى الأجور والواقع المعيشي ولا تعود على الشعب السوري بأية فائدة، أي أن المستفيد من هذه العملية كلها هي الحكومة السورية، فهي ترفع الرواتب من جيوب المواطنين، أي رفع أسعار حوامل الطاقة.

ارتفاع أسعار المحروقات

في السياق، أقرت حكومة دمشق تعديلات على أسعار كل من المازوت والبنزين والفيول والغاز السائل، قبل إصدار الرئيس السوري بشار الأسد، مرسوما تشريعيا بساعات، يقضي بزيادة الرواتب والأجور للعاملين في القطاع العام بنسبة 100 بالمئة.

بموجب القرارات التي أصدرتها “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” السورية، أصبح سعر مادة المازوت للمخابز التموينية الخاصة 700 ليرة سورية للتر الواحد، في حين أصبح سعر المازوت المدعوم للمستهلك 2000 ليرة سورية للتر الواحد.

في حين أصبح سعر بيع مادة المازوت الصناعي المقدّم لكلٍّ من الزراعة خارج المخصصات المدعومة والصناعات الزراعية والمشافي الخاصة ومعامل الأدوية 8000 ليرة سورية للتر الواحد، حسبما نقلته صحيفة “تشرين” المحلية يوم أمس الثلاثاء.

أما مادة البنزين، فأصبح سعر “أوكتان 90” المدعوم 8000 ليرة سورية للتر الواحد، في حين تم تحديد سعر البنزين “أوكتان 95” 13500 ليرة سورية للتر الواحد، بعد أن كان سابقا بـ 10000 ليرة للتر الواحد.

أسعار المشتقات النفطية للقطاع الصناعي والقطاعات الأخرى حُدّدت وفق التالي، المازوت الحر بسعر 11550 ليرة سورية للتر الواحد، والفيول بسعر 7887500 ليرة للطن الواحد، والغاز السائل “دوكما” بسعر 9372500 ليرة للطن الواحد.

هذا وسبق أن رفعت الحكومة السورية، سعر لتر المازوت للفعاليات الاقتصادية المباع من قبل شركة “محروقات” إلى 3000 ليرة، في حين حددت سعر لتر المازوت المباع من قبل شركات القطاع الخاص بسعر 5400 ليرة.

بينما رفعت سعر البنزين “أوكتان 95” بمقدار 1400 ليرة سورية للتر الواحد، أواخر الشهر الماضي، بحيث أصبح سعر مبيع ليتر البنزين بـ 10 آلاف ليرة سورية بدلا من 8600  ليرة.

انتقادات ساخرة

بعد هذه الارتفاعات، ثمة أزمة مواصلات حادة تشهدها العاصمة دمشق بسبب توقف معظم أصحاب “السرافيس” عن العمل بانتظار زيادة تعرفة الركوب عقب رفع أسعار المحروقات، حيث أن سعر لتر المازوت المدعوم ارتفع من 700 إلى 2000 ليرة، ما يقارب 3 أضعاف، وفق موقع “صاحبة الجلالة” المحلي اليوم الأربعاء.

قبل حوالي نصف ساعة، رفعت لجنة تحديد الأسعار في محافظة دمشق تعرفة الركوب لوسائط النقل العامة “باصات النقل الداخلي العامة والخاصة، السرافيس”، بمبلغ ألف ليرة للراكب الواحد.

المتابعون علقوا على هذا الخبر بالقول “بيتي بشرقي ركن الدين وعلى الشارع العام ومن الصبح لهلأ ما في حركة نهائيا.. يا ترى عم يدرسوا أبعاد هالقرارات وتأثيرها على حياة المواطن المعتر قبل مايصدروها. هلق بيصير السرفيس بـ 1000 و بيلتعن أبو زيادة الرواتب قبل ما نقبضا حتى”.

إزاء ذلك، قال محافظ دمشق محمد طارق كريشاتي لصحيفة “الوطن” المحلية اليوم الأربعاء، أنه تم توجيه المكتب التنفيذي بحساب نسبة الزيادة على الفور بعد قرار المحروقات ليُصار إلى إصدار تعرفة “السرافيس” اليوم، مشيرا إلى استنفار المكتب التنفيذي لضبط أي فوضى حاصلة مع مراقبة واقع الأسواق والقيام بالجولات المطلوبة.

جميع القرارات والتصريحات الحكومية متخبطة ويبدو أنها تحاول أن تتجاهل ما سيحدث بعد رفع أسعار المشتقات النفطية، وهو ما أكده المتابعون على منصة “فيسبوك”، فكتبوا “المفروض هيك حساب يكون جاهز قبل صدور القرار مع التنسيق مع الجهة مصدرة القرار.. يالطيف باين من الفوضى الموجودة الضبط حسب القرارات الاعتباطية التي لا تمت صله بالواقع المعيشي للناس”.

كما وانتقد أحدهم الحكومة بشدة، نتيجة حالة الازدحام الكبيرة التي جرت اليوم في دمشق، فضلا عن تساؤله عن مدى فائدة رفع الرواتب إذا الحكومة رفعت أسعار المحروقات،

وأضاف “لك أي استنفار وأي فوضى لك على مستوى تنسيق مع بعض الإدارة ما في، كل القرارات يلي بتاخدوها غلط بخلط طيب شفتو المنظر صباح اليوم البشر على بعضها البعض لك عيب ما في قرار صائب ألكون لحد لأن كلو شلف بشلف يا بتظبوط يا أما العكس السير من البشر يتسائلون شو الفائدة من زيادة الرواتب الوضع هوي هوي لا راح ولا أجا ذاد طين بله كلو قرارات فردي بفردي”.

بينما قال آخر “تأمين الزيادة تمت من جيوبنا وعلى أي أساس بتعملوها نسبية يفضل لو زدتوا 200 ألف عالراتب مشان العدل مو اكتر هيك ناس زادت راتبها 100 ألف وناس اكتر من 200 ألف يعني قراراته شغل ساعتها بدون تخطيط”.

كما وأشارت إذاعة “شام إف إم” المحلية اليوم الأربعاء إلى وجود حالة من التخبط والفوضى بتسعير المواد الغذائية والخضار في مختلف الأسواق الرئيسية في دمشق بعد قرارات رفع أسعار المحروقات من قبل الحكومة السورية.

في سياق متّصل، أكدت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” عدم وجود أي تعديل على سعر ربطة الخبز، وهو ما أثار موجة انتقادات واسعة على السوشيال ميديا، حيث كتب أحدهم ” كتر الله خيركن، مفضلين علينا كتير، حاسين حالنا بسويسرا.. يافرحتنا وشو عن باقي المواد، بكرى بنقصو عدد الخبزات، والمعتمد ما بيروح يجيب خبز بسيارة عالبنزين وغلي ضعف ونص يعني أكيد راح يغلي لحتى توفي معو”.

قرارات حكومية “فاشلة”

في وقت سابق حذر خبير اقتصادي في دمشق من ارتفاع سريع في معدلات التضخم، على إثر قيام الحكومة برفع أسعار حوامل الطاقة من المشتقات النفطية وغيرها. كما وقال أحد أعضاء مجلس الشعب السوري مؤخرا، إنه عادة ما يتم اللجوء إما لرفع أسعار حوامل الطاقة، أو لرفع الضريبة في حال عدم وجود مصدر مالي لتغذية أي زيادة على الرواتب والأجور، وفي هذه الحالة، وخاصة عندما يتم رفع أسعار المشتقات النفطية حتى وإن كانت زيادة الأجور بنسبة 100 بالمئة فإنها لن تكون مجدية، أو ذات نفع بالنسبة للمواطنين، بمعنى آخر وكأن الزيادة لم تكن، لأنه سيجري إنفاقها كثمن للمواد التي رُفعت أسعارها،.

يبدو أن هذا ما يحدث حاليا، وهذا التكتيك ليس غريبا عن الحكومة السورية، فهي لطالما قامت برفع أسعار المشتقات النفطية وفي المقابل تقوم أحيانا برفع قيمة الرواتب بنسب قليلة، والسؤال الأبرز في هذه المعادلة، هو هل سيتمكن الموظفون من الاستفادة من الزيادة، ومنع السوق والأسعار من التهام هذه الزيادات في الرواتب.

بطبيعة الحال إجابة هذا السؤال، هو أن الأسعار بحالة ارتفاع دائم حتى مع زيادة الرواتب، وبالتالي فإن أي زيادة لا تلامس سقف ثلاثة ملايين ليرة فهي عاجزة عن تحسين المستوى المعيشي للمواطن السوري.

في الحقيقة مشكلة تدهور الوضع المعيشي في سوريا، تتجاوز مشكلة مقدار ما يحصل عليه الموظف الحكومي أو غيره من السوريين العاملين حتى في القطاع الخاص، فمع قيام حكومة دمشق برفع الرواتب، فإن هذه الزيادة لا قيمة لها، نظرا لأن زيادة مماثلة تتبعها في أسعار السلع والخدمات، نتيجة ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، فضلا عن تدهور الليرة السورية يوما بعد الآخر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات