حالة غريبة تحدث في الأسواق السورية منذ سنين، وهي أن هناك ارتفاع غير منطقي في الأسعار بسوريا مقارنة بدول الجوار وبعض الدول الأخرى، حيث إن أسعار العديد من السلع، وخاصة المواد الغذائية الأساسية، هي الأغلى في سوريا مقارنة بلبنان أو الأردن أو العراق.

لكن الملفت والمؤسف في نفس الوقت في هذه المفارقة هو أنه حتى المنتجات السورية في الدول المجاورة تُباع بأسعار أقل مما هي عليه في دمشق. ونشر أحد الناشطين الإعلاميين في لبنان مقطعا ترويجيا عبر منصات التواصل الاجتماعي لمعرض “صُنع في سوريا” المقام في لبنان، وتبين أن أسعار المنتجات السورية أقل من تلك التي تُباع في سوريا.

المنتجات السورية

في هذا السياق، نشرت الناشطة الإعلامية بتول عبد الله، مقطع فيديو من داخل معرض “صنع في سوريا” الذي يُقام في الضاحية الجنوبية لبيروت ويستمر حتى 3 أيلول/سبتمبر المقبل.

خلال جولة للناشطة داخل المعرض عبر المقطع المنشور، يتبين أن سعر علبة “المتة نوعية “خارطة” السورية من وزن 250 غرام يصل إلى 100 ألف ليرة لبنانية، أي حوالي دولار واحد فقط ومع هدية معها، فيما يصل السعر في بعض المناطق السورية إلى 17 ألف ليرة أي أكثر من دولار ببضعة آلاف.

كما أن علبة المربى بوزن 2 كيلو غرام سجّلت 200 ألف ليرة لبنانية أي نحو دولارين. وهو السعر ذاته لعرض خاص على أكياس الشيبس. فيما تراوحت أسعار علب الشوكولا والبسكويت بين 70 و 100 ألف ليرة لبنانية. وهذه المنتجات تُباع في سوريا بأسعار أعلى من المعروضة هناك.

في حين كان لافتا سعر كيلو الرز البسمتي الذي وصل إلى 130 ألف ليرة لبنانية أي أقل من دولار ونصف، بينما يقترب سعره في الأسواق السورية من 40 ألف ليرة سورية، أي نحو 3 دولارات أي ضعف الرقم، وفق ما نقله موقع “سناك سوري” المحلي، يوم أمس الثلاثاء.

الألبسة أيضا كانت حاضرة في المعرض. حيث بلغ سعر القميص الداخلي الرجالي 100 ألف ليرة لبنانية. وهو السعر ذاته للطقم الولادي الصيفي. فيما بلغ سعر العباءة النسائية نحو 15 دولارا. وفي أحد المحال المشاركة في المعرض يقول البائع للمذيعة أن سعر بنطال الجينز من النوع الأول يبلغ نحو 12 دولار، مؤكدا أنهم يقدمون أسعارا أرخص مما هي عليه في سوريا، وفق حديثه.

بالتالي فإن أسعار المنتجات السورية في لبنان تُباع بسعر أرخص من الأسواق السورية وهذا أمرٌ مؤسف ودليلٌ على مستوى الفساد والفوضى الموجودة في أسواق دمشق، وبما أن المواطن السوري يبحث عن الأرخص في ظل ظروفه الاقتصادية الصعبة، فما عليه فعله هو اللحاق ببضائع ومنتجات بلاده في الخارج.

الأسعار أغلى مرتين من دول الجوار

عند رفع تسعيرة سلعة ما، دائما ما تكون مبررات الحكومة السورية نفسها، والتي تتمحور حول تدهور الليرة السورية أمام النقد الأجنبي إلى جانب حقيقة أنها أزمات ومشاكل اقتصادية عالمية، وليست مقتصرة على دمشق فقط، بالإضافة إلى اتهام التجار بالجشع والاستغلال.

مقارنة بالدول الأخرى، لا سيما مع دول الجوار مثل لبنان والأردن والعراق، ثمة ارتفاع غير منطقي في أسعار العديد من السلع بسوريا مقارنة بتلك الدول.

كما جاء ذلك في العديد من التقارير المحلية وعلى لسان مسؤولين حكوميين بدمشق الذين أقرّوا في تصريحات صحفية سابقة، بأن الأسعار في سوريا مقارنة مع الدول العربية هي الأغلى، وأن الفروق تزيد عن النصف. وفي الواقع، هذا أمرٌ مثير للاستغراب ويدعو للتساؤل.

في وقت سابق اعتبرت “جمعية حماية المستهلك السورية” أن أسعار المواد في الدول المجاورة أرخص من الأسواق السورية. وهذا يعود لوجود السوق السوداء الموازية لمؤسسات “السورية للتجارة”، والاحتكار الموجود وخاصة المواد الاستراتيجية من سكر وزيت وأرز.

نائب رئيس “جمعية حماية المستهلك” في دمشق وريفها ماهر الأزعط، قال إن أسعار المواد في الأسواق السورية أعلى من دول الجوار، مضيفا لصحيفة “الوطن” المحلية خلال العام الماضي، أن “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” لم يكن لها الدور المؤثر والمهم في تأمين كل المواد في العام الحالي وخصوصا الأساسية منها مثل السكر والزيت، مؤكدا أن السوق السوداء والاحتكار لا يزالان موجودين ولم يتم ضبطهما.

كما وأشار الأزعط، إلى أن أسعار المواد في الدول المجاورة أرخص من أسعارها في الأسواق المحلية. مرجعا السبب في الارتفاع إلى عدم قيام “المؤسسة السورية للتجارة” بدورها بالتدخل الإيجابي. مضيفا أن الأسعار في “صالات السورية” تعتبر مرتفعة أو موازية لأسعار السوق ولم نرَ انخفاضا بأسعارها عن السوق بنسبة 10 أو 20 بالمئة كما صرّح القائمون عليها.

في وقت سابق، وعندما تم مقارنة أسعار الفروج والأرز والزيت من قبل العديد من الصحف والمواقع المحلية، بين سوريا ولبنان والأردن والعراق، تبيّن أن أسعار هذه السلع كلها أقل في هذه البلدان مما هي عليه في سوريا.

أسباب هذا التفاوت

الخبراء يقولون إن هذا الأمر نتيجة طبيعية لعدم فتح الحكومة باب الاستيراد لمن يرغب وخصوصا المواد الأساسية والضرورية، ونسبة كبيرة من المواد المتوفرة في السوق أغلى من دول الجوار، وبدون فتح باب الاستيراد أمام جميع التجار وعدم حصرها بأشخاص محددين، التابعين بشكل غير مباشر لمسؤولين كبار بالحكومة، لن يتراجع هذا الفارق الموجود بين سوريا والدول المجاورة.

هذا بالإضافة إلى ضعف الإنتاج المحلي الذي لا يغطي حاجة السوق، ومن ثم اللجوء إلى الاستيراد، وهذا ما يتسبب برفع تسعيرة المنتج، فضلا عن أن تكاليف النقل المرتفعة جدا بسوريا مقارنة بالدول المجاورة التي لا تعاني من أزمة محروقات مثل سوريا، فضلا عن ضعف استقطاب التجار والمستثمرين، نظرا لعدم توافر البيئة الملائمة لهم.

بينما في الدول المجاورة فهناك إنتاج محلي للعديد من السلع الأساسية كافٍ لحاجة مواطنيها، ويتوفر فيها المحروقات والكهرباء والخدمات العامة ككل، والتي من شأنها دعم وتعزيز المشاريع الزراعية والحيوانية المحلية بشكل كبير، بينما في سوريا فدعم الإنتاج المحلي لا يكاد يكون معدوما.

بدوره، ألقى عضو مجلس إدارة “غرفة تجارة دمشق” ياسر أكريم، باللوم على الحكومة السورية في اختلاقها للأزمات وارتفاع للأسعار.

بدوره، ألقى عضو مجلس إدارة “غرفة تجارة دمشق” ياسر أكريم، باللوم على الحكومة السورية في اختلاقها للأزمات وارتفاع للأسعار، حيث قال في وقت سابق، إن قرارات عدم السماح باستيراد بعض السلع بما فيها مادة الزيت النباتي لكل من يرغب من التجار وحصرها بأشخاص محددين أمرٌ سلبي جدا، منوّها إلى أنه من المفترض أن يكون التدخل إيجابي من “المؤسسة السورية للتجارة” وليس العكس.

إضافة إلى ذلك، يجب على المؤسسات الاستهلاكية الحكومية تخفيف الأعباء عن أكتاف المواطنين وليس تعميق الفجوة أكثر، ودليل على ذلك، قول أكريم، حيث قال “من غير المنطقي لها أن تأخذ دور ومكانة التجار وأن تقوم بكل أعمالها كما تفعل اليوم”.

هذا الحديث يبيّن ويعزز الفرضية القائلة بأن المؤسسات الحكومية شريكة مع التجار في استغلال ظروف وأوضاع المواطنين، من حيث ارتفاع الأسعار، لدرجة أنها أصبحت أغلى من الدول المجاورة.

يبدو أن حكومة دمشق، غير قادرة على تنفيذ وعودها المتعلقة بتأمين المواد الأساسية بأسعار مدعومة، حيث فشلت “وزارة التموين السورية”، في ضبط أسعار السلع والمواد الغذائية في الأسواق، وذلك تزامنا مع الارتفاع المستمر بأسعار المواد النفطية، والتكاليف التشغيلية على المنتجين، فضلا عن الانخفاض المستمر لقيمة العملة المحلية، واستمرار استغلال وتلاعب التجار بالسلع من كل حدبٍ وصوب، وهو ما سيحمل معه آثارا سلبية جمّة على الوضع المعيشي خلال الفترة المقبِلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات