لطالما كانت فاكهة الموز حلما يراود عددا كبيرا من السوريين في الداخل، أي عندما كان سعر الكيلوغرام الواحد يقارب 40 ليرة سورية قبل الحرب، لم يكن بمقدور العائلات السورية شرائها، وكانت حاضرة فقط في احتفالات رأس السنة، أما اليوم ومع تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع سعرها إلى نحو 80 ألف ليرة، فإن هذه الفاكهة التي كانت حلما للمواطنين، سيظل كذلك ومقتصرا على الطبقة الغنية.

اللافت أن أسعار كافة الفواكه، وخاصة الحمضيات، تبدأ بأرقام مرتفعة. على سبيل المثال، “صالات التجارة السورية” في محافظة طرطوس، بدأت بتسويق الحمضيات بدأ بسعر 2000 ليرة للكيلو الواحد، رغم أن الحمضيات كان من المفترض أن تكون رخيصة الثمن في هذه المحافظة الساحلية بسبب شهرتها بزراعتها، وهكذا تصبح الفواكه من المنسيات لنسبة كبيرة من السوريين.

كيلو الموز بـ 80 ألف!

يبدو من أسعار الأسواق أن “حدوتة”  الموز والحمضيات هذا العام لن تختلف عن السنوات السابقة، ومضت معها مواسم من الحمضيات افترشت الأراضي لإطعام المواشي وكانت ضيفا ثقيلا على الموائد في الوقت ذاته، في حين كان الموز المستورد يتصدّر السيارات الجوّالة وصالات التدخل الإيجابي ورفوف البقاليات، وفق تقرير لصحيفة “البعث” المحلية يوم أمس الإثنين.

إذ بدأ السيناريو هذا العام ككل عام بتواجد خجول للموز المهرّب بحسب التجار وبأسعار بدأت بـ 50 ألفا للكيلوغرام، ووصلت لـ 80 ألفا في محال أخرى،، ليُحدث تواجده بهذا السعر، وفي هذا الوقت، ضجة من قبل المواطنين الذين يعانون من تأمين أبسط مقومات العيش.

إلى جانب ذلك بدأت صفحات التواصل الاجتماعي تُنبئ باستعداد الجهات المعنية بعد حين، وفي فترة طرح الحمضيات في الأسواق المحلية، باستيراد كميات من الموز تغطي حاجة السوق المحلي وبأسعار تتنافس مع أسعار الحمضيات لترجّح في النهاية كفة الموز على الحمضيات كونه مرغوبا للأطفال بشكل أكبر، في حين تبقى معضلة الحمضيات عصيّة عن الحل من قبل الفريق الزراعي المختص.

بينما يؤكد فلاحو الساحل تخوّفهم من تكرار خطوة استيراد الموز هذا العام لاسيما وأن العواقب التي نتجت عن هذه الخطوة كانت كبيرة ودُفعت الخسائر من جيوبهم، في حين يقول تجار سوق الهال، إن وجود الموز المهرّب بأنواع عديدة في السوق المحلي وارتفاع سعره يعود لقلة وجوده وفوضى الأسعار في الأسواق بشكل عام.

تضارب في تصريحات المسؤولين

المدهش في هذا الأمر ورغم وجود الموز المهرّب في الأسواق وعلى مرأى الجميع، إلا أن المسؤول الإعلامي في سوق الهال، أسامة زيد نفى في حديثه للصحيفة المحلية وجود الموز المهرّب في السوق السورية، مشيرا إلى أن جميع الأنواع الموجودة في الفترة الحالية هي من منطقة طرطوس إلا أن الكميات المطروحة والمنتجة قليلة بالتالي يرتفع سعرها.

زيد زعم أن سعر أفضل الأنواع من الموز لا يتعدى الـ 30 ألف ليرة في سوق الهال، في حين يتم تسعيره في البقاليات والمحال التجارية على المزاج.

من جانب آخر، أكد عبد الرحمن قرنفلة، المستشار الفني في غرفة الزراعة، أن أغلب أصناف الموز الموجودة في السوق حاليا مصدرها التهريب، فالموز المزروع في طرطوس ليس الصنف الوحيد الموجود في السوق، رغم أن المناخ في منطقة الساحل مناسب جدا للتوسع بهذه الزراعة.

اللافت أن قرنفلة استغرب من حالة الاستياء التي تسود بين المواطنين من ارتفاع سعره حاليا في الوقت الذي لا تعتبر هذه الفاكهة من المواد الغذائية الضرورية باستثناء بعض المرضى الذين تستلزم حالاتهم وجود الموز بغذائهم.

بمعنى أن المسؤول الحكومي يريد القول بأنه على المواطن السوري شراء الحاجات الضرورية فقط والابتعاد عن كل ما هو “مرفّه”، أي أن الفواكه والخضار بالنسبة للحكومة السورية من “الكماليات”.

تقرير لموقع “غلوبال نيوز” نُشر يوم أمس الإثنين، يؤكد فيه أن الإقبال على شراء الموز في الحدود الدنيا بسبب ارتفاع سعره، حيث سجل 35 ألف ليرة للكيلو الواحد للموز البلدي، ليصبح شراؤه حكرا على طبقة معينة. وعلى أثر ذلك سخر نسبة كبيرة من رواد التواصل الاجتماعي من أسعار الموز في الأسواق، فكتب البعض “هو الواحد إذا اشترى كيلو الموز بروح بيدفع أكتر من نصف راتبه.. نحن محرومين من الموز من صغرنا ويبدو رح نضل محرومين منها”.

نسبة كبيرة من السوريين لم يعُد بمقدورهم شراء الفواكه، خاصة تلك التي تُعتبر غالية السعر بالنسبة لهم، مثل الموز والتفاح، في حين امتنعت نسبة كبيرة من العائلات السورية عن شراء الفواكه بشكل عام، وخاصة الموز الذي يُعتبر من الفواكه الغالية في سوريا، ولذلك يبدو أن هذه الفاكهة ستبقى بعيدة عن موائد السوريين طالما الواقع المعيشي في تدهور مستمر.

من جانب آخر، بدأ فرع “السورية للتجارة” بطرطوس تسويق الحمضيات نوع “حامض ماير وفرنسي” بسعر 2000 ليرة للكيلو لصالح فرع ريف دمشق. وأكد رئيس دائرة التسويق بالفرع الدكتور نزيه حسن، لصحيفة “تشرين” المحلية مؤخرا، أن الفرع اتخذ كل التحضيرات لتسويق الحمضيات، والذي بدأ اليوم بنضج الحامض، حيث يتم تسويقه من الحقل مباشرة مع تأمين الصناديق والنقل والسعر مناسب ومنصف للمزارعين.

ماذا عن الفواكه الاستوائية؟

في المقابل، تشهد الأسواق السورية إقبالا مفاجئا على الفواكه الاستوائية وذلك على الرغم من الارتفاع الكبير في أسعارها، فهناك فئة يدفعها الفضول لتجربة هذه الفواكه عَبر شرائها بالحبة، وأخرى هي الطبقة الغنية التي تستهلكها بشكل دوري.

خلال السنوات الماضية، كان هناك إقبال على زراعة هذا النوع من الفواكه، وذلك بسبب العائد الجيدة التي تعود بها على المزارع، مقارنة بزراعة الخضار والفواكه المحلية، إذ إن ارتفاع تكاليف الزراعة، جعلت من المزارع غالبا الطرف الخاسر، في ظل غياب الدعم الحكومي لعمليات الإنتاج.

تقرير لموقع “بي تو بي” المحلي، أكد مؤخرا أن الفواكه الاستوائية أصبحت منتشرة بشكل واسع في الأسواق السورية، ومعظم زبائنها من الطبقة الغنية، حيث أن متوسط سعرها يصل إلى 150 ألف ليرة سورية للكيلو الواحد، وتتوفر في معظم متاجر بيع الخضار والفواكه.

من بين هذه الفواكه وأشهرها “الأفوكادو” الذي يتراوح سعره بين 20 إلى 35 ألف ليرة سورية حسب الصنف والجودة، في حين يبلغ سعر كيلو الكيوي 35 ألف ليرة بدمشق، أما المانجا فسعرها يتدرج للكيلو الواحد بين 35 إلى 50 ألف، وحبة الدراغون فروت الواحدة تتراوح بين 10 إلى 15 ألف والكيلو بـ 150 ألف.

بحسب تقرير الموقع المحلي، فإن فضول التجربة يدفع معظم السوريين إلى تجربة بعض الأنواع التي تُعتبر جديدة على الأسواق السورية، لذلك فإن المتاجر تبيع العديد من الأصناف بـ”الحبة”، ويشتريها الأهالي بدافع التجربة فقط، حيث أن استهلاكها يُعتبر مكلف جدا مقارنة بالأصناف المحلية.

مؤخرا سجلت مناطق الساحل السوري، إقبالا واسعا على زراعة الفواكه الاستوائية، حيث تُعد أسعارها مرتفعة، بسبب صفتها الاستوائية، وأيضا لأجور النقل الكبيرة بين الساحل ودمشق، حيث ازدادت أجور النقل 100 بالمئة بعد رفع أسعار المحروقات.

الخضار والفواكه كانت من بين المواد الأكثر تأثّرا بالانهيار الاقتصادي خلال الأسابيع الماضية، وذلك نتيجة تأثّرها بارتفاع المحروقات، خاصة وأن الخضار والفواكه تتعرض للنقل كثيرا من مكان إلى آخر، ما يعني أن المواد النفطية مساهمة بتكاليفها بشكل رئيسي.

في العموم، فإن زيادة الرواتب والأجور كانت بمثابة قنبلة فجّرت أسعار السلع والخدمات خلال الأسابيع القليلة الماضية، إذ إن الزيادة بنسبة مئة بالمئة على الرواتب، كانت انعكاساتها مضاعفة على الأسواق، حيث شهدت معظم السلع ارتفاعا وصل إلى 200 و300 بالمئة، فضلا عن القرارات الحكومية الخاصة برفع الدعم عن بعض المواد الأساسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات