في اليومين الماضيين، شهدت لبنان احتجاجاتٍ على حادثة المستشفى المعمداني في غزة والتي راح ضحيتها ما يقارب من 500 شخص، لكن ما جعل هذا الحدث أكثر إثارة هو الطريقة التي استُغلت فيها دماء أهالي غزة لأغراض سياسية ولترهيب اللبنانيين.

لم يشهد الشارع اللبناني غضبًا على المأساة في غزة، بل شهدنا استغلالًا سافراً لهذا الحادث من قِبل “حزب الله” بهدف ترهيب اللبنانيين الذين قد يعارضون سياسته وقراراته، ويبدو أن “حزب الله” يريد أن يرسم للجميع لوحة مخيفة أو فزّاعة لما يمكن أن يحدث في لبنان، إذا تجرأ أحدهم على معارضته.

حيث الرأي السائد داخليا في لبنان، أنه من الخطأ الاعتقاد أن الأعمال التخريبية في بيروت وجبل لبنان تمثّل تصرفات فردية، فإذا نظرنا إلى التجارب السابقة، سنجد أن “حزب الله” يمكنه أن يحرّك المتظاهرين ويوجّههم تحت راياته بسهولة، وهذا ما نراه هنا، إذ لا نستطيع تجاهل حقيقة أن “حزب الله” يملك السلطة والتنظيم للتحكم في الشارع.

غزة تنزف.. و”حزب الله” يستثمر

نقلت “الوكالة الوطنية اللبنانية” للإعلام، بيانا لـ “حزب الله” أعلن فيه أن عناصره استهدفوا دبابة للجيش الإسرائيلي في موقع المطلة، وحققوا فيها إصابات مباشرة، فيما أعلن لاحقا عن استهداف 5 مواقع عسكرية إسرائيلية على الحدود.

نساء تبكي أثناء جنازة أحد مقاتلي حزب الله الذي قُتل أمس خلال اشتباكات ضد الجيش الإسرائيلي على الحدود الجنوبية للبنان.

وقالت الجماعة أمس الأربعاء، إن اثنين من عناصرها قُتلا في جنوب لبنان، بعد تعرّض محيط بلدتي رميش وعيتا الشعب اللبنانيتين، على الحدود مع إسرائيل، لقصف مدفعي بعدد كبير من القذائف التي سُمعت أصواتها في أماكن عدة من الجنوب اللبناني حتى مدينة النبطية، وسط أنباء عن إطلاق صواريخ من الجانب اللبناني.

وكانت الحدود اللبنانية الإسرائيلية قد شهدت تطوراتٍ عسكرية بارزة، الثلاثاء الفائت، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي عن قتله أربعة أشخاص حاولوا عبور السياج الحدودي مع لبنان وزرع عبوة ناسفة، ولم يذكر البيان موقع محاولة التسلل بشكل واضح.

وبعيدا عن هذه الإرهاصات التي طغت عليها حادثة مستشفى المعمداني بغزة، لكن هل من المتخيل في الوقت نفسه، أن ترى في شوارع لبنان مظاهرات تحمل شعارات غزة، ويحرّكها “حزب الله”، وتظنّ أنّ هذه المظاهرات هي تعبيرٌ عن الدعم والمواساة لغزة؛ لكن في الحقيقة، هذه المظاهرات هي وسيلة لـ”حزب الله” لإرعابك وإخضاعك.

هذا الحزب برأي الكاتب والصحفي اللبناني، فارس خشان، يريد أن يجعلك تخاف من أنّ لبنان يمكن أن تصبح مثل غزة، إذا لم تطع أوامره وتقبل قراراته، فهذا الحزب قد ألغى القرار 1701 الذي كان يحمي لبنان من حروب إسرائيل، وفتح الباب أمام اندلاع صراع كبير في أيّ لحظة، ويستهدف بالتخويف والتدمير كلّ من يعارضه أو يختلف معه في لبنان!

“حزب الله” يرسم سيناريو مرعب استغلال دماء غزة لترهيب اللبنانيين
متظاهرون يشتبكون مع قوات الأمن اللبنانية في 18 أكتوبر 2023، خارج السفارة الأميركية خلال مظاهرة تضامن مع أهل غزة في عوكر، شرق بيروت.

الجيش اللبناني، ذكر في بيان أنه حصلت مظاهرات وتحركات تندد بحادثة المعمداني، لكن تخللتها أعمال شغب وتخريب وتعدّيات على الأملاك العامة والخاصة من قِبل “جيش الدراجات النارية”، ما أدى إلى إصابة عدد من العسكريين بجروح مختلفة أثناء تنفيذ مهمات حفظ أمن التظاهرات.

ربّما يشار إلى أن هذه المظاهرات ليست كلّها سيئة، وربّما هناك بعض المتظاهرين الصادقين الذين يشعرون بالغضب من ما يحصل في غزة، ويريدون التعبير عن رأيهم بحرية، وربّما هناك بعض المخرّبين الذين انحرفوا عن المسار الصحيح، وقاموا بإحراق وتكسير ممتلكات خاصة وعامة في بيروت وجبل لبنان، و”حزب الله” لا يتحمّل مسؤولية هذه التصرفات، ولا يستطيع التحكّم في كلّ من يتظاهرون تحت راياته. 

لكن هذه كلّها بحسب خشان أوهام وأكاذيب، فـ “حزب الله” هو من ينظّم ويدبر هذه المظاهرات، وهو من يختار مَن يشارك فيها ومن يُستثنى منها، وهو من يقرّر متى تكون هذه المظاهرات سلمية أو عنيفة، حسب مصالحه وأغراضه، فالحزب مَن يستخدم هذه المظاهرات كأداة لإثارة الفوضى والرّعب في لبنان.

غزة تدفع الثمن.. و”حزب الله” يستفيد

الدليل على ما ذُكر سابقا، هو أنّ “حزب الله” يريد أن يسيطر على الشارع اللبناني، ويجعله يتبع توقيته وإيقاعه، الحزب يريد أن يجعل المواطن اللبناني يخاف من أنّ ينتقد سياساته أو يطالب بحقوقه، لأنّه سيعاقبه بالقمع والقتل.

“حزب الله” يرسم سيناريو مرعب استغلال دماء غزة لترهيب اللبنانيين!
أنصار حزب الله يحملون نعش أحد مقاتلي حزب الله الذي قُتل أمس خلال اشتباكات ضد الجيش الإسرائيلي على الحدود الجنوبية للبنان في 18 أكتوبر 2023 في خربة سلم، لبنان.

“حزب الله” بتوصيف خشان، يريد أن يجعل اللبناني يصمت عن إسقاطه للقرار 1701، الذي كان يضمن للبنان السلام والاستقرار، ويريد أن يتقبّل كل من يعيش في البلاد بأنّ لبنان رهينة لمصالح إيران وسوريا، وأنّ لبنان مستعدٌ للدخول في حرب مع إسرائيل في أيّ وقت.

دلالة ذلك، أنه سبق لشخصيات سياسيّة بارزة في لبنان أن طلبت من المحيطين بها والمقرّبين منها أن يضبوا ألسنتهم إن كانت لديهم مواقف معادية لما يقوم به “حزب الله” الذي يمكن، في حال ذهابه إلى الحرب، أن يدفّعهم غاليا ثمن هذه المواقف.

وليس سرّا أنّ “حزب الله” في حال توسّعت الحرب يريد فتح الحدود اللبنانيّة أمام القوى التي يتحالف معها في سوريا والعراق واليمن، وهي تشمل جنسيات عدّة، من أجل معاونته في قتال إسرائيل.

هذه الخطة ستمكّن “حزب الله” من تعزيز سيطرته على لبنان بشكل استباقي، حيث تمكّنه من تحويل كافة المناطق اللبنانية إلى ظهير لتجسيد قوته ونفوذه، إذ إنه يبحث عن السيطرة المطلقة، وسيستفيد من كل فرصة لتوسيع نفوذه عبر جغرافية لبنان، مستعيضا عمّا يمكن أن يخسره في الحرب.

رغم تكاتف اللبنانيين مع ما يحدث في غزة، إلا أن ما يثير الاستغراب هو كيف يستغل “حزب الله” هذه المأساة في سياق أجندات سياسية خطرة خصوصا في اليومين الأخيرين، وهنا يظهر المتحكم الإيراني ليبيّن أنه يمتلك قوة تأثير كبيرة في المنطقة، ولبنان وسيلة له لتهديد إسرائيل والدول المؤيدة لها.

“حزب الله” منذ أحداث مرفأ بيروت عام 2020، يعي جيدا أنه لا يمكنه أن يجبر اللبنانيين على قبول خططه؛ لذلك، يستخدم هذه الأوقات الصعبة لفرض سلطته بواسطة مجموعاته المسلحة، من خلال استخدام “جيش الدراجات النارية” كوسيلة للتخويف والترهيب لتحقيق أهدافه.

استخدام للحرب غير النظامية

الحروب الصغيرة التي يقودها الحزب بشكل عام ضد أركان الدولة اللبنانية واللبنانيين تتم من خلال الحرب غير النظامية، والمتعارف عليها أنها صراع عنيف بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية من أجل الشرعية والتأثير على السكان المعنيين. 

متظاهرون يشتبكون مع قوات الأمن اللبنانية في 18 أكتوبر 2023، خارج السفارة الأمريكية خلال مظاهرة تضامنية مع أهل غزة في عوكر، شرق بيروت

الحرب غير النظامية تفضّل المقاربات غير المباشرة وغير المتماثلة، على الرغم من أنها قد تستخدم مجموعة كاملة من القدرات العسكرية وغيرها، من أجل تآكل قوة الخصم ونفوذه وإرادته، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات، وتجارة الأسلحة غير المشروعة، والمعاملات المالية غير القانونية التي تدعم استدامة الحرب.

مقاتلو “حزب الله” وأنصاره، يرون أن الحزب يمكن أن ينتصر على جيش الدفاع الإسرائيلي، وذلك من خلال إعادة الحزب لاختراع نفسه وإعادة تسويقه كحركة مقاومة وطنية عبر أداة الحزب الإعلامية، وبالتركيز على أنشطة “حزب الله” الإقليمية نرى أنها انعكاس لاصطفاف الجماعة الوثيق على نحو متزايد مع إيران، وليس مصالح الدولة اللبنانية أو المواطنين اللبنانيين.

كذلك عمل الحزب على الميزانية التشغيلية له والمقدّرة بين 300 و500 مليون دولار، من أجل الفوز بهذه الحرب، حيث أنشأ نظاما من مصادر الدخل القانونية وغير القانونية على حدٍّ سواء، المصدر القوي للدخل القانوني يأتي من التبرعات المقدمة من كل من دائرتهم الشيعية، واللبنانيين الآخرين، ومن مجتمعات الشتات اللبناني الواسعة الموجودة في جميع أنحاء العالم، والكثير من هذه التبرعات تذهب مباشرة إلى تمويل قيادته وعناصره التابعين لهم فقط. 

أما بالنسبة لمصادر الدخل غير القانونية لـ”حزب الله”، فمن المعروف أن  الحزب يعمل على نطاق واسع من منطقة الحدود الثلاثية في أميركا اللاتينية، عبر تهريب المخدرات مستفيدا من زراعة الخشخاش في سهل البقاع، وشراء الأسلحة وبيعها، وكذلك من خلال الزكاة، فالحزب لديه حق الوصول إلى العُشر من أموال المحليين اللبنانيين أو المغتربين في بلاد الشتات.

إن الاحتفاظ بالسلطة دون مسؤولية هو أمر مثالي بالنسبة لـ “حزب الله”، ومن الناحية النظرية، يمتلك الحزب القدرة العسكرية على الاستيلاء على السلطة في لبنان بالقوة، ورغم أن “حزب الله” يستخدم خطاب مكافحة الفساد والدفاع عن القضية الفلسطينية، إلا أن ساسته لم يستخدموا نفوذهم في الإصلاحات الرامية إلى تطهير نظام الدولة الذي يفيدهم، وهنا نرى أن أحداث غزة جاءت على طبق من ذهب لقيادة الحزب من أجل تنفيذ أجنداتهم.

0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات حول دولي

جديداستمع تسجيلات سابقة