طفت أزمة اللاجئين الأفغان المتواجدين في باكستان على السطح خلال الفترات الأخيرة، وذلك في ضوء التوجه الحكومي الباكستاني نحو ترحيل كافة اللاجئين غير الشرعيين المتواجدين على أراضيها، وارتبطت خصوصية حالة اللاجئين الأفغان في باكستان، بكونهم يمثّلون النسبة الأكبر من اللاجئين الموجودين على الأراضي الباكستانية، إذ يوجد نحو 1.73 مليون أفغاني في باكستان.

وهو ما يعني أن قرار ترحيل مئات الآلاف من هؤلاء يمثل تهديدا وجوديا لهم، خصوصا في ظل التوجهات المتطرفة الموجودة في أفغانستان حاليا تحت حكم حركة “طالبان”، ويطرح هذا التوجه الباكستاني العديد من التساؤلات حول الحيثيات الخاصة بهذه الخطة، فضلا عن طبيعة الاعتبارات والدوافع التي تقف خلفها، ومدى التهديد الذي تحمله هذه التحركات.

باكستان وترحيل اللاجئين الأفغان

بدأت السلطات الباكستانية منذ الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري في الترحيل القسري لعشرات الآلاف من اللاجئين الأفغان المتواجدين على أراضيها، وقد أنشأت السلطات الباكستانية في ضوء هذا التوجه عدّة مراكز احتجاز لمئات الآلاف من الأفغان الموجودين على أراضيها بصفة غير نظامية.

An Afghan family stands by their truck, loaded with belongings as they along with others are returning home, after Pakistan gives the last warning to undocumented immigrants to leave, at the Friendship Gate of Chaman Border Crossing along the Pakistan-Afghanistan Border in Balochistan Province, in Chaman, Pakistan October 31, 2023. REUTERS/Abdul Khaliq Achakzai

وقد غادر ما يقرب من 83 ألف أفغاني باكستان طوعا في الأسابيع الأخيرة بعد تحذيرات من السلطات الباكستانية، في إجراء لم يلتفت إلى تحذيرات الأمم المتحدة في باكستان، ومطالبتها بتعليق عمليات الإعادة القسرية للرعايا الأفغان، مذكّرةً بأن أفغانستان تمرّ بأزمة إنسانية خطيرة وأن حقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، تُنتهك كل يوم، وفق تقرير لـ”فرانس 24“.

وكانت وزارة الداخلية الباكستانية قد أعلنت في 26 أيلول/ سبتمبر 2023، عن خطة لترحيل الأجانب المقيمين بشكل غير قانوني، مشيرةً إلى أن الغرض من هذه الخطوة هو وضع وجود الأجانب في باكستان ضمن الإطار القانوني. ولهذا الغرض، تم أيضا إنشاء مراكز ترحيل في الأقاليم الباكستانية الأربعة، وفق تقارير أممية.

وعلى الرغم من أن سياسة ترحيل المهاجرين غير الشرعيين تنطبق على جميع الرعايا الأجانب، إلا أن الأفغان هم الأكثر تضرّرا من حيث العدد، وبالنظر إلى حالة اللاجئين الأفغان في باكستان سوف نجد أن العلاقة بين باكستان وهذه الفئة مرت بعدد من المراحل المتقلّبة على مستوى التعامل مع هذه الحالة، فقبل عام 2006 لم يكن اللاجئون الأفغان المقيمين في باكستان بحاجة إلى وثائق قانونية. وفي ذلك العام، بدأت الحكومة إصدار بطاقات إثبات التسجيل، والتي صانتهم من الترحيل والمضايقات حتى الآن. لكن تلك البطاقات لم يتم تجديدها بعد حزيران/ يونيو 2023.

وبالنظر إلى معدّلات اللجوء الأفغاني إلى باكستان، سوف نجد أن هذه المعدلات قد تنامت بشكل كبير بعد سيطرة حركة “طالبان” على الحكم في آب/أغسطس 2021، حيث هاجر ما يقرب من 600 ألف أفغاني إضافي إلى باكستان، ولم تسمح الحكومة الباكستانية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتسجيلهم، ما جعل هذه الفئات مهددة بالاعتقال والسجن أو الترحيل.

وبحسب المفوضية، يبلغ عدد اللاجئين الأفغان المسجّلينَ في باكستان 1.33 مليون لاجئ وفقا لأرقام المفوضية حتى 30 حزيران/ يونيو 2023، ويعيش حوالي ثلث هؤلاء الأشخاص في 54 مخيما مسجّلا للاجئين الأفغان في جميع أنحاء البلاد، منها 43 مخيما في إقليم خيبر بختونخوا، و10 في إقليم بلوشستان، وواحد في إقليم البنجاب.

ووفقا للمعطيات المتاحة عن خطة التعامل مع المهاجرين، فإن هذه الخطة ترتكز على ثلاث مراحل رئيسية، تشمل المرحلة الأولى إعادة الأشخاص غير المسجّلين والذين تجاوزوا فترة إقامتهم، أما المرحلة الثانية فستشمل إعادة حاملي بطاقة الجنسية الأفغانية إلى وطنهم، بينما سيتم في المرحلة الثالثة إعادة الأفغان الذين يحملون بطاقات إثبات التسجيل إلى وطنهم، بما يعكس أن خطط إعادة المهاجرين الأفغان قد تمتد لتشمل جميع هذه الفئات.

أكثر من 83 ألف لاجئ أفغاني عادوا إلى بلادهم منذ الأول من كانون الثاني/ يناير 2023، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة.

وتشير أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة، إلى أن أكثر من 83 ألف لاجئ أفغاني عادوا إلى بلادهم عبر حدود إقليمي مدينة تورخام في إقليم خيبر بختونخوا، ومدينة تشامان في إقليم بلوشستان منذ الأول من كانون الثاني/ يناير 2023، وكان بين العائدين 88 بالمئة من اللاجئين غير المسجّلينَ، و9 بالمئة ممن يحملون بطاقات إثبات التسجيل، و3 بالمئة من حاملي بطاقات الجنسية الأفغانية.

دوافع باكستانية عديدة

لا يمكن قراءة الخطوات المتصاعدة من الحكومة الباكستانية لترحيل اللاجئين الأفغان إلى بلادهم، بمعزل عن السياقات السياسية والأمنية التي تأتي هذه الخطوات في كنفها، خصوصا ما يتعلق بالتحولات التي طرأت على علاقة الحكومة الباكستانية بحركة “طالبان” في مرحلة ما بعد وصولها للحكم.

فعلى الرغم من كون باكستان تاريخيا كانت داعما رئيسيا لـ”طالبان”، إلا أن العلاقات بين الجانبين شهدت بعض التحولات اللافتة في مرحلة ما بعد آب/أغسطس 2021، ويمكن قراءة أبرز الدوافع والاعتبارات التي تقف خلف هذه الخطوة، وفق عدة نقاط.

الأولى، تتمثل في التهديد الأمني والضغط الاقتصادي، حيث ساقت الحكومة الباكستانية في إطار محاولة تمريرها لخطوة إعادة اللاجئين الأفغان إلى بلادهم، سردية رئيسية تقوم على أن فئات عديدة من المهاجرين الأفغان تمثّل تهديدا أمنيا كبيرا بالنسبة للدولة الباكستانية.

وفي هذا السياق أشارت بعض التقارير إلى أن مواطنين أفغان نفّذوا 14 من 24 تفجيرا انتحاريا هزت باكستان هذا العام، كذلك أشار بعض المسؤولون في باكستان إلى أن سلطات البلاد لا تتلقى الدعم الاقتصادي الكافي بما يتلائم والأعداد الكبيرة لهؤلاء، بمعنى أن هذه الفئات تمثّل عبئا اقتصاديا كبيرا على الدولة الباكستانية، وتحاول الحكومة الباكستانية تمرير هذه الخطوة استغلالا لعدم كونها طرفا في اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين والبروتوكول الخاص بوضع اللاجئين، واللذان لا يجيزان إعادة اللاجئين قسرا إلى مكانٍ تكون فيه حريتهم وحياتهم مهددة.

النقطة الثانية، تتمثل في رعاية “طالبان” لـ “تحريك باكستان”، حيث انخرطت “طالبان” الأفغانية في الملف الباكستاني في الفترات الأخيرة بشكل كبير، خصوصا ما يتعلق بالعلاقة بين الحكومة الباكستانية و”طالبان” فرع باكستان والتي تُعرف بـ “تحريك طالبان باكستان”، سواءً على مستوى لعب دور الوساطة بين الجانبين، أو استضافة جولات التفاوض بينهما على أراضيها.

لكن وعلى الرغم من ذلك لم تنظر باكستان في أي لحظة من اللحظات إلى “طالبان” أفغانستان على أنها طرف محايد، بل نظرت إليها على أنها راعي مباشر لـ”طالبان باكستان”، خصوصا وأن أفغانستان في ظل حكم “طالبان” باتت تُعد بيئة حاضنة لأعضاء حركة “تحريك طالبان”.

ووفقا للتقرير الثلاثين للجنة مراقبة العقوبات التابعة لمجلس الأمن المفروضة على تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، الصادر في حزيران/ يونيو 2022، فإن الأراضي الأفغانية تضم نحو 4000 مقاتل أجنبي تابع لحركة “تحريك باكستان”. ويعتبر هذا أكبر عدد من المقاتلين الأجانب المنسوبين إلى حركات وجماعات أخرى إرهابية ومتطرفة في أفغانستان، وفق ما نقلته “العين الإخبارية”.

أيضا فقد ساهم وصول “طالبان” إلى الحكم في أفغانستان، في استعادة “طالبان باكستان” لقوتها، وهو ما يمكن استقراؤه في ضوء بعض المؤشرات الرئيسية حيث تم إطلاق سراح المئات من سجناء “طالبان الباكستانية” الذين كانوا مُحتجزين في سجون كابول.

شروع باكستان في إجراءات ترحيل اللاجئين الأفغان، يأتي في ضوء بعض الاعتبارات ومنها ما يرتبط بالأعباء الأمنية والاقتصادية، فضلا عن العلاقات المتوترة بين باكستان و”طالبان” إثر رعاية الأخيرة ودعمها الكبير لـ”طالبان باكستان”.

كذلك حصلت الحركة في باكستان على أسلحة ومعدات عسكرية حديثة عقب انهيار حكومة أشرف غني، واستقر العديد من عناصرها في أفغانستان باعتبارها منصّة انطلاق لهجماتهم ضد الحكومة الباكستانية، وتم استغلال المناطق الحدودية الوعرة في أفغانستان كأوكار لشنّ الهجمات عبر الحدود في باكستان.

حالة التوتر الكبيرة بين الشعبين

لا يقتصر رفض اللاجئين الأفغان المتواجدين على الأراضي الباكستانية على حدود الموقف الحكومي الذي ينطلق من اعتبارات أمنية واقتصادية بشكل رئيسي، لكنه يمتد إلى القطاعات الشعبية، وقد كشفت مباراة كريكيت التي عُقدت في أيلول/ سبتمبر 2022 ضمن مباريات كأس آسيا 2022 حالة العِداء العميقة بين شعبَي البلدين.

فقد قام المشجعون الأفغان بعد خسارة فريقهم في المباراة بأعمال شغب عدوانية ضد الباكستانيين، وتم تبادل الاتهامات على وسائل التواصل الاجتماعي بين الجانبين، حيث وصف الباكستانيون الأمة الأفغانية بأنها “ناماك حرام” أي “خائن” وأن الأفغان الذين يعيشون لسنوات كلاجئين في باكستان ناكرين للمعروف، في حين جاء رد الأفغان عليهم باعتبارهم “إرهابيين” دعموا حركة “طالبان” لسنوات، وقدموا لقياداتها المأوى على أراضيهم.

إجمالا يمكن القول إن شروع الحكومة الباكستانية عمليا في إجراءات ترحيل اللاجئين الأفغان المتواجدين على أراضيها، يأتي في ضوء بعض الاعتبارات الرئيسية ومنها ما يرتبط بالأعباء الأمنية والاقتصادية المترتبة على تنامي معدلات اللجوء الأفغاني إلى باكستان.

لاجئون أفغان يصلون في شاحنات وسيارات لعبور الحدود الباكستانية – الأفغانية بتشامان في 31 أكتوبر 2023 “أ.ف.ب”

هذا فضلا عن العلاقات المتوترة بين باكستان وحكومة “طالبان” إثر رعاية الأخيرة ودعمها الكبير لـ”طالبان باكستان”، لكن هذا التوجه يطرح من جانب آخر تداعيات سلبية كبيرة على مستوى ما سيواجهه هؤلاء من تسلّط واضطهاد في أفغانستان تحت حكم “طالبان”، خصوصا وأن العديد من هذه الفئات معارضة لحكم الحركة المتشددة في أفغانستان، بجانب الانتهاكات الأخرى الخاصة بالنساء والأطفال في أفغانستان على يد حكومة “طالبان”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات