أثار نبأ مقتل ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري بشار الأسد وقائد “الفرقة الرابعة”، إحدى أقوى وحدات الجيش السوري وأكثرها وفاء للأسد، موجة من التكهنات والجدل في سوريا والمنطقة عموما.

الإعلان عن وفاة ماهر الأسد، الذي كان يعتبر على نطاق واسع ثاني أكثر الشخصيات نفوذا في منظومة الحكم السورية بعد شقيقه، والذي لعب دورا رئيسيا في قمع الاحتجاجات والحرب التي اندلعت عام 2011، كان نقلاً عن مصادر وأسباب مختلفة ومتضاربة.

حتى الآن، لم يصدر تصريح رسمي من الدولة السورية، لكن إذا ما تأكد نبأ مقتل ماهر الأسد، فإنه من المؤكد سيغير مجريات كثيرة داخل سوريا وخارجها، على المستوى السياسي والعسكري على حد سواء، ولكن الأهم في الوقت الراهن: ما هي الرواية الرسمية لمقتل الأسد، وهل تقف إيران وراء ذلك؟

إسرائيل تعلن وفاة الأسد

زعمت بعض التقارير أن ماهر الأسد قُتل في غارة جوية إسرائيلية استهدفت منزلا في الديماس، وهي منطقة قريبة من دمشق العاصمة، حيث كان يقيم في فيلا عمه جميل الأسد، نائب الرئيس السابق والحليف المقرب من الأسد الأب. 

إيران أم السرطان من قتل ماهر الأسد؟ (1)
ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد. (إنترنت)

وذكرت التقارير أن الهجوم الإسرائيلي جاء ردا على إطلاق الصواريخ مؤخرا من سوريا على شمال إسرائيل، والذي نسب إلى الميليشيات المدعومة من إيران العاملة في سوريا.

هذه التكهنات جاءت استنادا كون ناشر الخبر، هو الصحفي الإسرائيلي، إيدي كوهين، الذي كتب على حسابه في منصة “إكس” (تويتر سابقا): “أمانة عليك بلغ تحياتنا للسيد الوالد وقاسم سليماني”، في إشارة لمقتله.

“المرصد السوري لحقوق الإنسان”، ذكر من جهته إن انفجارات عنيفة دوت غرب العاصمة السورية، دمشق، ليل الجمعة السبت، بسبب غارات في منطقتي الديماس ومشروع دمر، مشيرا إلى “معلومات عن اغتيال شخصيات من جنسيات غير سورية”.

وقال “المرصد السوري” عبر موقعه: “دوت انفجارات عنيفة ناجمة عن غارات إسرائيلية في منطقتي الديماس ومشروع دمر حيث استهدفت الغارات بناء سكني غربي العاصمة السورية دمشق، وسط معلومات عن اغتيال شخصيات من جنسيات غير سورية”.

ولم يصدر تعليق من الجيش الإسرائيلي بشأن شن أي غارات في سوريا، إلا أن نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة بين الأطراف المتحاربة في سوريا، فاديم كوليت، أعلن أن مقاتلتين إسرائيليتين قصفتا بنية تحتية عسكرية في منطقة مطار الديماس بريف دمشق بأربع قنابل موجهة.

وقال كوليت: “شنت مقاتلتان تكتيكيتان من طراز “إف-35” تابعتان لسلاح الجو الإسرائيلي في 10 فبراير، من الساعة 01:01 صباحا، من الجزء الجنوبي من مرتفعات الجولان، دون دخول المجال الجوي السوري، غارة جوية بأربع قنابل موجهة على البنية التحتية العسكرية في منطقة مطار الديماس، وتسببت الغارة الجوية الإسرائيلية بأضرار مادية”.

السرطان أم إيران؟

رواية مقتل ماهر الأسد بغارات إسرائيلية استبعدتها مصادر دبلوماسية في الحكومة السورية، ورجحت هذه المصادر في حديثها لـ”الحل نت”، أنه إذا ما كان موت شقيق الرئيس السوري صحيحا، فقد يكون توفي متأثرا بمرض السرطان الذي كان يعاني منه منذ فترة طويلة.

إيران أم السرطان من قتل ماهر الأسد؟ (5)
بشار الأسد (وسط)، وشقيقه الأصغر ماهر (يسار) شوهدوا في جنازة والدهم حافظ الأسد في 13 يونيو 2000. (رويترز)

المصادر ذكرت أن ماهر الأسد كان يتلقى العلاج في روسيا، الحليف والداعم الرئيسي لحكومة دمشق، حيث عاد الأسد إلى سوريا قبل وقت قصير من وفاته.

لكن سيناريو ثالثا وأكثر شرا ظهر من مصدر عسكري في الجيش السوري، تحدث لـ”الحل نت” شريطة عدم الكشف عن هويته، وادعى أنه يمتلك معلومات موثوقة وحصرية حول الظروف الحقيقية والدوافع وراء وفاة ماهر الأسد.

وبحسب المصدر، فإن ماهر الأسد اغتيل على يد الضابط السوري اللواء بسام مرهج الحسن، اليد الضاربة لإيران وروسيا على حد سواء في القصر الجمهوري، وهو أيضاً أحد المقربين والمستشارين للرئيس بشار الأسد.

وقال المصدر إن الاغتيال يرجح بشكل كبير تم تنفيذه بأوامر من إيران، صاحبة الوجود والنفوذ القوي والمتغلغل في سوريا، من خلال “الحرس الثوري” الإيراني ووكلائه، مثل “حزب الله” والميليشيا الشيعية اللبنانية والسياسيين، وميليشيات شيعية مختلفة من العراق وأفغانستان وباكستان وأماكن أخرى.

وأوضح المصدر أن السبب الرئيسي وراء قيام إيران بتدبير عملية قتل ماهر الأسد هو القضاء على منافس محتمل وتهديد لمصالحها وأجندتها في سوريا والمنطقة، وتعزيز سيطرتها وهيمنتها على الجيش السوري وحلفائه.

إيران ووفقا للمصدر العسكري السوري، أصبحت متشككة ومستاءة بشكل متزايد من مقتل قادة “الحرس الثوري” في سوريا، حيث اتهمت السلطة السورية بتسريب معلومات حساسة وحيوية لإسرائيل حول مواقع وتحركات “الحرس الثوري” الإيراني ووكلائه في سوريا، مما مكن إسرائيل من شن ضربات دقيقة وفعالة ضدهم، متسببة بخسائر وأضرار فادحة.

وقال المصدر إن إيران قررت التحرك ضد ماهر الأسد بعد مقتل رضي موسوي، أقدم مستشاري “الحرس الثوري” في سوريا وحجة الله أميدار، و يعرف أيضا بـ أميد زادة، واسمه الحركي “حاج صادق” مسؤول الاستخبارات بـ”فيلق القدس” في سوريا.

وقال المصدر إن إيران اتهمت ماهر الأسد وفرقته الرابعة بتقديم معلومات استخباراتية للولايات المتحدة أدت إلى رفقاء قاسم سليماني، الذي تعتبرهم إيران أبطالا قوميا وذخرا استراتيجيا، وتربطهم علاقة وثيقة مع وكلائهم في المنطقة.

تزييف موت ماهر الأسد

وفقا لحديث المصدر الذي لم يتأكد “الحل نت” من صحة كلامه من مصدر آخر، فإن اختيار اللواء بسام مرهج الحسن لتنفيذ عملية اغتيال ماهر الأسد، لأنه عميل موثوق ومخلص لإيران وروسيا، ولأنه كان لديه ضغينة وعداوة شخصية ومهنية مع ماهر الأسد، الذي كثيراً ما قوض وتحدى سلطته ونفوذه في الأجهزة الأمنية السورية.

اللواء بسام مرهج الحسن مدير المكتب الأمني والعسكري في القصر الجمهوري. (إنترنت)

وطبقا للمصدر فقد جرى تسريب موقع فيلا جميل الأسد لإسرائيل وزرع عناصر أجنبية فيها، من أجل التنسيق بعد ذلك مع وسائل الإعلام لنشر التقارير حول وفاة ماهر الأسد بغارة جوية إسرائيلية، وذلك للتغطية على تورطه وصرف الأنظار واللوم عن إيران.

الحسن الذي ينحدر من بلدة شين بريف حمص، يعمل حاليا مدير المكتب الأمني والعسكري في القصر الجمهوري الذي يتولاه منذ عام 2008، وكان مسؤولا عن الإشراف على “الوحدة 450” في البحوث العلمية 2008 التي تعنى بقسم الأسلحة الكيماوية، كما تم إدراجه في قوائم العقوبات البريطانية والأوربية والكندية والأميركية، وخاصة فميا يتعلق بهجمات الأسلحة الكيميائية.

جدير بالذكر أن اللواء بسام الحسن يتولى رئاسة أركان قوات “الدفاع الوطني”، وهي الميلشيات التي أسسها اللجان الشعبية، والتي انتشرت في المناطق التي تسيطر عليها دمشق بحجة حمايتها، وتتمتع بدعم وتمويل سخي من جميعة “البستان” التي ترأسها أسماء الأخرس زوجة بشار الأسد، بالأسلحة من مستودعات الجيش.

ويُعرف اللواء بسام لدى عناصر الدفاع الوطني بلقب “الخال”، كونه خال صقر رستم أمين عام هذه الميليشيا التي ساهم “الحرس الثوري” في إنشائها وتدريبها، ونتج عن ذلك إقامة علاقة وطيدة بين اللواء بسام مع قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني.

عداوة ماهر الأسد مع موسكو؟

في حدث يعد نادراً، كان آخر ظهور لشقيق الرئيس السوري ماهر الأسد، في السابع من كانون الأول/ديسمبر الفائت مع مجموعة من الضباط في جولة على قطعات عسكرية، وفق مقطع فيديو بثّه ناشطون من مواليه، مرفق بتعليق من كلمة واحدة هي “المعلم”، اللقب الذي يطلقه عليه عناصره من العسكريين والميليشيات التابعة للفرقة الرابعة.

إيران أم السرطان من قتل ماهر الأسد؟ (1)
اللواء ماهر الأسد أثناء تدريبات عسكرية مشتركة روسية – سورية، في تشرين الأول/أكتوبر 2022. (إنترنت)

وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن هذا الظهور للواء ماهر الأسد هو الثاني له بعد ظهوره بلقطات سريعة أثناء تدريبات عسكرية مشتركة روسية – سورية، في تشرين الأول/أكتوبر 2022، وكان يجلس إلى جانب الضباط الروس وقد بدا عليه “عدم الارتياح” حينها.

تذهب أصابع الاتهام نحو موسكو في اغتيال ماهر الأسد، كونه لم يكن على علاقة قوية مع الضباط الروس في سوريا، حيث لا تزال سلطة ماهر الأسد داخل الجيش السوري تمثل انتكاسة أخرى تعطل خطط إصلاح القطاع الأمني ​​السوري لـ”الكرملين”. 

ماهر، الأخ الأصغر لبشار، يقود الفرقة المدرعة الرابعة، وهي وحدة خاصة معظم أفرادها من الطائفة العلوية التي تنحدر منها عائلة الأسد. ووفقاً للتقييمات الروسية، يبدو ماهر صعبا باعتباره الشخص الوحيد في هيئة نظام “البعث” الذي يستطيع فرض آرائه على بشار. 

وبالعودة إلى عام 2016، ظهرت تكهنات بشكل مثير تزعم أن ماهر الأسد كان يستعد لانقلاب تدعمه طهران في دمشق. وتصوره الكتابات الروسية – مجلس الشؤون الدولية الروسي، 12 شباط/فبراير 2018 – المشار إليها صراحة على أنه “أحد القنوات الرئيسية للمصالح الإيرانية في القيادة السورية”.

كما ظهرت مواجهات ماهر الأسد مع الروس بشكل ملموس في الحواجز بين المدن، فبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فإن روسيا أمرت جميع المجموعات المسلحة التابعة للفرقة الرابعة بالانسحاب من نقاط التفتيش في أنحاء سوريا؛ لكن لم يمتثل ماهر لهذه المطالب وأمر رجاله بالإبقاء على نقاط التفتيش كالمعتاد.

الفرقة المدرعة الرابعة وماهر الأسد، وكلاهما تم فرض عقوبات عليهما مؤخرًا بموجب قانون “قيصر” لحماية المدنيين في سوريا، يشرفون على جزء كبير من اقتصاد الحرب في سوريا من خلال شبكات التهريب والميليشيات ونقاط التفتيش، بالإضافة إلى تجارة المخدرات من خلال شبكات مشبوهة.

ويسيطر المكتب الأمني ​​التابع للفرقة الرابعة، والذي يرأسه العقيد محمد العيسى، على الدوائر السياسية والتجارية وشبه العسكرية التابعة لها. وعلى الرغم من أن مقر الوحدة يقع في العاصمة دمشق، إلا أن المكتب الأمني ​​أنشأ فروعًا في كل أنحاء سوريا، بما في ذلك موانئ طرطوس واللاذقية، فضلاً عن المراكز السكانية الرئيسية مثل حلب ومصياف وحمص. 

إن اغتيال ماهر الأسد سيحدث صدمة كبيرة وفراغاً في السلطة لدى الحكومة السورية وحلفائها، كما أنه سيضعف ويقوض بشكل كبير مكانة ونفوذ الرئيس بشار الأسد الذي ربما حاليا إذا ما تأكد خبر وفاة ماهر، سيفقد شقيقه وقائده وحاميه الأكثر ثقة وقدرة على تأمينه، فضلا عن أن وفاة ماهر الأسد ستكون حدثاً كبيراً ودراماتيكياً يمكن أن يكون له تأثير عميق ودائم على مستقبل سوريا والمنطقة، ويمكن أن يغير موازين وديناميكية القوى والمصالح في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة