منذ حوالي 10 أيام وبعد إعلان حركة “حماس” عن معركة ضد الجيش الإسرائيلي تحت مسمى “طوفان الأقصى”، تصاعد العنف بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وانتهى بحرب شاملة على قطاع غزة، أسفرت حتى اللحظة عن مقتل أكثر من 2750 فلسطيني وإصابة أكثر من 9700 آخرين.

في هذه الظروف، كان من المتوقع أن يتضامن “حزب الله” اللبناني، مع “حماس”، وأن يشارك في الرّد خاصة بعد جملة التهديدات لإسرائيل التي وجهها زعيم الحزب، حسن نصر الله، منذ توليه الأمانة العامة للحزب عام 1992. 

ومع ذلك، لم نشهد أي تحرّك كبير من قِبل “حزب الله” على الحدود الشمالية لإسرائيل، سوى إطلاق بعض الصواريخ المضادة للدروع، وهذا الموقف أثار استياء “حماس”، التي اتهمت “حزب الله” بالخيانة والتخاذل، وطالبته بالوفاء بوعوده والانضمام إلى معركة فلسطين. 

قرار الحرب في إيران؟

“لماذا تخافون من الموت في سبيل القدس؟”، هي الجملة التي استخلصت من خطاب رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل، أمس الاثنين، حيث ذكر بأن “حزب الله” قام بخطوات لكن بتقديريه أن المعركة تتطلب أكثر، وما يجري غيرُ كافٍ، ورأى بأنه اليوم المطلوب أكثر من طوفان، حيث هكذا يصنع التاريخ، ليس بالخطوات المحدودة الخجولة المترددة.

حماس حزب الله
جندي من الجيش اللبناني (يسار) يقوم بتأمين منطقة في قرية العديسة الحدودية بجنوب لبنان ، بينما تقوم عربة همفي إسرائيلية (يمين) بدوريات على الجانب الإسرائيلي من الحدود.

فرغم إطلاق “حزب الله” الصواريخ المضادة للدروع على مواقع للجيش الإسرائيلي خلال الأسبوع الماضي وفي اتجاه شتولة أمس، إلا أن ذلك ليس من شأنه أن يُظهر الاستعداد للمشاركة بصورة كاملة وكبيرة في الحرب وتطبيق استراتيجية “وحدة الساحات” التي اتفقت عليها “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في اللقاءات التي عُقدت بينهما في هذه السنة.

من غير المعروف ما هي التوجيهات التي جلبها معه من إيران وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ففي يوم الجمعة الماضي اكتفى بالتحذير، وبعد اللقاء مع حسن نصر الله ورئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، قال إن “فتح جبهات أخرى أمام إسرائيل هو امكانية قائمة”، ولكن في نفس الوقت أكد على أن “الموضوع المهم هو أمن لبنان والحفاظ على الهدوء في الدولة، هذا هو هدف زيارتي وأنا اقترح عقد لقاءٍ لقادة المنطقة لمناقشة الموضوع”.

التقديرات الإسرائيلية حتى الآن متباينة بشأن احتمال نشوب حرب بين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني، على الرغم من التصعيد الذي تشهده الأيام الأخيرة على الحدود الفاصلة بين لبنان والأراضي الفلسطينية، إلا أن الحزب لا يفضّل فتح جبهة حرب إضافية، من باب أنه ليس معنياً بدخول حرب في الوقت الراهن.

“حزب الله” لم يشترك حتى الآن في أي حرب تحت عنوان “القضية الفلسطينية”، ويمكن أن نتذكر حروب لبنان السابقة وتواجدهم في المنطقة الأمنية، لكن حتى ذلك الحين، لم يكن هناك توجيه واضح نحو مواجهة إسرائيل باسم هذه القضية، ففي حرب لبنان الأولى وخلال الفترة الزمنية الطويلة التي استمرت 17 عامًا، كان الهدف هو طرد الجيش الإسرائيلي وتحرير أراضي لبنان، ولم يكن هناك تركيز على القضية الفلسطينية كركيزةٍ رئيسية للصراع.

كذلك، في الفترة بين انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وحرب لبنان الثانية، لم يتحوّل تحرير مزارع شبعا من سيطرة إسرائيل إلى ذريعة لمواجهات عنيفة تتعلق بالقضية الفلسطينية، وهنا “حزب الله” كان يتعامل مع هذه القضية بشكل محدود و بالمقام الأول كان يركز على مصالح لبنان الوطنية والأمن الوطني.

وفيما يتعلق بحرب لبنان الثانية، بدأت بذريعة مختلفة تماماً، من باب أنها حرب بدأت بسبب تسوية حسابات فردية موجودة لـ “حزب الله” مع إسرائيل، وتأتي هذه الحرب بعد التّعهد بتحرير السجين سمير قنطار، لذا، يبدو أن القضايا والدوافع التي تقف وراء مشاركة “حزب الله” في الصراعات السابقة كانت أبعد من مجرد تحقيق أهداف تتعلق بالقضية الفلسطينية.

“لسنا انتحاريين بلا هدف”

رغم الخطاب الهجومي لـ “حزب الله” وتمسّكه الأيديولوجي بتدمير إسرائيل فإنه فضل زيادة قوته العسكرية دون استخدامها إقليميا من أجل الحفاظ على ميزان الردع بينه وبين إسرائيل، لكن خلافا لـ “حماس” فإنه يوجد لـ “حزب الله” دولة ليديرها ومكانة إقليمية تنبع من استراتيجية إيران في الشرق الأوسط وليس فقط في لبنان.

حماس حزب الله
أعضاء من جماعة “حزب الله” الشيعية اللبنانية، يرتدون الزي الأسود وعصابات الرأس الحمراء.

نصرالله، سعى لأن يُملي السياسة الداخلية والخارجية للبنان، يصادق على أو يرفض اتفاقات دولية، مثل اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل الذي صادق عليه كي يستطيع لبنان البدء في تنفيذ التنقيب عن الغاز في مياهه الإقليمية، وليس لأن يكون شريكا له مكانة ثابتة في حكومة لبنان.

جملة “لن نموت من أجل فلسطين”، كانت الأبرز خلال لقاءٍ جمع عدة عناصر من “حزب الله” في جنوب لبنان، فبحسب التسريبات التي حصل عليها “الحل نت”، يرى مقاتلو الحزب وحتى قيادته أن الدخول في حرب مع إسرائيل واردة وممكنة، لكن على الأراضي اللبنانية وليس من أجل الحركات الفلسطينية، وحاليا هم أبعدُ ما يكون من الدخول لاقتحام مباشر على الأراضي الفلسطينية، لأن ذلك سيدخلهم في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة التي استقدمت حاملتي الطائرات “يو اس اس أيزنهاور” و”يو إس إس جيرالد آر فورد” إلى الشرق الأوسط.

المحلل في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، تسفي برئيل، يرى أن استراتيجية “وحدة الساحات” تبقى مجرد مفهوما لم يجسّد نفسه على أرض الواقع حتى الآن، إذ إنها ليست مجرد نموذج لـ “تنظيم دفاع إقليمي” حيث يجد نفسه الشريك ملزماً بالتدخل لصالح الآخر في حالة تعرضه للهجوم.

عناصر التفكير والمراعاة والاعتبارات التي يتّبعها “حزب الله” في وضعه الحالي، أوسع وأكثر تعقيداً من تلك التي تلزم “حماس”، وهنا يجب أن نشير إلى قطيعة العلاقة بين “حماس” وسوريا في عام 2012 والتبني الكامل للحركة للاحتجاجات ضد الأسد، وهذه الخطوة أدت إلى فترة طويلة من الانقطاع مع إيران، ولم يتم استئناف العلاقات إلا في العام الماضي بوساطة “حزب الله”، وإلى الآن، تُعامل “حماس” بوصفها خائنة في سوريا حيث وجّهت ظهرها لحليفها التقليدي.

لذلك، يبدو منطقياً أن نسأل: هل ستوافق إيران الآن على توجيه “حزب الله” ضد إسرائيل بسبب “حماس” وفقا لاستراتيجية “وحدة الساحات”؟ والجواب على هذا السؤال لا يزال غامضا، ولكن يمكننا أن نستنتج أنه إذا قرر “حزب الله” المشاركة في معركة ما، فسيكون ذلك بمسمى مصالح لبنان، وردّا على هجوم كبير من إسرائيل على أراضيه فقط.

في عين العاصفة

صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، ذكرت أول أمس الأحد، بأن التقديرات الراجحة لدى المستوى الأمني الإسرائيلي، هي بأن “حزب الله” لن يتدخل، رغم إفراغ القرى والبلدات الحدودية بين البلدين من ساكنيها في الأيام القليلة الماضية.

حماس حزب الله
حسن نصر الله (السادس من اليمين، الصف الأول)، محاطًا بحراسه الشخصيين خلال تجمع في الضاحية الجنوبية لبيروت، خلال احتفالات يوم القدس.

الجيش، أعلن أمس الاثنين، إخلاء 28 مستوطنة وبلدة على الحدود مع لبنان، فيما يواصل حشد قواته ومدرعاته على هذه الحدود ورفع مستوى جهوزيته وحالة التأهب، فيما ارتفع عدد اللبنانيين الذين نزحوا من القرى الحدودية في بنت جبيل وصور، إلى أكثر من 2500 مواطن، تم توزيعهم على ثلاثة مراكز إيواء معتمدة في ثلاث مدارس بالمدينة.

الصحفية والباحثة في الشأن السياسي، أية عويس، ذكرت لـ”الحل نت”، أن قرار الحرب اليوم هو في إيران، لكن جرّ “حزب الله” للحرب، لن يكون من خلال طهران، بل من قِبل الفصائل الفلسطينية المتواجدة بمنطقة جنوب الليطاني، وعلى تخوم الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

تقديرات عويس، بناءً على أن “حماس” تحسّست بخيانة من “حزب الله” خاصة أن مقاتليه يرفضون الدخول إلى مناطق تواجد الجيش الإسرائيلي وشنّ هجوم مباشر عليه، ولذلك تنوي افتعال أزمة عبر فصائلها سواء المتواجدة في سوريا أو لبنان من أجل جرّ المنطقة لحرب شاملة توقف تهديد سلطتها في قطاع غزة.

في ذات الوقت، يبدو أن “حزب الله” قرر الاستماع لروسيا، التي شاهدت ردّ الفعل الغربي في أوكرانيا، حيث خلال لقاء السفير اللبناني في موسكو، شوقي بو نصار، مع نائب وزير الدفاع الروسي الجنرال ألكسندر فومين، الموثوق جدا من بوتين،  ونائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف ومدير إدارة الشرق الأوسط وإفريقيا في الخارجية، ألكسندر كينشاك، ذكرت روسيا أن هناك تعاطف أميركي وأوروبي غير مسبوق مع إسرائيل.

ولذلك، نصحت موسكو “حزب الله” بتفادي توسيع حجم ردود الفعل، وأن تبقي المواجهات على الحدود ضمن نطاق محدود.

تورّط “حزب الله” في حرب 2023 

تقول عويس، إن شبكة “حزب الله” الدولية آخذة في التوسع، لكن الجماعة ليست حريصة على خوض حرب صريحة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، وبدلا من ذلك، “حزب الله” يفضّل العمليات السرية والأنشطة الإرهابية، وهذا ما أظهرته تهديدات الحزب بالانتقام من مقتل قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” الإيراني، التي لم تتحول إلى أعمال انتقامية.

مسلحون ملثمون من حركة فتح التي يتزعمها الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات يحملون صوراً لعرفات وزعيم حزب الله اللبناني الشيخ حسن نصر الله (على اليمين) خلال مظاهرة في رفح بجنوب قطاع غزة في 28 يناير 2004.

وفي الوقت نفسه، ومع ترنّح لبنان على حافة الانهيار، اغتنمت الجماعة الفرص للتوسع، فعلى سبيل المثال، عندما فشلت الحكومة اللبنانية في الاستجابة بفعالية لنقص الوقود في جميع أنحاء البلاد في عام 2021، استورد “حزب الله” أكثر من مليون برميل من الوقود من إيران عبر المرور من سوريا، منتهكا بذلك العقوبات الأميركية على طهران.

على الرغم من جهود “حزب الله” لتعزيز مصداقيته على جبهته الداخلية، فإن العديد من اللبنانيين لا يثقون في الجماعة بسبب تورطها المزعوم في انفجارات مرفأ بيروت عام 2020، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 200 شخص.

حاليا، “حزب الله” يفقد قبضته على لبنان نظرا لانتشار الغضب حتى في معاقله التقليدية. يشير الارتفاع الكبير في عدد المرشحين المستقلين والمناهضين للمؤسسات المنتخبين للبرلمان في عام 2022 إلى أن الكثيرين في لبنان غير راضين عن “حزب الله”، لذا ترى قيادة الحزب أن نعتها بالخيانة من قبل الفصائل الفلسطينية ولا سيما “حماس”، لا ضير به سيما وأن هذا لن يجرّهم إلى حرب مباشرة مع إسرائيل.

0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات حول دولي

جديداستمع تسجيلات سابقة