ضمن مسعى واحد على ما يبدو، تحاول إيران جاهدة بشتى الطرق إعادة تشبيك علاقاتها مع محيطها الإقليمي علاوة عن الدولي مقابل أي ثمن، فمنذ أن تسلّم إبراهيم رئيسي رئاسة البلاد عام 2021، أعلن بشكل واضح رغبة بلاده بالانفتاح على العالم ضمن خطة خفض التصعيد التي تحاول طهران من خلالها فك العزلة الدولية التي فرضتها عليها العقوبات الدولية، لينطلق قطار تطبيع العلاقات من السعودية، ولا يبدو واضحا بعد إذا ما سيصل مصر بسلامة أم لا.

فبعد استئناف العلاقات ما بين الرياض وطهران في أذار/مارس الماضي، لم تنتظر إيران كثيرا للتعبير عن رغبتها أكثر من مرة بشكل علني، عن إعادة علاقتها المنقطعة منذ عقود مع مصر، بعد أن كانت قد عملت فعليا بشكل خفي على ذلك العام الماضي، بوساطة عراقية لم تنجح، وفي ضوء هذه الجهود أعلنت “جمعية خدمات السفر والسياحة الإيرانية للطيران” مؤخرا توقيع مذكرة تفاهم مع نشطاء السياحة في مصر لتسهيل سفر الإيرانيين إلى هذا البلد عبر العراق.

إذ سيكون السفر إلى مصر وجميع وجهاتها، بموجب هذه المذكرة، ممكنا للإيرانيين، وفق ما أعلنه رئيس” جمعية خدمات السفر والسياحة الإيرانية للطيران”، حرمة الله رفيعي، وبيّن أن ذلك جاء بعد أن كان السفر ممكنا فقط إلى شرم الشيخ، قبل أن يشمل الأهرامات الثلاثة والزينبية والقاهرة والإسكندرية وغيرها، ولن تكون شرم الشيخ فقط من بين خيارات السفر، بل ستكون وجهات أخرى متاحة للإيرانيين أيضا.

السياحة باب إيران لإعادة العلاقات الدبلوماسية؟

اللافت في الموضوع، هو الإصرار الإيراني وراء تنظيم هذه الرحلات لمواطنيها إلى مصر، رغم أنها لن تكون مباشرة من طهران إلى القاهرة، فمذكّرة التفاهم الموقّعة بين الجانبين، تقرر أن تقوم رحلات الخطوط الجوية العراقية أو أي شركة طيران أخرى بنقل السائحين الإيرانيين أولا إلى بغداد، ومن ثم عبر الخطوط الجوية المصرية إلى شرم الشيخ، وفق ما تحدّث به أمين “اتحاد مكاتب خدمات السفر في خراسان الرضوية” فرهاد دوائي.

وجود العراق وسط هذا الاتفاق يرجع إلى دور بغداد الأساسي في إعادة العلاقات بين مصر وإيران، فمنذ أن رعت المفاوضات الاستكشافية الأولى بين الرياض وطهران، كانت بموازاة ذلك مفاوضات غير معلنة حول إمكانية إعادة تطبيع العلاقات بين إيران ومصر، قادها رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي، مستندة بذلك على ازدهار العلاقات العراقية المصرية التي تشهد ازدهارا منذ العام 2020.

العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران انقطعت عام 1980، أي بعد عام واحد من نهاية حكم شاه إيران، محمد رضا بهلوي، ووصول آية الله خميني بحكم جمهوري ديني لطهران خلفا للمَلكية، عقب “الثورة الإسلامية” التي اندلعت عام 1979، وكانت طهران هي من بدأت بقطع العلاقة مع القاهرة، بأمر من المرشد الأعلى آنذاك، بسبب توقيع مصر معاهدة “كامب ديفيد” للسلام مع إسرائيل أولا، وبسبب استقبالها للشاه بعد نهاية حكمه، ثم دفنه في القاهرة بعد وفاته.

بناء على ذلك، رفضت إيران طيلة تلك السنوات الانفتاح على مصر، قبل تغيير موقفها عام 2022، عندما تحدث الإعلام العراقي الرسمي لأول مرة، عن وساطة عراقية من أجل إعادة العلاقات بين طهران والقاهرة، مشيرا إلى أن 4 عقود من القطيعة طويلة جدا، ولا يجب استمرارها على هذا النحو، قبل أن يعقب ذلك تصريحات إيرانية رسمية ترحب بعودة العلاقات، أخرها ترحيب المرشد الأعلى علي خامنئي، خلال استقباله سلطان عمان هيثم بن طارق، في أيار/مايو الماضي.

أهداف إيران من الرحلات السياحية إلى مصر

الرغبة الإيرانية بمدّ حبال الوصل مع مصر، دفعت بالحديث عن ما ورائها، حيث قال الخبير في الشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن، إن ذلك جزءٌ من مسار إعادة العلاقات الإيرانية مع مصر، والتي تحمل هدفين. الأول، أن إيران تدرك تماما حجم مصر ودورها في الساحة العربية، إذ تمثل قطب أساسي في العالم العربي.

مصر تستعد لاستقبال السياح الإيرانيين منذ الشهر القادم/ إنترنت + وكالات

بالتالي، فإن أيّة علاقة تحاول إيران إقامتها مع الدول العربية، يجب أن تُبارك مصريا، وخلافا لذلك فإن المشروع الإيراني أو المصالح الإيرانية مع الدول العربية ستكون هشة، وهو ما يتطلب إرضاء القاهرة من خلال إعادة العلاقات معها، كما أوضح عبد الرحمن في حديثه لموقع “الحل نت”، وبيّن أن الجانب الأول من ذلك هو من أجل الدول العربية التي ترغب إيران بالانفتاح عليها.

إذ تسعى إيران من خلال هذا الانفتاح بشكل عام تخفيف عزلتها الدولية، وإيجاد نافذة اقتصادية يمكن أن تساعدها في دفع عجلة النظام الاقتصادي الإيراني المنهار بفعل العقوبات، ولذلك تنخرط إيران في جهود واسعة من أجل إتمام هذا المشروع من خلال إعادة العلاقات مع مصر، التي تمثّل حلقة وصل مؤثّرة، حيث سيساعد ذلك إيران في إيجاد فضاء للتبادل والتعاون الاقتصادي، كما سيُسهم من جانب آخر في دعم النظام الإيراني، ويمنحه ورقة ضغط ذات بُعد إقليمي ودولي من جهة أخرى.

ورقة الضغط السياسة التي تمثل الهدف الثاني من إعادة العلاقات مع مصر؛ والتي تسعى إيران لامتلاكها، تتمثل بحسب عبد الرحمن، بالتواجد الإيراني في مصر والرسالة التي يمكن أن تبعثها لإسرائيل، فالأخيرة استطاعت تطويق إيران بدءا من الخليج العربي وإلى بحر العرب، وحتى البحر العماني، وكذلك من خلال التواجد ضمن الاسطول الأميركي الخامس، وفي الإمارات المجاورة لإيران، وكذلك في البحرين، فضلا عن التواجد والعلاقات المتينة مع أذربيجان الشمالية، بالتالي تريد طهران أن تعكس هذه المعادلة والتواجد قرب الحدود الإسرائيلية من خلال تطبيع العلاقات مع مصر.

الخبير في الشأن الإيراني، لفت إلى أن إعادة العلاقات الإيرانية مع مصر، لن تكون مجانيا، ما لم تدفع طهران ثمن ذلك، إذ لن تسمح القاهرة بعودة العلاقات من دون ثمن، وكذلك الدول العربية لن تسمح بذلك، موضحا أن تركيا عندما أرادت تطبيع علاقتها مع الدول العربية مثل مصر والسعودية والإمارات لجأت لتقديم تنازلات في العديد من الملفات، لذا أنه في حال أرادت إيران إعادة علاقتها مع مصر فعليها التنازل في العديد من الملفات، منها تدخلاتها في العديد من الدول العربية.

آلية السياحة الإيرانية المصرية

مبدئيا، سيكون بوسع السائحين الإيرانيين، وفق دوائي، الإقامة في مصر مدة أقصاها 7 أيام، بينما لا تزال هناك المزيد من المشاورات الإيرانية مع وزارة السياحة المصرية، في حين يجري العمل على تنظيم هذه الرحلات بشكل أكثر تنظيما، حيث من المحتمل أن يسافر نشطاء السياحة المصريون إلى إيران للتوصل إلى تفاهم بشأن الأسعار وإعداد باقة السفر.

عودة السياحة بين مصر وإيران/ إنترنت + وكالات

كما أنه في بداية الأمر، لن يتم إصدار تأشيرات المطار للسياح الإيرانيين، بحسب رئيس “جمعية خدمات السفر والسياحة الإيرانية للطيران”، رغم أنه قد ورد في المذكرة أن الجانب المصري مُلزم بإصدار تأشيرات للسياح الإيرانيين، الذين سيكون بإمكانهم السفر إلى مصر منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

في مقابل، ذلك، ومن خلال هذا التبادل، تقرّر أيضا أن يسافر السائحون من مصر إلى إيران لزيارة مشهد وشيراز وشمال البلاد وغيرها لمشاهدة المعالم السياحية والزيارة الدينية، وفق ما تحدّث به أمين “اتحاد مكاتب خدمات السفر في خراسان الرضوية” قبل أسبوع، عندما أوضح تفاصيل التفاهم بين إيران ومصر لتبادل السياح.

الجدير بالذكر، أن اتفاق تنظيم الرحلات السياحية الإيرانية التي علّقتها مصر عام 2013 بعد أن سمحت بها لفترة وجيزة، يأتي ضمن محاولات طهران لكسر الجمود مع القاهرة، وأملا في تجاوز الخلافات العالقة، بما يساعد في استئناف العلاقات الدبلوماسية وخلق محيط اقتصادي وسياسي يخفف الضغط عن نظامها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات