ليلة دامية من الاشتباكات، جرت مساء الثلاثاء، بين فريق خاص أرسلته “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) لاعتقال القيادي المنشق، الرجل الثالث في الهيئة، جهاد عيسى الشيخ. المعروف بـ”أبو أحمد زكور”. ونتيجة لتلك الاشتباكات استطاعت “تحرير الشام” من اعتقال زكور بعد مداهمة مقرٍّ كان يختبئ فيه داخل مدينة اعزاز في حلب السورية. لكن قوة من الأمن التركي و”الجيش الوطني السوري” تمكّنت من تحرير زكور من أيدي “تحرير الشام” في منطقة عفرين قبل اقتياده إلى إدلب، حيث تقع مناطق سيطرة الهيئة. 

وأفادت مصادر خاصة لـ”الحل نت” أن خبر اختباء زكور مع إخوانه وأقاربه من عشيرة البكارة في منزل يقع شرق مدينة اعزاز، صحيح، كما تسلّلت مجموعات من “تحرير الشام” إلى اعزاز بتسهيل من “الفرقة 50” التي انفصلت عن الفيلق الثالث ومتهمة بالانتماء إلى “تحرير الشام”.

واستمرت الاشتباكات التي دارت، مساء أمس الثلاثاء، لمدة ساعتين، وسقط فيها قتلى وجرحى من عناصر الطرفين، بحسب ما أعلنته قناة “إدلب بوست” على منصة “تلغرام” المقربة من زكور. 

القناة أشارت إلى أن  زكور سلّم نفسه وأصيب شقيقه خلال الاشتباكات. وأكدت العديد من المصادر المحلية هناك، أن قوة مشتركة من الأمن التركي والشرطة العسكرية أوقفت رتل “تحرير الشام” وتمكّنت من تحرير زكور ونقله إلى معبر “حوار كلس” العسكري على الحدود التركية شمالي مدينة اعزاز، والتي تعتبر المربع الأمني ​​لفصائل الشمال السوري.

بالعودة إلى المصادر الخاصة، فقد قالت لـ”الحل نت”، إن هذه العملية ككل تمت بالتنسيق بين “تحرير الشام” والمخابرات التركية، بهدف قيام الأخيرة باعتقال زكور دون تدخل مباشر.

كما رجّحت مصادر أمنية خاصة (فضلت عدم ذكر اسمها) أنه عندما أعلن زكور خروجه من “تحرير الشام”، بسبب انتهاكات وتجاوزات الأخيرة وسعيها للهيمنة على كافة مناطق فصائل “المعارضة السورية”، وتوطيد السلطة بكامل مناطقهم وبدعم تركي، يبدو أنه لم يعجب هذا تركيا أو “تحرير الشام”، نظراً لأن هذا الانشقاق يضر بشكل كبير بسمعة الهيئة ومشروعها المشترك مع تركيا. وكانت هناك مخاوف من جانب الهيئة من أن يفضح زكور سجل “تحرير الشام” الحافل بالانتهاكات وقائدها أبو محمد الجولاني، ولهذا السبب تم اتخاذ قرار اعتقاله بشكل متشابك وبالتنسيق ما بين “تحرير الشام” والقوات الأمنية التركية، وفصائل “الجيش الوطني السوري”. 

من صفحة قبيلة البكارة الهاشمية على منصة “فيسبوك”

هذا ونشرت قبيلة البكارة التي يتحدر منها زكور قبل ساعات بياناً مفاده أن مجموعة عسكرية (تابعة لهيئة تحرير الشام) دخلت منطقة “درع الفرات” وحاصرت أحد وجهاء القبيلة (الشيخ أبو أحمد زكور) في منطقة اعزاز، واستخدموا كافة أنواع الأسلحة لاعتقاله ومن معه، حيث أصيب شقيقه قتيبة أبو عيسى وتم نقله إلى تركيا.

وذكر بيان قبيلة البكارة أن الهيئة لم يكتفي بذلك، بل توجهت مجموعات لمحاصرة ضيافة الشيخ يوسف العربش في منطقة الدانا بإدلب (مناطق سيطرة تحرير الشام)، واحتجزته واعتقلته مع اثنان وعشرون شاباً، دون توضيح الأسباب.

وخلص بيان القبيلة إلى “أننا لا نقبل هذه الأعمال والتصرفات التي لا علاقة لها بالدين أو الثورة أو العادات القبلية، فهناك طرق أخرى يمكن من خلالها حل النزاعات والخلافات دون التحكيم لقوة السلاح وترهيب المدنيين الآمنين”.

وقبل نحو نصف ساعة بثت قناة “إدلب بوست” تسجيلاً صوتياً قالت فيه إنه لزكور، داعياً فيه كل عنصر ضمن “تحرير الشام” وأبناء العشائر في صفوفها، إلى الانشقاق من الجماعة وهدد بالإفراج عن (الشيخ يوسف الأربش) سواء بالحسن أو بالقوة، وقال زكور: “إلى كل أخ مجاهد صادق مع تحرير الشام وأبناء القبائل والعشائر العربية في صفوفهم، ندعوكم إلى التخلي عن هيئة عميل الشام، فلن ينفعكم لا الرواتب ولا الجولاني، ولا الحدود. نصيحة لوجه الله فأنا أكثر الناس خبرة بينهم. هيئة تحرير الشام جماعة إجرامية وكذبة كبيرة”.

زكور يفضح الجولاني

في المقابل، بثت قناة “إدلب بوست” تسجيلات صوتية لزكور وهو يشتم زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني والقائد الثاني في الهيئة أبو أحمد حدود، وغيرهم من قادة الصف الأول، و كاشفاً أن “جبهة النصرة” مسؤولة عن تفجير “معبر أطمة” عام 2016 والذي أودى بحياة العشرات من مقاتلي “الجيش الحر” والمدنيين.

هذا بالإضافة إلى تفجيرات سيارات مفخخة أخرى في مدينة الأتارب و”الفوج 46″ غربي حلب، أثناء قتالهم مع مجموعات عسكرية من حركة “نور الدين الزنكي”.

سكرين شوت من قناة “إدلب بوست” على تيلغرام

اللافت، أن زكور توعّد خلال التسجيلات بكسر شوكة الجولاني والمتشبث بـ”الكرسي” وفق وصفه، وفضح جرائمه ومحاربته إعلامياً وعسكرياً وعشائرياً. كما وأكد زكور على أنه هو الشخص الوحيد الذي مهّد الطريق أمام الجولاني ليكون زعيماً على “تحرير الشام”.

لكن مسألة فضح زكور الواقع بين يد تركيا حالياً، يبدو صعباً، نظراً لأن كشف ملفات كبيرة من قِبل زكور قد لا يكون مقبولاً لدى الجانب التركي، خاصة وأن زكور كان مطّلع على ملفات كبيرة بحكم مسيرته الطويلة داخل “تحرير الشام”، وتحكمه بملفات حساسة كان يديرها، سواء ضد الهيئة أو المكونات العسكرية الأخرى أو فيما يتعلق بالهيمنة على كل ماهو في المحرر لاسيما اقتصادياً. وتركيا من جانبها لا تريد أن تضعف الهيئة، خاصة في هذا التوقيت. بل تريد أن يكون الجولاني هو الزعيم الوحيد في مناطق المعارضة، وأن تبرزه كورقة ابتزاز أمام أي مفاوضات تجريها سواء مع حكومة دمشق أو غيرها.

كما يعتبر الجولاني أبرز حلفاء تركيا، وتتبع “تحرير الشام” الولاء الكامل لأجندات أنقرة ومصالحها، والأخيرة بدورها قامت بحمايتها من أي محاولات انقلابية سابقة، فضلاً عن قمع أصوات التظاهرات الشعبية التي خرجت ضد “تحرير الشام”، وهو ما يكشف عن مدى التعاون بين المخابرات التركية و”تحرير الشام” للقضاء على وتصفية الأجنحة مثل (أبو ماريا القحطاني وأبو أحمد زكور) التي قد تشكل ضغطاً أو عبء تنظيمي عليها، والسيطرة على نفوذها وإمكانية فقدان دورها، وهو ما لا تريده تركيا على الإطلاق.

وتدعيماً لذلك، هنأت “تحرير الشام” الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بمناسبة فوزه بالانتخابات الرئاسية التركية. وقالت في بيان نشر حينها باللغتين العربية والتركية، قالت فيه: “نرجو من الله أن يجلب هذا الفوز المزيد من الأمن للشعب التركي، ودعم قضية الشعب السوري وثورته، ويعزز موقف ودور تركيا في دعم المظلومين في جميع أنحاء العالم”.

هذا ومنذ ليلة أمس الثلاثاء وثمّة حالة من الاستنفار والتوتر بين فصائل “الجيش الوطني”، حيث نشر الجيش التركي عدداً من الدبابات على مداخل منطقة ريف حلب وقرب منطقة كفرجنة على مشارف مدينة أعزاز.

إضافة إلى إغلاق “الجيش الوطني” معبر الغزاوية الذي يفصل بين ريف حلب الغربي وعفرين، ومعبر دير البلوط الواقع بين منطقة جنديرس و أطمة في ريف إدلب الشمالي، وفيما بعد أعيد فتح المعبرين تدريجياً أمام المدنيين.

انشقاق زكور عن الهيئة

منتصف كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أعلن “أبو أحمد زكور”، خروجه من الهيئة، بعد خلافات وانقسامات دامت بينه والجولاني.

وعزا زكور، في بيان له، قبل نحو أسبوع، خروجه إلى “سياسة التخوين والتغلّب على فصائل المعارضة التي تتّبعها الهيئة”. وكان الشيخ قد تسلّم مؤخراً ملف العلاقات مع فصائل “الجيش الوطني السوري”، لافتاً إلى أن أسباب رحيله مرتبطةٌ بهذا الملف أيضاً.

وبحسب زكور، فإن الهيئة تسعى إلى الهيمنة على جميع الفصائل، والسيطرة العسكرية والأمنية والاقتصادية على مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” بريف حلب.

ويُعتبر زكور الرجل الثالث في “تحرير الشام”، ويأتي خروجه بعد أربعة أشهر من الإطاحة بالرجل الثاني في الهيئة “أبو ماريا القحطاني”، وتجميد عضويته “لإساءة استخدام اتصالاته”، بحسب بيان لـ “الهيئة”.

وظهرت الخلافات تدريجياً منذ أشهر، على خلفية ملف “العمالة” ووجود اختراقات كبيرة في صفوف الهيئة، والتعامل مع أطراف خارجية وداخلية، بينها حكومة دمشق وروسيا وقوات التحالف الدولي.

هذا وثمّة أنباءٌ غير مؤكدة حول مقتل “القحطاني” على يد “تحرير الشام”، فيما أفادت رواياتٌ لناشطين أن عدداً من القيادات العسكرية والأمنية المحسوبة على “الهيئة” تمكّنوا من الفِرار خلال الأيام الفائتة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة