في الوقت الذي عجزت فيه الحكومات العراقية المتعاقبة منذ العام 2004 عن توفير أبسط الاحتياجات الأساسية للمواطن، وبينما فشلت في إيجاد حلٍّ لمشكلات مثل سدّ حاجة البلاد من المشتقات النفطية، أعلن “مجلس الوزراء”، أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، يفكر في استثمار الطاقة النووية، الأمر الذي استقبله الكثيرون باستهجان، واعتبره آخرون محاولة لكسب ود الشارع.

فالحكومة العراقية تبحث إنشاء مفاعل نووي محدود لاستخدامه في إنتاج الكهرباء، في خطوة تهدف إلى تأمين إمدادات الطاقة الكهربائية على المدى البعيد، بحسب بيان صادر عن “مجلس الوزراء”، أمس الأربعاء، وأشار إلى أن المجلس ناقش إمكانية استثمار الطاقة الكهرونووية في توليد الطاقة الكهربائية على المستوى الوطني، والشروع بإنشاء مفاعل نووي محدود للأغراض السلمية وإنتاج الطاقة الكهربائية النظيفة.

هدف العراق من إنشاء المفاعل النووي، وفق البيان، هو “تقليل الاعتماد على الموارد الأخرى للطاقة مثل الغاز والنفط، حيث تعمل البلاد على تعزيز إنتاجها من النفط بهدف تقليص استيراده من الخارج”، وذلك في الوقت الذي فشلت فيه جميع محاولات تأمين الغاز الذي يمتلك العراق نسب كافية وزائدة عن حاجته منه.

تعويض فشل استثمار الغاز بالمفاعل النووي؟

ذلك يأتي بينما يعاني العراق من نقص كبير في توفير إمدادات الكهرباء خاصة في شهور الصيف، حيث يزيد الاستهلاك مع ارتفاع درجات الحرارة، وتسعى الحكومة لزيادة الإمدادات عبر اتفاقيات ربط كهربائي مع دول “مجلس التعاون الخليجي”، ودول عربية أخرى.

فالعراق يستورد الكهرباء والغاز من إيران بما يتراوح بين ثلث و40 بالمئة من احتياجاته من الطاقة، وهو أمرٌ بالغ الأهمية خاصة في أشهر الصيف عندما تصل درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، ويبلغ استهلاك الطاقة ذروته، غير أن بغداد تواجه صعوبة في سداد ثمن تلك الواردات بسبب العقوبات الأميركية التي تسمح لإيران فقط بالحصول على الأموال لشراء السلع غير الخاضعة للعقوبات مثل الغذاء والدواء.

إذ لم يتمكن العراق من التحول بشكل حقيقي إلى استثمار ما يملكه من غاز، إلى جانب استثمار الغاز المصاحب للعمليات النفطية، بل استمرار البلاد في الاعتماد على الاستيراد في الوقت الذي تحرق بغداد مليارات الدولارات كان من السهل جدا استغلالها، فالعراق لايزال مستمرا في حرق الغاز المصاحب دون استثماره، وذلك بما يمثّله من ضرر اقتصادي وبيئي وصحي.

فاستمرار العراق لحرق الغاز المصاحب وضعه ثانيا بعد روسيا عالميا للسنة الرابعة على التوالي بين أعلى الدول إحراقا للغاز الطبيعي، حيث تشير بيانات “البنك الدولي” إلى أنه أُحرق عام 2016 ما مجموعه 17.73 مليار متر مكعب من الغاز، ثم ارتفع ذلك عام 2019 ليصل إلى 17.91 مليار متر مكعب.

الأمر الذي جعل من طرح موضوع المفاعل النووي محلّ شكّ وانتقاد، لاسيما وأن بيانات “وكالة الطاقة الدولية”، كانت قد أشارت إلى أن كمية الغاز التي يحرقها العراق يوميا تكفي لإمداد ما لا يقل عن 3 ملايين منزل بالطاقة الكهربائية، التي عجزت حكومات ما بعد عام 2003 عن معالجة مشاكلها حتى الآن.

تحديات عملية ومبالغة كلامية

حول ذلك، يقول رئيس لجنة الطاقة في “مجلس محافظة بغداد” سابقا، صادق الزاملي، إن المشروع المطروح من قبل الحكومة العراقية أمرٌ ليس سهل، لذا فإن الحديث عن هكذا مشروع لا يتجاوز حدوده الكلامية، ذلك لأن إنشاء مفاعل نووي، يصطدم بكثير من العقبات، أولها أن بعض الدول ممنوعة من امتلاك هكذا مشاريع، لاسيما في الشرق الأوسط.

العراق يبحث إنشاء مفاعل نووي/ إنترنت + وكالات

الزاملي، أشار في حديث مع موقع “الحل نت”، إلى أن هناك دولا مستقرة ومتمكنة ماليا واقتصاديا، تسعى للحصول على هكذا مشاريع نووية، لكن حتى الآن هي ممنوعة من تحقيق ذلك، وتحتاج إلى توافقات ومساعدات كبيرة، حتى تتمكن من إنجاز المشروع، وعلى سبيل المثال السعودية، التي تحاول امتلاك هكذا مفاعل، غير أنها لم تتمكن من الحصول عليه حتى الآن.

لذا أن في العراق، الذي لا تزال تنظر له الدول الأخرى بأن الوضع فيه حتى الآن لا يمكن اعتباره مستقرا تماما لما يؤهله لهكذا مشروع، بالإضافة إلى ذلك، فإن العراق ورغم امتلاكه وفرة كبيرة من النفط، إلا أنه لا يزال يواجه تحديات عديدة على مستوى الطاقة الكهربائية الكلاسيكية، وهي الاعتماد على الوقود سواء الغاز أو النفط الأسود. فعلى مستوى هكذا مشاريع وأن العراق بلدٌ نفطي إلا أنه لم يستطع أن يوفر الطاقة الكهربائية من خلالها، لذلك يبدو من المبالغة الحديث عن مشروع نووي في الوقت الحالي.

رئيس لجنة الطاقة في “مجلس محافظة بغداد” السابق، لفت إلى أن المشروع حبرٌ على ورق، وأن كل التحديات والمصاعب التي تطرقنا لها ولم نتطرق لها، ستكون ماثلة أمام تحقيقه، وهو ما يؤكد أن المشروع عبارة عن أحاديث لا يمكن أن ترى النور، وحتى في حال كانت هناك نيّة وتوجه حقيقي لمثل هذا المشروع، فإنه سيصطدم بالواقع الموجود عالميا.

هذه الخطوة العراقية تجاه إنشاء مفاعل نووي، تأتي في ظل إقبالٍ من بعض الدول العربية على إنشاء محطات نووية من أجل إنتاج الكهرباء، حيث تسعى السعودية لبناء أول محطة نووية، فيما بدأت مصر تشييد محطة الضبعة النووية التي تقوم شركة “روساتوم” الروسية بإنشائها. كما أن الإمارات تمتلك محطة “براكة”، حيث إنها أول دولة عربية تشيد محطة نووية وبدأت بالفعل إنتاج الكهرباء منها.

مساعي العراق النووية، بدأت تظهر منذ العام 2020، حيث أعلنت “الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة”، آنذاك تشكيل لجنة بأمر ديواني للبدء ببناء مفاعلات نووية للأغراض البحثية، مؤكدة وجود رغبة دولية لمساعدة العراق في استرجاع مكانته النووية، فبناء المفاعلات سيُسهم في إنتاج النظائر الطبية، والعدد الصيدلانية.

العراق والحاجة النووية الماسة

بالإضافة إلى تطوير مختلف التطبيقات الزراعية والصناعية، كتشعيع البذور والمكافحة البيولوجية للحشرات، فضلا عن إنتاج النظائر المشعّة في مختلف التطبيقات الصناعية، وفي تطبيقات الفحوص الائتلافية، إذ توجد 20 مادة نووية، يمكن أن ينتجها هذا النوع من المفاعلات، لذلك أن العراق بحاجة لهذه المشاريع النووية.

مفاعل “تموز” العراقي الذي دمرته إسرائيل/ إنترنت + وكالات

فعليا، إن حاجة العراق للمفاعلات النووية تنطلق من أنه في مطلع عام 2030 سيتم حرق ما يقرب من نصف المنتج النفطي العراقي لإنتاج الكهرباء، حينما يصل معدل الطلب إلى 42 غيغا واط من الطاقة الكهربائية، وهو ما يتطلب وجود بدائل يمكن أن تخفف من الاعتماد على النفط، وتحافظ عليه كثروة وطنية تدعم اقتصاد الدولية.

يشار إلى أنه، في وقت سابق كان رئيس “الهيئة العراقية للسيطرة على المصادر المشعة”، كمال حسين لطيف، قد أعلن في سياق مواجهة هذه التحديات، أن العراق يخطط لبناء 8 مفاعلات ذرية قادرة على إنتاج حوالي 11 غيغاوات من الكهرباء، وتساعد بشكل كبير في خفض الانبعاثات، في حين تم تحديد 20 موقعا محتملا للمفاعلات.

هذا ويمتلك العراق حاليا قدرات توليد بنحو 22 غيغا واط من الكهرباء، بما في ذلك 1.2 غيغا واط المستوردة من إيران، ولكن هذا أقل بكثير من الطلب الافتراضي الذي يبلغ 28 غيغا واط تقريبا في ظل الظروف العادية، وبحسب وزارة الكهرباء، فإن ذروة الاستخدام خلال الأشهر الحارة في تموز/يوليو وآب/أغسطس تتجاوز 30 غيغا واط، وذلك قبل أن يصل الطلب إلى 42 غيغا واط بحلول عام 2030.

الجدير بالذكر، أن العراق كان قد أطلق مشروعه النووي عام 1976، بالتعاون مع شركة فرنسية، إلا أن الطيران الإسرائيلي قصف المفاعل عام 1981 ودمره بشكل كامل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات