منذ فترة وحتى اليوم، وأزمة اللاجئين الأفغان الذين غادروا وما زالوا يغادرون باكستان حديث وسائل الإعلام والمنظمات والهيئات الحقوقية والإنسانية، فبعد أن أقرت الحكومة الباكستانية ترحيل جميع اللاجئين غير الشرعيين وحتى نسبة من النظاميين الموجودين على أراضيها، يبدو أن هؤلاء الأفغان أمام تحديات جمّة، حيث يتم الآن تهجيرهم ليصبحوا مرة أخرى تحت حكم “طالبان”، وهو ما سيتسبب لهم بجملة من الأعباء، خاصة مع بداية فصل الشتاء القاسي.

كما أن قرار باكستان بترحيل اللاجئين الأفغان النظاميين يثير الرعب والخوف والقلق لدى جميع الأفغان، علما أن أكثر من 370 ألف لاجئ أفغاني غير نظامي عادوا إلى بلادهم حتى الآن. وكانوا واثقين من أن باكستان لن تقوم بطردهم لأن لديهم أوراق وبطاقات نظامية من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

أفغانستان وحكم “طالبان”

نحو ذلك، حذرت الأمم المتحدة، مؤخرا، من أن العديد من الأسر الأفغانية التي أُبعدت من باكستان لا مأوى لها وستواجه صعوبات في تأمين الغذاء خلال الشتاء، وفق تقرير لـ”فرانس برس“.

بدورها، قالت مديرة برنامج الاغذية العالمي في أفغانستان، هسياو وي لي، للصحفيين في جنيف إن العديد منهم ليس لديهم أي اتصال مع عائلاتهم في أفغانستان، مضيفة عبر الفيديو من كابول أن الذين اتصلوا بعائلاتهم “قيل لهم إن لا مكان لهم أو أن مواردهم ضئيلة جدا”.

عاد نحو 400 ألف لاجئ أفغاني إلى أفغانستان- “أ ف ب”

وطبقا لبرنامج الأغذية العالمي فإن الوصول الجماعي لهؤلاء الأشخاص إلى أفغانستان يفاقم الأزمة الإنسانية الحالية. وقالت لي: “إنهم مجبرون على العودة إلى أفغانستان في أسوأ الأوقات”.

والتقت المسؤولة ببعضهم عند نقطة حدودية، وقالت إن “أغلبية الأشخاص الذين التقتهم غادروا أفغانستان قبل 30 عاما أو أكثر”، وأن بعضهم وُلد في باكستان ولم يزر قط أفغانستان.

وبحسب الوكالة الفرنسية، قدم برنامج الأغذية العالمي حتى الآن المساعدات إلى 250 ألفا من هؤلاء عند عبورهم الحدود، على شكل أغذية أو أموال. لكن لي قالت إن البرنامج لم يتلق سوى 100 مليون دولار من أصل 950 مليون دولار اللازمة لتمويل جميع عملياته في أفغانستان خلال الأشهر الستة المقبلة.

من جانب آخر، أعلنت ألمانيا، مؤخرا، أن “طالبان” اعتقلت أربعة موظفين محليين في وكالتها التنموية الدولية “جي آي زد”. وقالت متحدثة باسم وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية: “أستطيع أن أؤكد أن موظفين محليين في جي آي زد محتجزون رغم أننا لم نتلق أي معلومات رسمية عن سبب احتجازهم”.

هذا وكانت ألمانيا قد أغلقت سفارتها في أفغانستان بعد عودة “طالبان” إلى السلطة، عام 2021. ومنذ عودتها إلى السلطة، فرضت سلطات “طالبان” تفسيرا متشددا للإسلام، حيث تعيش النساء تحت وطأة قوانين وصفتها الأمم المتحدة بأنها تفرض “فصلا على أساس الجنس”.

تهديد وجودي!

إن قرار ترحيل مئات الآلاف من هؤلاء يمثل تهديدا وجوديا لهم، خصوصا في ظل التوجهات المتطرفة الموجودة في أفغانستان حاليا تحت حكم حركة “طالبان”.

هذا وبدأت السلطات الباكستانية منذ الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري في الترحيل القسري لعشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان المتواجدين على أراضيها، وقد أنشأت السلطات الباكستانية في ضوء هذا التوجه عدّة مراكز احتجاز لمئات الآلاف من الأفغان الموجودين على أراضيها بصفة غير نظامية.

وكانت وزارة الداخلية الباكستانية قد أعلنت في 26 أيلول/ سبتمبر 2023، عن خطة لترحيل الأجانب المقيمين بشكل غير قانوني، مشيرةً إلى أن الغرض من هذه الخطوة هو وضع وجود الأجانب في باكستان ضمن الإطار القانوني. ولهذا الغرض، تم أيضا إنشاء مراكز ترحيل في الأقاليم الباكستانية الأربعة، وفق تقارير أممية.

وعلى الرغم من أن سياسة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين تنطبق على جميع الرعايا الأجانب، إلا أن الأفغان هم الأكثر تضرّرا من حيث العدد، ووفقا لبيانات الحكومة، يعيش حوالي 4.4 مليون لاجئ أفغاني في باكستان، من بينهم 1.7 مليون لاجئ بدون وثائق سارية.

وما يبعث الخوف لدى الأفغان المجبرين على العودة من باكستان إلى بلادهم، هو أن حياتهم مهددة بالخطر، نظرا لأن نسبة كبيرة منهم فرّوا عندما تولت “طالبان” السلطة، ذات التوجهات الإسلاموية المتشددة. ويفسر باحثون متخصصون في شؤون الجماعات الإسلامية ذلك نتيجة فشل حكم “طالبان” في إدارة البلاد، على الرغم من أنها كانت تتغنى وتقدّم الوعود في بداية تسلّمها للسلطة بأن نظامها سيكون أكثر تساهلا من فترة حكمها الأولى بين عامي 1996 و2001، والترويج لفكرة أنها ستتصرف بشكلٍ مختلف، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المحلية مثل تعليم الإناث، وخارجيا فيما يتعلق بقضايا الإرهاب.

يحتاج حاليا 30 مليون شخص تقريبا من أصل 43 مليون، إلى مساعدات الإغاثة في أفغانستان، وهناك أيضا 3.3 مليون مشرّد داخليا.

وفي هذا السياق، ترى “منظمة العفو الدولية” لحقوق الإنسان أن الإقامة في باكستان تمثل حاليا بالنسبة إلى النساء والفتيات الأفغانيات الفرصة الوحيدة للالتحاق بالتعليم العالي، لكنهن لسن بمأمن من عمليات الترحيل والإجراءات التعسفية من قبل السلطات.

لكن عموما، مع حلول فصل الشتاء، فإن العودة التدريجية للأفغان بهذا العدد الكبير ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المأساوية أصلا في أفغانستان، حيث تكافح البلاد من التأثير المدمر لسلسلة من الزلازل التي ضربت مقاطعة هيرات الشهر الماضي، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1.400 شخص وأصيب 1.800 آخرون، بحسب الأرقام الرسمية.

وطبقا لـ”مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية”، يحتاج حاليا 30 مليون شخص تقريبا من أصل 43 مليون، إلى مساعدات الإغاثة في أفغانستان، وهناك أيضا 3.3 مليون مشرّد داخليا.

ونظرا لفشل “طالبان” في نمط حكمها وتغيير عقليتها وسياستها أو الوفاء بوعودها كما كانت تزعم، فإن مصير هؤلاء النازحين الأفغان يبدو غامضا بالفعل، ويثير مخاوف كبيرة من أنهم سيعيشون مرة أخرى تحت وطأة عنف “طالبان” الإسلاموية المتشددة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة