لن يجد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أفضل من الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، ليقدّم له المبررات كي يخوض حرباً واسعة على لبنان، وهذا ما تشير إليه توقّعات أكثرية المراقبين نتيجة ارتفاع منسوب التوتر على جبهة الجنوب اللبناني بين إسرائيل و”الحزب”. 

بات واضحاً أن قواعد الاشتباك لم تعد محترمة من الجانبين، إذ طال القصف العمقَين الإسرائيلي واللبناني، وقد سُجّلت خسائر بشرية على الضفتين.

وليس سرّاً أن تهديدات المسؤولين الإسرائيليين تعطي انطباعاً بأن صبرهم نفد، وترافق ذلك مع نقل فِرقٍ كبيرة في الجيش الإسرائيلي من غزة إلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية. في المقابل، أطلّ حسن نصرالله ليتوعّد إسرائيل بتوجيه ضربة كبيرة تُلحق خسائر بشرية بعد سقوط قتلى مدنيينَ بفعل قصف اسرائيلي للنبطية، فهل قواعد الاشتباك التي لم تعدْ محترمة وتعد بحرب وشيكة بين إسرائيل و”حزب الله”؟

موعد صدام كبير

لا شك في أن أُفق المفاوضات الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية متمثّلة بالموفد الرئاسي آموس هوكشتين، تترنّح، ولو لم تسقط نهائياً، وخصوصاً أن نقطة الخلاف بين إسرائيل و”حزب الله”، أصبحت معروفة.

زعيم حزب الله حسن نصر الله يلقي خطابا متلفزا في خربة سلم بجنوب لبنان في 14 يناير 2024، بمناسبة مرور أسبوع على مقتل القائد الميداني وسام الطويل. (تصوير محمود الزيات/وكالة الصحافة الفرنسية)

إسرائيل تريد أن يُطبّق حسن نصرالله القرار “1701” قبل نهاية الحرب، ويتراجع ما لا يقل عن 10 كيلومترات عن الحدود، مع تسلّم الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية المنطقة العازلة، فيما يشترط “حزب الله” إنهاء حرب غزة، لتبدأ المفاوضات في ما يتعلق بالقرار “1701” وترسيم الحدود البرية.

إذاً، باتت الأمور عالقة عند هذه النقطة، لذلك تطوّرت الأعمال العسكرية وباتت المخاوف مبررة من خطر اندلاع حرب واسعة، وهذا ما تحاول الدبلوماسية الأميركية والفرنسية تجنّبه.

الأستاذ في العلوم السياسية في “الجامعة الأميركية” في بيروت، الدكتور هلال خشّان، قال في حديثه مع “الحل نت”، إن إسرائيل تأخذ على محمل الجد كل تهديدات حسن نصرالله من اجتياح شمال إسرائيل، إلى إزالة إسرائيل من الوجود.

وسبب ذلك يبرّره خشّان، أنه تاريخياً  يعاني الإسرائيليون من عقدة الهولوكست أو المحرقة التي حصلت لليهود في التاريخ الحديث، ما دفع بسكّان شمال إسرائيل إلى الهرب من بيوتهم، وهذا سببٌ كافٍ لنتنياهو كي يفرض تنفيذ القرار “1701” بالقوة العسكرية وإبعاد حسن نصرالله وحزبه مسافة غير قليلة عن الحدود ليصبح شمال إسرائيل آمناً.

نصرالله وفتيل الحرب

من الواضح أن نتنياهو كان ينتظر أي خطأ من حسن نصرالله، وهو مدعوم اليوم شعبياً ودولياً، ولن يكون لديه ظروفاً أفضل من ذلك ليشنّ هذه الحرب، ويرى خشّان، أن هناك استبياناً أجرته صحيفة “معاريف” تبيّن فيه أن ما لا يقل من 71 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون عملية عسكرية ضد “حزب الله”، وهذا سببه الخوف من جبهة شمال إسرائيل التي فتحها نصرالله للتضامن مع “حماس” في غزة.

جندي إسرائيلي يوجه وحدة مدفعية بالقرب من الحدود مع لبنان في 11 يناير/كانون الثاني 2024 في شمال إسرائيل. (تصوير أمير ليفي /غيتي)

من جهته، كشف العميد المتقاعد، مارون خريش، لـ”الحل نت”، أنه ربما لا يريد حسن نصرالله الحرب، فحرب غزة لم يكن له دور فيها بل “حماس”؛ علماً أنه يتغنى بعمليتها ويعتبرها عملية فريدة من نوعها. وبالتالي لا يمكنه أن يبقى بعيداً عن محوره، وهو يظنّ أنه يستطيع التخفيف عن غزة بهذه الطريقة، ويسرق بعض المجد عبر “المقاومة”. 

ويعتبر خريش، أن هناك عوامل داخلية تتعلق ببيئته والشعبوية التي يخاطب بها جماهيره، وقد رفع السقف سابقاً بالشعارات الكبيرة وهو يرى أنه لم يعد منطقياً أن لا يكون مشاركاً في القتال.

والمسألة، وفق خريش، تتجاوز أن يكون حسن نصرالله قد قدّم مبررات لنتنياهو لشنّ حرب على لبنان، لأن بين الطرفين، إسرائيل و”الحزب” صراعاً كبيراً وعداءً تاريخياً، ولا بدّ في النهاية لأحد الفريقين أن ينكسر!

ولا يستبعد خريش أن تكون لدى نتنياهو رغبة بإضعاف “حزب الله”، لكن من خلال حرب استنزاف طويلة، ولا مؤشرات حاليا لحرب سريعة، علماً أن المخرج هو القرار “1701” الذي يُبعد عن لبنان خطر تدميره.

من جهته يؤكّد خشّان، أنه كان بإمكان حسن نصرالله عدم فتح الجبهة الجنوبية، ورغم أن القرار “1701” لم يكن مطبّقاً، إلا أن الأمور كانت هادئة طوال 17 عاماً، وهو يعرف أن ما يفعله في جبهة المساندة من أجل غزة لا يقدّم ولا يؤخّر.

لبنان على فوّهةِ بركان

حسن نصرالله من الواضح أنه تورّط في هذه الحرب انطلاقاً من السقف العالي النبرة الذي اعتمده في كلماته المتتالية منذ حرب تموز/يوليو 2006، وبالتالي لم يكن باستطاعته البقاء مكتوف اليدين. 

رئيس الجمهورية اللبنانية كيف يمارس نصرالله الرئاسة بصلاحيات استثنائية؟ (1)
دورية تابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) تمر بصور زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله (على اليمين) ورئيس البرلمان نبيه بري في قرية العديسة بجنوب لبنان على طول الحدود مع إسرائيل في 10 أكتوبر 2023. (تصوير جوزيف عيد / وكالة فرانس برس)

ويوافق الكاتب السياسي، شارل جبور، على هذه المقاربة، ويقول لـ”الحل نت”: إن نصرالله أراد الحفاظ على ماء الوجه، وهو لم يكن لديه الجرأة أن يفعل ما فعلته “حماس” رغم أن لديه قدرات تفوق عشرات المرات قدرات “حماس” العسكرية، واعتمد معادلة “قواعد الاشتباك” أو حرب المساندة كي لا يتورّط أكثر. 

ويشير جبور، إلى أنه ليس صحيحاً لو لم يدخل في الحرب كانت إسرائيل اعتدت على لبنان، ويرى العكس، إذ لو ترك “حزب الله” إسرائيل تعتدي كان موقفه اليوم أقوى في الدفاع عن لبنان وهو الذي كان يردد دائماً أن “المقاومة” في موقع دفاعي وليست في موقع هجومي. 

ويجدر التذكير هنا، أن “الحزب” هو من فتح الجبهة في 8 تشرين الأول/أكتوبر وليس إسرائيل. علماً أنه لم يستشر أحداً من القوى السياسية اللبنانية، وبالتالي دفع لبنان إلى الحرب وهو يتحمّل المسؤولية عن كل التبعات الاقتصادية والمالية والخسائر البشرية والمادية الناجمة عن هذه الحرب.

ويؤكّد جبور، أن “الحزب” لم يدخل في حرب المساندة من دون قرار إيراني لأنه موضوع استراتيجي له علاقة بالإقليم، وبالتالي لم تنصب له إسرائيل أي فخ، بل هو ذهب بقدميه إلى الحرب بقرار إيراني من جهة وحفاظاً على ماء الوجه من جهة أخرى، ليكون منسجماً مع شعاراته وأدبياته مثل (توازن الرعب، وإزالة إسرائيل من الوجود، ووحدة الساحات، وأوهن من بيت العنكبوت)، ورغم ذلك لم يستطع أن يتجنّب الإحراج.

استعدادات إسرائيلية للحرب

لا يختلف اثنان على أن الحرب واقعة لا محالة، وفق جبور، والسفراء والدبلوماسيين الذين يأتون إلى لبنان لا يفاوضون حسن نصرالله، إنما يبلّغونه رسائل إسرائيلية حازمة بأنه أمام خيارين: إما الانسحاب 10 كيلومترات نحو نهر الليطاني ثم تحصل مفاوضات لاحقاً حول ترسيم الحدود، أو سيتمّ إبعاده بالقوة العسكرية. 

حرب بلا قوانين حزب الله يعلن المعركة مع إسرائيل ويحدد شروط الهدنة! (3)
مقاتلو حزب الله يحضرون جنازة رفيقهم الذي قُتل في جنوب لبنان بنيران عبر الحدود مع القوات الإسرائيلية، خلال جنازته في مركبا في 21 ديسمبر 2023. (تصوير وكالة فرانس برس)

ولا شك في أن نتنياهو لا يعتبر هذا الأمر موضوع مفاوضات وهو غير قابل للنقاش، وهذا ما يُترجم تصعيداً عسكرياً على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية، لذلك يتحمّل نصرالله مسؤولية جرّ لبنان إلى الحرب، وتوسّع الحرب يعني التدمير الشامل على كامل المساحة الجغرافية اللبنانية، وهذا ما يُعتبر كارثة كبيرة إذا لم يبادر “الحزب” فوراً إلى تطبيق القرار “1701”.

أمام هذا الواقع الصعب الذي يتهدد اللبنانيين نتيجة مغامرات “حزب الله” وتهديدات نتنياهو الذي يستغل هذه المغامرات لتحقيق أهدافه، تكثر المطالبات الشعبية اللبنانية بنشر الجيش اللبناني على الحدود وبمؤازرة دولية، وأن يكون جنوب الليطاني خالياً من أي سلاح غير شرعي كما نصّ القرار “1701” الذي وافق عليه “الحزب”، وهذه الطريقة الوحيدة لمنع الحرب، وخلاف ذلك ستبقى حدود لبنان إيرانية وقرار الحرب بيد طهران وتل أبيب، ما يعني موتاً ودماراً وخراباً وكوارث.

وفي الختام، لا بدّ من الاعتراف بأن المنطقة تتّجه إلى مشهد جديد، لذا يعتبر جبور أنه لم يعد مسموحاً أن يكون هناك فريق سياسي مسلّح في لبنان وقراره خارجي ويعمل لمصلحة إيران لا لبنان، وليس مقبولاً أن يتخذ هذا الفريق الممثل بـ”حزب الله” قرار الحرب منفرداً وبمعزل عن اللبنانيين فيورطّهم بالكوارث ويستجلب الويلات والدمار، علماً أن اللبنانيين عاشوا، بسبب مغامرات “الحزب” خلال 17 عاماً 4 حروب في الأعوام 2006 و2008 و2011 والآن يبدو أنهم أمام حرب رابعة، وكل ذلك جعل من لبنان دولة فاشلة بامتياز.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة