من الواضح أن الحكومة السورية أصبحت غير قادرة على توفير أهم مقومات الحياة اليومية في البلاد، وخاصة الخدمات الأساسية، مثل المشتقات النفطية والكهرباء والمياه. ولذلك، تُصدِر بين الحين والآخر قرارات فوضوية تؤثّر سلباً على جيوب المواطنين، لكن في الوقت ذاته تكون في صالح رفد خزينتها والحيلولة دون إفلاسها بشكل كامل، فبينما تدفع رواتب موظفيها بالليرة السورية، تسعّر المحروقات حسب سعر الصرف.

يبدو أن حكومة دمشق ارتأت أن إصدار تسعيرة كل 6 أشهر للمشتقات النفطية سيخلق حالة من الغضب في الشارع، على اعتبار أن العجلة الاقتصادية برمّتها مرتبطة بأسعار الوقود، ولذلك قررت اليوم إصدار قرار يفيد بإصدار تسعيرة كل أسبوعين، وذلك بهدف عدم إحداث صدمة في الأسواق وامتصاص موجات الغضب المتوقعة منها، وبالتالي تجنّب وضع نفسها في مأزق، كما هو الحال في الوقت الراهن، نتيجة استمرار الاحتجاجات الشعبية جنوب سوريا، في محافظة السويداء.

تسعيرة المحروقات

نحو ذلك، أصدرت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” نشرة أسعار جديدة للمشتقات النفطية، من المازوت الحر، والفيول الحر، وغاز سائل “دوغما”، والبنزين “أوكتان 95″، الموزّع على القطاع الصناعي الخاص وبقية القطاعات الأخرى الخاصة بناءً على التكاليف الحالية.

الوزارة أوضحت في نشرتها أن سعر البنزين “أوكتان 95” سيصبح 14360 ليرة سورية بدلا من 14660 ليرة لليتر الواحد، والمازوت الحر بـ 13290 بدلا من 13000 ليرة لليتر الواحد، الفيول بـ 8994400 للطن الواحد، الغاز السائل “دوغما” 11007800 ليرة للطن الواحد.

مدير مديرية الأسعار في “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك” إسماعيل المصري، قال في تصريح لصحيفة “الوطن” المحلية اليوم الثلاثاء، إن الوزارة ستقوم كل أسبوعين بإصدار نشرة أسعار جديدة للمشتقات النفطية الخاصة بالقطاعات الصناعية والقطاعات الأخرى، ويتم إصدار هذه النشرة بناءً على واقع الأسعار.

هذا وتفاعل المتابعون مع القرار الجديد، فانتقدوه واعتبروه مجرد حبر على ورق، فالأسعار ترتفع ولا يوجد انخفاض إذا انخفضت أسعار المشتقات النفطية، وأكدوا أن جميع التجار والبائعين يتذرعون بأنهم يشترون البضائع في أوقات الذروة، أي خلال ارتفاع أسعار الوقود وسعر الصرف.

فقد كتب أحدهم “كل هاد الكلام حلو بس ليش السلع بالأسواق للارتفاع انا كمستهلك بهمني أن اشتري السلعة بقيمة الدخل الشهري، يلي هو500  ألف ليرة سورية والمصروف ملونين.. الاسعار ما عم تتغير ولاشي كلو ثابت، قمة الفشل والله. بتحس الحكومة عبتقلع العالم من البلد”.

بناء على الأسعار المحلية!

الصناعي عاطف طيفور، زعم أن هذا القرار وما سبقه كان اقتراحا من معظم الصناعيين لمجلس الوزراء بأن تكون نشرة الأسعار يومية أو أسبوعية، وتم التجاوب من التجارة الداخلية، فالنشرة كانت تصدر كل 6 أشهر بناء على دراسة التكلفة، وبسبب طول المدة الزمنية بين نشرة وأخرى كان يتم رفع أسعار المشتقات بشكل كبير وهذا ينعكس على الأسواق والأسعار سلبا، ويخلق صدمة بالسوق.

طيفور، أردف في حديثه للصحفية المحلية، أن المقترح كان نشرة أسبوعية لإحداث ارتفاع وانخفاض بالأسعار، مثال ذلك ما حصل منذ يومين بانخفاض سعر الصرف بحدود 300 ليرة، والأسبوع الذي سبقه أيضا انخفض بحدود 300 ليرة، وعليه يكون السوق بحالة انخفاض بأصناف وارتفاع بأخرى، وبالتالي يكون هناك استقرار في السوق أو ما يسمى مرونة وعدم التسبب بصدمة، والمفروض أن هذا الانخفاض المقدر بـ 300  ليرة ينعكس على الأسعار.

أما بالنسبة لأسعار الغاز المسيل الصناعي الذي ارتفع بنشرة “التجارة الداخلية” مرتين زعم طيفور، أن هذا الارتفاع لا ينعكس على الأسواق وليس له أي تأثير على المواطن، لأنه يدخل في الصناعات الثقيلة كالإسمنت والأسمدة والسيراميك. على الرغم من أن أي رفع بسيط في أسعار المحروقات يؤدي إلى موجة غلاء عامة في الأسواق.

في العموم، عندما نشهد رفعاً لأسعار الغاز المنزلي والصناعي للمرة الثالثة خلال العام الحالي، فإن ذلك يحمل معه تساؤلات وقلقٍ للكثيرين، أبرزها تلك الأسباب التي تكمن وراء هذا الارتفاع المتكرر في الأسعار، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على حياة الناس وميزانيتها.

بموازاة المحروقات التي ارتفعت أسعارها هذا العام لما يقارب من نسبة 100 بالمئة، أصدرت “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، الأسبوع الماضي، قرارا برفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي بالسعر الحر من داخل وخارج البطاقة “البطاقة الذكية” إلى 75 ألف ليرة سورية، كما رفعت سعر أسطوانة الغاز الصناعية من داخل وخارج “البطاقة” إلى 150 ألف ليرة.

هذا القرار هو الثالث على التوالي خلال عام 2023، حيث حددت لجنة الأسعار في محافظة دمشق، في 24 أيار/مايو الفائت، سعر أسطوانة الغاز المنزلي الموزّع عبر “البطاقة الذكية” لوزن عشرة كيلوغرامات بـ 16 ألف و500 ليرة سورية للمستهلك، بدلا من 11 ألف و500 ليرة، كانت قد حدّدتها في 13 من آذار/مارس الماضي.

كما رفعت المحافظة سعر أسطوانة الغاز المنزلي “الحر” خارج “البطاقة الذكية” في المدّة نفسها إلى 51 ألف و500 ليرة سورية، بدلا من 32 ألف ليرة.

إنتاج الغاز الطبيعي في سوريا لا يزيد سنويا، بحسب بيانات وزارة النفط والثروة المعدنية، على 4.5 مليار متر مكعب، بمعدل إنتاج يومي بلغ 12.5 مليون متر مكعب، منها 12 مليون متر مكعب يوميا من الغاز النظيف، وهو ما تسبب بزيادة معاناة السوريين بالحصول على الغاز المنزلي، بعد اعتماد تسليمه عبر “البطاقة الذكية”.

موجة غضب شعبية

خلال السنوات القليلة الماضية عمدت الحكومة السورية إلى رفع أسعار المحروقات من حين لآخر، بحجة الأسعار العالمية للمادة، بينما لم ترفع بالتوازي قيمة الرواتب، الأمر الذي شكّل فجوة واسعة بين مستوى الأجور والواقع المعيشي الذي أثقل كاهل المواطنين في سوريا.

سعر البنزين “أوكتان 95” سجل تغيّرا بنحو ثلاث عشرة مرة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2020 والنصف الأول من العام الحالي 2023، بمعدل تضخم كبير تجاوز الألف بمئات المرات.

لا شك أن هذه القرارات تؤثر على الأسعار العامة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، ولا يدفع ضريبة هذا التفاوت والعجز الحكومي إلا المواطن السوري الذي يعاني الأمرّين. ولهذا يُلاحظ ارتفاع مستوى الفقر في البلاد، بالإضافة إلى انخفاض القوة الشرائية لنسبة كبيرة من الناس.

في هذا السياق، ذكر عضو إدارة “غرفة تجارة دمشق” ياسر أكريم، أن زيادة أسعار المحروقات في سوريا هي نتيجة طبيعية لارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، وللسياسة الحكومية بتحرير سعر المشتقات النفطية.

أكريم، أردف في حديثٍ سابق، “ليست كل عملية تضخم هي انعكاس سلبي للاقتصاد، إذا كانت متوافقة مع زيادة الدخل، ولكن هنا نحن أمام حالة غير منطقية بسبب الفارق بين الدخل والصرف، وهنا بيت القصيد لأنه يضرّ بالمواطن والمجتمع”.

أما حول تأثير ارتفاع سعر البنزين على الأسعار في الأسواق السورية، أوضح أكريم، أن التأثير سيكون تراكميا ويدخل في كل حسابات التكلفة السعرية للمنتج الذي تمرّ به هذه المادة، ابتداءً من أجور “التكاسي” التي لا تكفيها مخصصاتها وتستخدم البنزين “الحر” مرورا بالمولدات الكهربائية المستخدمة وصولا إلى شركات التوزيع وغيره.

إزاء القرارات الحكومية هذه، تُخلق حالة فوضى كبيرة في قطاع توزيع المحروقات، وغالبا ما تتسبب بشكل دوري في فوضى مماثلة في قطاع المواصلات في المحافظات السورية، لا سيما في ظل الفشل الحكومي على مدار عدة سنوات في الخروج بآلية مناسبة، تضمن وصول المواد النفطية إلى أصحاب السيارات بشكل دوري وسلس ودون عوائق بما يضمن استمرار عملية التوزيع وعدم انقطاعها.

ثغرات عديدة تظهر في كل مرة تقوم بها الحكومة بتعديل آلية توزيع المحروقات على أصحاب السيارات. وآلية التوزيع تعتمد على بيع المحروقات بأسعار مخفّضة عن أسعار السوق، لكن الارتفاعات الأخيرة بقرارات رسمية من الحكومة أفضت إلى ارتفاع مماثل في أسعار خدمات المواصلات، وبالتالي زيادة الأعباء المادية على السوريين.

رغم إصدار الحكومة نشرات بخصوص أسعار المحروقات، إلا أن عشرات السائقين اشتكوا خلال الأيام الماضية، من عدم قدرتهم الحصول على مخصصاتهم من الوقود المدعوم، الأمر الذي أثّر بشكل مباشر على أعمالهم المختلفة، لا سيما أولئك الذين يعتمد عملهم بشكل أساسي على النقل بالسيارات والآليات، وهو ما يضر بعموم الحياة اليومية في البلاد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات