بحسب استطلاع للرأي أُجري داخل فلسطين حول الثقة في حركة “حماس”، قبل يوم من الهجوم المباغت الذي شنّته الحركة على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تبين أن الثُلثين لا يثقون بـ”حماس” وأنهم يحمّلونها مع إسرائيل مسؤولية الحصار الذي يعيشون فيه.

وترى الباحثة الأميركية الفلسطينية أماني جمال، الأستاذة في جامعة “برينستون” الأميركية، بناء على استطلاع الرأي الذي أجرته شبكة “الباروميتر العربي” البحثية بالشراكة مع “المركز الفلسطيني للأبحاث السياسية والمسحية”، ومجلة “فورين أفيرز” الأميركية، وبدعم من الصندوق الوطني الأميركي للديمقراطية، إنه “إذا كان سكان قطاع غزة يخضعون لحصار تفرضه إسرائيل منذ عام 2007 بعد سيطرة حماس على القطاع، فإن ثلثيهم لا يثقون بقدرة حماس، التي يتهمونها بالتسلط والفساد، على تحسين مصيرهم”.

67 بالمئة لا يثقون بـ “حماس”

نحو ذلك، بيّنت جمال عند استقبالها وكالة “فرانس برس” في جامعة “برينستون”، أنه “قبل هجمات 7 أكتوبر كان 67 بالمئة من فلسطينيي غزة لا يثقون أو قلّما يثقون بحماس”.

وتشير هذه النتيجة، وفق رأيها، على أنه “لا يجب بالتالي اعتبار قطاع غزة بكامله مسؤولا عن الأعمال المروّعة التي ارتكبتها حماس” المصنّفة حركة “إرهابية” لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

أماني جمال عميدة كلية الشؤون العامة والدولية في جامعة برينستون الأميركية- © براين سميث / أ ف ب

وشملت الدراسة التي تحمل عنوان “ما رأي الفلسطينيين الحقيقي في حماس؟”، 790 شخصا في الضفة الغربية و399 شخصا في قطاع غزة، وأجريت بين نهاية أيلول/ سبتمبر و6 تشرين الأول/ أكتوبر وتوقفت عند شنّ “حماس” هجومها على إسرائيل في السابع من الشهر ذاته.

وأسست أماني جمال مع زميلها مايكل روبينز مشروع “البارومتر العربي” الذي يجري تحقيقات اجتماعية واستطلاعات رأي كلّ سنتين منذ العام 2006 في 16 دولة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

هذا ونشر الباحثان قبل شهر استخلاصاتهما غير المتوقعة في مجلة “فورين أفيرز”. ويمكن أن تفسر هذه النسبة سبب إقدام “حماس” على الهجوم لخلط الأوراق، خاصة أنها لم تكن قادرة على تحسين الوضع المعيشي للناس الذين تزايد تملّملهم بسبب غياب أبسط مقومات الحياة خلال الحصار والتهديدات الأمنية وانسداد آفاق التغيير، وكل هذه العناصر سببها قرار “حماس” الانفراد بحكم غزة.

“حماس” ليست وحدها المكروهة فلسطينيا؛ فسلطة الرئيس محمود عباس هي نفسها تحظى بأدنى نسب الثقة لدى الشارع في غزة، طبقا لأماني جمال.

وتابعت جمال، “يقول سكان الضفة الغربية وغزة في استطلاع الرأي هذا إن سبب ما آلت إليه الأوضاع هو فساد حكومتيهما، بالإضافة إلى الحصار الإسرائيلي”، مشيرة بصورة خاصة إلى تراجع تأييد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي انتُخب عام 2005 ولا يحظى اليوم إلا بـ”9 بالمئة” من الآراء الإيجابية.

“حماس” سلطة فاسدة

اللافت، هو إشارة جمال إلى أنه في قطاع غزة قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر “أعلن ثلثا المستطلَعة آراؤهم أنه لم يكن لديهم ما يكفي لإطعام عائلاتهم خلال الأيام الثلاثين السابقة”، ما يشير إلى أن سكان غزة “معدمون” اقتصاديا ويعانون من “سلطة حماس الفاسدة”، وفق “فرانس برس”.

وشددت الأستاذة الجامعية على أن أغلب فلسطينيي غزة “ينددون بتسلّط حماس”، في حين لم تجر انتخابات منذ عام 2006، موضحة أن “60 بالمئة منهم قالوا إنه لا يمكنهم التعبير عن آرائهم بحرية وصراحة، وقال 72 بالمئة منهم إنه لا يمكنهم التظاهر سلميا خشية التعرض لأعمال انتقامية”.

بالتالي، التساؤل الذي يطرح نفسه هنا، هل تعزز عداء الرأي العام الفلسطيني تجاه “حماس” أم تراجع بعد مرور سبعة أسابيع على حرب ضارية تسببت في سقوط 1200 قتيل في إسرائيل معظمهم مدنيون قضوا في اليوم الأول من هجوم “حماس”، وحوالي 15 ألف قتيل من الجانب الفلسطيني جراء القصف الإسرائيلي المكثّف والعمليات البرية الواسعة داخل القطاع؟

8 بالمئة من الفلسطينيين المستطلعين يتمنون تسوية دبلوماسية مع إسرائيل، مع تأييد 56 بالمئة منهم حلّا على أساس دولتين.

ردّ الباحثان جزئيا على هذا السؤال في مجلة “فورين أفيرز” في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، فكتبا أن “المعاناة التي يتكبدها الفلسطينيون حملتهم على الأرجح على التطرف، ما قد يقوض على المدى البعيد السلام والاستقرار”.

وأفادت الباحثة أنه قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كان “8 بالمئة من الفلسطينيين المستطلعين يتمنون تسوية دبلوماسية مع إسرائيل، مع تأييد 56 بالمئة منهم حلّا على أساس دولتين، والنسبة المتبقية حلّا بدولة واحدة أو كونفدرالية.

ولفتت إلى أن الـ20 بالمئة المتبقين وحدهم يميلون إلى “المقاومة المسلحة”. هذا ويوجه الكثيرون انتقادات لـ”حماس” معتبرين أنها غامرت بتنفيذ هجوم كبير دون أن تحسب حسابا للرّد الإسرائيلي، وأنها فكّرت في مصالحها الخاصة دون أن تفكر في مصالح عموم المدنيين.

هذا وتعتمد “حماس”، بحسب تقارير صحفية على تمويلات من قطر لدفع رواتب موظفيها، بينما يئنّ معظم سكان قطاع غزة تحت وطأة الفقر والبطالة ويحمّلونها مسؤولية توظيف الأموال في قمع معارضيها في وقت تزداد فيه الأوضاع المعيشية تدهورا.

كما وشهدت غزة أكثر من حراك شعبي اجتماعي خلال السنوات الأخيرة ضد الفساد والانقسامات وتردي الأوضاع، لكن الحركة الإسلامية التي تتلقى دعما من إيران وقطر واجهت بالقوة كل تحرّك مندّد بالظلم وسوء المعيشة وبالتضييّق على الحريات. وتحكم “حماس” قطاع غزة منذ عام 2006، علما أن عدد سكانه يزيد قليلا على المليوني نسمة.

استطلاعات سابقة

استطلاع أماني جمال وزميلها ليس الوحيد الذي يشير إلى تراجع ثقة الفلسطينيين بـ “حماس”، ففي يوليو/ تموز 2023، أجرى “معهد واشنطن” استطلاعا للرأي بشأن “حماس” ووقف إطلاق النار، تبيّن من خلاله أن قرار الحركة بخرق وقف إطلاق النار لم يلقَ شعبية.

وفي حين أن أغلبية سكان غزة، 65 بالمئة، اعتبروا أن من المحتمل حدوث صراع عسكري كبير بين إسرائيل و”حماس” في غزة هذا العام، أيّدت نسبة مماثلة، 62 بالمئة التزام “حماس” بوقف إطلاق النار مع إسرائيل.

وعلاوةً على ذلك، وافق النصف، 50 بالمئة على الطرح الآتي: “يجب أن تتوقف حماس عن الدعوة إلى تدمير إسرائيل، وأن تقبل بدلا من ذلك بحل الدولتين الدائم على أساس حدود عام 1967”.

 وإلى ذلك، فقدت حركة “حماس” شعبيتها مع مرور الوقت لدى الكثير من الشعوب العربية في مختلف أنحاء المنطقة. وشكّل ربما هذا التراجع في الشعبية أحد العوامل المحفّزة التي دفعت الجماعة إلى اتخاذ قرار شنّ الهجوم على إسرائيل، وفق المعهد الأميركي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات