في ظل تعاظم التضخم في سوريا وتدهور اقتصادها يوما بعد يوم، أقرّت “محكمة العدل الأوروبية” حُكمين غيابيَين ضد حكومة دمشق، وذلك بسبب دعوتين تقدّم بهما “بنك الاستثمار الأوروبي” (EIB)، من أجل تحصيل القروض غير المسدّدة، والتي يعود تاريخ الحصول على بعضها إلى عشرين سنة وأكثر.

ويأتي الحُكمان، وفق ما تناقلته تقارير صحفية، بعد انتهاء المُدّة الممنوحة للحكومة السورية للدفاع عن القضايا المرفوعة ضدها أمام المحكمة الأوروبية. وبموجب القرار الذي تم تسليمه إلى لوكسمبورغ بتاريخ 18 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، يُلزم “الجمهورية العربية السورية” بسداد مبلغ 28,777,508.71 يورو إلى الاتحاد الأوروبي، ممثلا “ببنك الاستثمار الأوروبي”، ويمثل المبالغ الأصلية والفوائد التعاقدية والتّخلف عن السداد المستحقة في 30 حزيران/يونيو 2022.

تفاصيل الحُكم الأول على دمشق

في سياق نصّ الحُكم الأول، بحسب الموقع الرسمي لمحكمة العدل الأوروبية، فإنه أُلزم الحكومة السورية بدفع مبلغ يعادل 28.7 مليون يورو، يمثل الأقساط المتبقية والفوائد الناتجة عن التأخير في السداد إلى الاتحاد الأوروبي بصفته ممثلا لـ”بنك الاستثمار الأوروبي”، بموجب اتفاقية القرض المبرمة عام 2001 فيما يتعلق بمشروع تعزيز شبكة توزيع الكهرباء في سوريا.

هذا الإجراء جاء بناءً على المادة رقم /272/ ضمن معاهدة عمل الاتحاد الأوروبي “تي إف إي يو”، وفي دهاليز اتفاقية التعاون بين المجموعة الاقتصادية الأوروبية وسوريا، في 18 من كانون الثاني/يناير 1977، أبرم “بنك الاستثمار الأوروبي”، في 5 من شباط/فبراير 2001، اتفاقية القرض المذكور مع الحكومة السورية.

طبقا لاتفاقية القرض، منح “بنك الاستثمار الأوروبي” دمشق قرضا بقيمة 115 مليون يورو يجري سحبه عند الطلب، في حين بلغ إجمالي المبلغ المسحوب بموجب اتفاقية القرض في الفترة ما بين آذار/مارس 2005، وآب/أغسطس 2009 مبلغ 100.6 مليون يورو.

ووفقا لشروط اتفاقية القرض، كان على دمشق سداد القرض على 30 قسطا نصف سنوي، اعتبارا من 1 آب/أغسطس 2006، مع الفوائد. ومنذ كانون الأول/ديسمبر 2011، عجزت دمشق عن سداد الأقساط المستحقة بموجب اتفاقية القرض.

حُكم آخر

حكمت ذات المحكمة لـ”بنك الاستثمار الأوروبي” أيضا، في قضية أخرى بحكم غيابي ضد الحكومة السورية، في دعوى عدم سدادها الأقساط المترتبة عليها في تمويل مشروع توفير المياه بمحافظة السويداء، جنوب سوريا، وفق ما ترجمه موقع “عنب بلدي” عن القرار الأوروبي ضد دمشق.

المحكمة الأوروبية أقرّت بإلزام الحكومة السورية بدفع مبلغ يعادل 652 ألف يورو يمثّل الأقساط المتبقية والفوائد المترتبة على التأخير بالدفع، إلى “الاتحاد الأوروبي”، بصفته ممثل عن “بنك الاستثمار الأوروبي”، بموجب اتفاقية القرض التي أُبرمت عام 1986 بشأن تمويل مشروع إمدادات المياه في السويداء.

هذا فضلا عن أن المجموعة الاقتصادية الأوروبية كانت قد منحت دمشق قروضا أخرى، تُقدّر بملايين اليوروهات، خلال أعوام 1987 و1996، لكن دمشق تخلّفت عن سداد الأقساط المستحقة عليها منذ عام 2012. ونتيجة لذلك، توقف البنك الأوروبي في التعاون مع دمشق بعد عام 2011، وبالتالي توقفت مشاريعٌ كان البنك بصدد تمويلها، أبرزها قرض بقيمة 200 مليون يورو لبناء محطة توليد الكهرباء تعمل على الغاز الطبيعي في دير الزور.

فضلا عن توقف مشاريع أخرى، تشمل البُنى التحتية والمنشآت الحيوية، منها مشروع لدعم الصناعيين السوريين عن طريق البنك التجاري، وقرضا لتطوير ميناء طرطوس و”مترو دمشق”، تُقدّر بقيمة مئات اليوروهات.

ما تداعيات؟

دمشق غارقة بالديون اليوم، واقتصادها شبه “مشلول”، وخاصة بعد أن استدعت كلّا من إيران وروسيا للوقوف إلى جانبها في إسكات صوت الشعب السوري واستعادة المناطق التي خرجت عن سيطرتها منذ عام 2012.

وبالإضافة إلى طلبها الدعم العسكري، فقد اقترضت إيران التسهيلات الائتمانية، ما أثقلها بالديون، مما دفعها إلى منح ميناء طرطوس لموسكو لمدة 49 عاما وميناء اللاذقية لطهران لمدة 30 عاما بشكل غير مباشر، كجزء من سداد ديونها لهم، وفق العديد من التقارير والتحقيقات.

ونظرا لانهيار الاقتصاد السوري، وتهاوي الليرة السورية أمام النقد الأجنبي، وتراكم الديون على دمشق، وخاصة من قِبل إيران، حيث كشفت وثائق سرّية مسرّبة مؤخرا أن دمشق مَدينةٌ لطهران بنحو 50 مليار دولار.

إضافة إلى اعتمادها على تجارة “الكبتاغون” لدعم اقتصادها، فمن المرجّح بعد هذَين الحُكمَين الأوروبيين أن تسعى دمشق أولا إلى زيادة تجارة المخدرات، وثانيا خلق فتنة واضطرابات مع مناطق شمال شرقي سوريا الغنية بالنفط والقمح، بهدف تحصيل بعض المواد هناك، وأيضا زيادة سحب العملات الصعبة من أسواق الصرف السورية واستبدالها بالليرة السورية، عبر شبكات تابعة لها بشكل غير مباشر.

كما أنه من غير المستبعد أن تزيد الإجراءات والقرارات التي من شأنها تحصيل أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة من جيوب السوريين، سواء في الداخل أو الخارج، مثل زيادة تكاليف إصدار وتجديد جوازات السفر، أو الضرائب على رجال الأعمال والمستثمرين، فضلا عن الضرائب على دخول المغتربين إلى سوريا، بغية الاستعداد لسداد جزء من ديونها في حال تم إعادة تعويمها دوليا، وإن كان هذا الأمر مستبعدا تماما، على الأقل خلال المستقبل المنظور.

المثير في الأمر، أن “مصرف سوريا المركزي” قال في 31 من تموز/يوليو الماضي، إن سوريا من الدول التي يخلو سجلّها المالي بصورة “شبه كاملة” من الديون الداخلية أو الخارجية. وفي تقريره الصادر نهاية 2022، قدّر “البنك الدولي” إجمالي قيمة الدَّين الخارجي لسوريا بنحو خمسة مليارات دولار حتى نهاية عام 2021، بزيادة على عام 2020، إذ سجلت قيمة الدَّين حينها نحو أربعة مليارات و763 مليون دولار أميركي، ليبقى التساؤل الأهم في هذه المعادلة، كيف ستعوّض الحكومة السورية كل هذه الديون الضخمة المترتبة عليها، هل من خلال التوقعات المذكورة آنفا، أم أنها لن تستطيع تفادي ذلك، وبالتالي إدخالها في أزمات كبرى، قد يهدد مستقبلها السياسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات