كما يبدو الأمر، أن زيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، إلى نيويورك للمشاركة باجتماعات الجمعية العمومية لـ “الأمم المتحدة”، لم تحقق الأهداف التي حملها معه في رحلته التي بقيت منتظرة منذ أكثر من 10 أشهر على تسلّمه المنصب، فخلافا لما جرت العادة عليه، ظلت حكومة بغداد تنتظر دعوة لزيارة الولايات المتحدة، مما أثار جدل واسع حول عدم رغبة الإدارة الأميركية في استقبال رئيس الحكومة العراقية، بدعوى قربها من طهران.

فبينما استمر الحديث طيلة الفترة الماضية عن عدم توجه السوداني لزيارة الولايات المتحدة الأميركية، على عكس سابقيه، حيث جرى الأمر كلما تسلّم رئيسا جديدا رئاسة الحكومة العراقية أن يتوجه لزيارة “البيت الأبيض”؛ أخيرا تلقى السوداني دعوة لحضور اجتماعات “الجمعية العمومية” في نيويورك، وعلى أساسها زار الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، وسط آمال مؤيده بأن تمثل هذه الزيارة انعطاف في العلاقات يتوج بلقاء الرئيس الأميركي جو بايدن.

رغم أن الهدف ليس اللقاء ببايدن بقدر ماهو محاولة لتحقيق اختراق في العلاقات مع واشنطن، التي يؤكد معارضو السوداني، بأنها غير راضية عن أداء حكومته، خاصةً فيما يتعلق بالملف المالي والاقتصادي، حيث تسعى الإدارة الأميركية لتجفيف منابع تمويل طهران، التي يشكل العراق واحدا من أهمها، بحسب تقارير.

السوادني يلتقي الجميع إلا الرئيس الأميركي

السوداني كان قد وصل نيويورك ليبدأ سلسلة لقاءات مع مسؤولين أميركيين وزعماء وقادة ورؤساء الدول، بجانب وسائل إعلام أجنبية، حاملا على رأس أجنداته قضية اضطراب أسعار صرف الدولار مقابل الدينار العراقي، إذ غادر بغداد الاثنين الماضي، بينما يواصل الدينار العراقي خسارة المزيد من قيمته أمام الدولار الأميركي في السوق الموازي ليصل الدولار الواحد إلى 1600 دينار عراقي، رغم تسعير “البنك المركزي” الدولار الواحد بـ 1320 دينار، أي بفارق نحو 30 نقطة.

لكن بالرغم من ذلك، وبينما وصف ربيع نادر مدير مكتب السوداني الإعلامي، جولة نيويورك بالناجحة، على كل الصُّعد والمستويات، إلا أن الواضح في الأمر أن رئيس الحكومة العراقية لم يتمكن من لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، رغم إشارة نادر إلى أن السوداني يستعد للتوجه إلى واشنطن في موعد يُحدّد لاحقا، بناء على دعوة من الرئيس الأميركي، حيث بدأت وزارتا خارجية البلدين تعملان على ترتيب اللقاء بحسب تصريحات صحفية أدلى بها السوداني خلال مقابلة أجراها مع الـ “سي إن إن”.

بيد أن ذلك فسره مراقبون انعكاسا لمدى قناعة الإدارة الأميركية بأداء الحكومة العراقية التي تبنّى تشكيلها تحالف “الإطار التنسيقي” الشيعي، الذي يضم جميع القوى السياسية الشيعية المقربة من إيران، باستثناء “التيار الصدري”، الأمر الذي جعل دعوة السوداني لزيارة واشنطن من دون تحديد موعد معين؛ تبدو كما لو أنها منحة فرصة لتحسين الأداء، لاسيما فيما يخص مكافحة تهريب الدولار؛ كخطوة ما قبل دعم واشنطن للملفات التي تتطلع بغداد لدعمها، ما يعني عمليا عدم نجاعة أو نجاح جولة نيويورك.

تعليقا على ذلك، قال الخبير السياسي محمد نعناع، إنه في واقع الحال السوداني لم يكن مطالب بالنجاح في زيارة نيويورك، كغيره من زعماء العالم الذين حضروا اجتماعات الجمعية العامة لـ “الأمم المتحدة”، ذلك لأن الزيارة في الأصل وفي جدول أعمالها، تقتصر على إلقاء الكلمات، في حين أن اللقاءات التي تجري تكون على هامش القمة، لكن مع ذلك هي لقاءات هامة جدا، وتُقاس بنوعية القادة والزعماء الذين يتم لقائهم.

غير أن الفشل تجسّد في عدم التّمكن من استقطاب الرأي العام الدولي. نعناع يضيف في حديث مع موقع “الحل نت”، إذ لم يتمكن السوداني من استقطاب زيارات ولقاءات واتفاقات مهمة ضمن خطوات وإجراءات واضحة، فحتى دعوة الرئيس الأميركي للسوداني لزيارة واشنطن لم تكن واضحة، مبينا أن ما يعكس فشل الزيارة بشكل أكبر، هو عدم الاهتمام به، ولا حتى بكلمته ولا بلقاءاته، إذ لم يتم الاهتمام به حتى على مستوى المحاور والمحاضر البحثية على العكس مما تروّج له وسائل الإعلام العراقي.

معايير واشنطن بالتعامل مع بغداد

بالتالي، وفقا للمقاييس التي تم على أساسها تقييم نجاح الزيارة، فإن السوداني لم يكن ذات اهتمام في أي من أنشطته في نيويورك، كما يؤكد نعناع، ويشير إلى أنه في السابق لما كان رؤساء وزراء سابقين يحضرون ذات الاجتماع، يلتقون الرؤساء الأميركيين، مما يعني أنه ليس هنالك نية للرئيس الأميركي جو بايدن للقاء السوداني حاليا، على عكس الذين سبقوه.

رئيس الحكومة العراقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة/ إنترنت + وكالات

نعناع، أشار إلى أن عدم الرغبة الأميركية بلقاء السوداني يعود لسببين، الأول، أن الولايات المتحدة الأميركية تريد من الحكومة العراقية أن تكون لها علاقات مع بغداد ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وهذا ما لا يستطيع السوداني فعله، ذلك لأن هناك أطراف داخلية تمتلك تأثير على سلطة السوداني داخل تحالف “الإطار التنسيقي” تعارض تطبيق اتفاقية الإطار الاستراتيجي، حيث لا يمكن للسوداني المضي في هذه الاتفاقية، بالتالي لا يوجد سبب للقاء السوادني، وهو ما يعني أن استقبال السوداني سيأخذ وقت طويل.

أما السبب الثاني، بحسب الخبير السياسي، هو أن العلاقات الأميركية الإيرانية الآن تشهد حالة اتفاق نسبي، ما يعني أنه لا يحتاجون الدور العراقي، ليس كما في السابق هناك وساطة عراقية بينهما، بمعنى أن دور السوداني لا يشبه رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، الذي كان يلعب دور الوسيط بين الطرفين، لذلك في حال حاجتهم لدور العراق، سيكون للسوداني شأن آخر.

علاوة على ذلك، فإن العلاقة بين العراق وأميركا حاليا متذبذبة وتشوبها الكثير من الإشكالات النقدية والحدودية، بالإضافة إلى مشكلات داخلية، وهذه الأسباب كلها تحول في أن يكون للسوداني دورٌ فعّال مع الولايات المتحدة الأميركية.  

الولايات المتحدة الأميركية تتعامل مع العراق على أساس بنود ومضامين “الاتفاقية الإطارية”، إذ تريد تنظيم هذه العلاقة في الحدود القانونية والدستورية، لاسيما وأن الحكومة العراقية الحالية يبدو لديها رغبة كبيرة جدا لإقامة علاقات متميزة مع أميركا، وبما أن هذه الاتفاقية كانت متوقفة خلال الفترة الماضية، تسعى واشنطن لاستغلال رغبة بغداد التقارب معها إلى إنعاش الاتفاقية في الوقت الراهن.

مضامين الاتفاق الاستراتيجي بين الحكومة العراقية وواشنطن

“الاتفاق الإطاري”، أو ما تسمى أو “الاتفاقية الاستراتيجية”، هو اتفاق تعود جذوره للعام 2008، حينما توصلت إليه بغداد وواشنطن، وكانت أخر مستجداته في العام 2021، عندما اتفق الطرفان على انسحاب جميع القوات الأميركية المقاتلة من العراق بحلول نهاية ذات العام، بعد 4 جولات حوارية خاضها الطرفان، تتعلق بقضايا الأمن وتعزيز السلام والاستقرار والاقتصاد والبيئة.

واشنطن تريد تنضيم علاقاتها مع بغداد ضمن الاتفاق الإطاري/ إنترنت + وكالات

 “الاتفاقية الاستراتيجية”، في نسختها الأولى التي وقّعت قبل نحو 15 عاما، تنصّ على انسحاب القوات الأميركية المقاتلة من المدن والقرى والقصبات بتاريخ لا يتعدى منتصف 2009، على أن تنسحب جميع القوات الأميركية بتاريخ لا يتعدى نهاية عام 2011، وتحلّ محلّها القوات العراقية.

الاتفاقية تأسّست على أن يقرّ الطرفان العراقي والأميركي، بأهمية تعزيز أمنهما المشترك والمساهمة في السلم والاستقرار الدوليين ومحاربة الإرهاب في العراق، والتعاون في مجالات الأمن والدفاع لردع العدوان والتهديدات الموجهة ضد سيادة وأمن ووحدة أراضي العراق ونظامه الديمقراطي الاتحادي الدستوري.

أيضا الاتفاقية التي تضمنت 30 مادة، أكدت على أن مثل هذا التعاون بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، مبني على أساس الاحترام الكامل لسيادة كل منهما وفق أهداف ومبادئ ميثاق “الأمم المتحدة”، ورغبة كلّ منهما في التوصل إلى تفاهم مشترك يعزز التعاون بينهما، دون تجاوز سيادة العراق على أرضه ومياهه وأجوائه، وبناء على كونهما دولتين مستقلتين متكافئتين ذوات سيادة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات