هل سيعزز “داعش” وجوده في جمهورية إفريقيا الوسطى ويعلن دولته بعد الفراغ الفرنسي؟

مع مرور ما يقرب العقد من الزمن على تواجدها في الساحل الإفريقي، أعلنت هيئة الأركان العامة الفرنسية مؤخرا، خروج آخر جندي فرنسي من جمهورية إفريقيا الوسطى، ضمن المهمة اللوجستية لها في الدولة الإفريقية.

هذا الانسحاب يعتبر الثاني لباريس، الذي سبقه انسحاب قواتها وشركائها من قاعدتها العسكرية في مدينة غاو بمالي، يوم 15 آب/أغسطس 2022 ضمن عمليتها العسكرية “برخان” في الساحل الإفريقي بعد تأزم علاقتها مع مالي.

بعد عملية سيرفل التي أطلقتها باريس في 2013 لدعم القوات المالية، ومكافحتها لتنظيم “داعش” الإرهابي، و”القاعدة” وغيرهم، أعقبتها عملية “برخان” التي قادتها باريس بالشراكة مع خمس دول من منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، وهي مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا وبوركينا فاسو، وبقوة عسكرية وصلت لـ 5500 جندي فرنسي خُفّضت إلى النصف تقريبا في عام 2021.

توتر العلاقات

الباحث المتخصص في القضايا الإفريقية الدكتور محمد حسان عبد الكريم، يعزز خلال حديثه لـ”الحل نت” أسباب توتر العلاقات بين باريس وباماكو إلى التمدد الروسي عبر ذراعه العسكري من قوات “فاغنر”، ونجاح موسكو إيجاد موطئ قدم لها في منطقة الساحل الإفريقي.

التواجد الروسي يهدد المصالح الاقتصادية الغربية، بحسب عبد الكريم، ويعزز الصراع بين التكتلات الجهادية من طرف، والمجموعات الانفصالية من طرف آخر، لا سيما في شمال مالي، ويتجه به إلى كارثة خطيرة بعد أن بات الإرهاب عابرا للحدود فيها.

عبد الكريم، ينوه إلى الرعب الذي يسود المنطقة، وتربص تنظيم “داعش” و”القاعدة” بفرصة الانسحاب الفرنسي الكامل من مالي، لملىئ الفراغ الفرنسي، فالتنظيم يتمدد بشكل مخيف لاسيما في الصحراء الكبرى، وهو يرتكب جرائم بشعة بحق المدنيين، وفق تعبيره.

قد يهمك: الإرهاب في إفريقيا.. صعود للجماعات المتطرفة والجهادية القادمة من أفغانستان؟

 أكثر من 60 ألف مدني نزحوا خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي، بحسب إحصاءات الأمم المتحدة من تلك المناطق، وذلك لخوفهم من تقدم التنظيم، بحسب عبد الكريم.

مُحَذّرا في الوقت ذاته من ارتفاع أعداد النازحين بوتيرة أكبر بعد انسحاب باريس الكامل، ويشير إلى أن “داعش” بعودته، سيكون أكثر دموية مما عرفناه، وق تعبيره.

“برخان” و”فاغنر”

في ظل تنامي المشاعر الشعبية المناهضة للتواجد الفرنسي في مالي، قررت باريس الانسحاب الجزئي شباط/فبراير 2022، بسبب توتر العلاقات مع السلطات العسكرية الانتقالية في باماكو، المتمثلة بالمجلس العسكري الذي طلب من القوات الفرنسية الرحيل واستبدالها بمجموعة “فاغنر” المدعومة من “الكرملين”، والتي بدورها تستغل حالة انعدام الأمان، وانتشار الفوضى لتوسع نفوذها في القارة الإفريقية.

الشركة الأمنية الروسية “فاغنر” تثير الكثير من الجدل، والقلق على الصعيد الدولي فهم عبارة عن مرتزقة، كشفت تقارير استخباراتية بضلوعهم في جرائم الحرب في ليبيا، وأوكرانيا وسوريا وحتى في إفريقيا، بحسب عبد الكريم.

عمل المجلس العسكري المالي مع “فاغنر” الروسية، وفق عبد الكريم، سيشكل ضربة قاضية لـ “اتفاقية السلام” في إفريقيا الوسطى التي أُبرمت في شباط\ فبراير 2019، في العاصمة السودانية الخرطوم، بمبادرة من الاتحاد الإفريقي بين الحكومة المالية والمجموعات المسلحة.

الاتفاقية ساهمت في الحد من العنف، وساهمت في إعادة نشر قوات الأمن والدفاع، واعتماد تنفيذ مشاريع منصوص عليها في صفقة السلام، والمصالحة إلى جانب إلزام المجموعة المسلحة بمنعها ارتكاب انتهاكات بحق الأطفال.

عملية “برخان” بين الفشل والنجاح

صحيفة “لاكروا” الفرنسية، كشفت في مقال سابق لها بعنوان “نهاية عملية برخان… هل ينهي الوجود الفرنسي في الساحل الإفريقي” أن هشاشة الموقف الأميركي المتمثل بالرئيس الأميركي جو بايدن، وإيقافه المساعدات الأميركية التي كانت تقدم ثلث الميزانية للعملية الفرنسية كانت أهم أسباب فشل برخان.

وقالت الصحيفة إن دول الساحل المتحالفة مع فرنسا في حربها ضد الإرهاب، كبوركينا فاسو والنيجر، عارضتا القرار الفرنسي بالانسحاب، لضعف قواتها في مواجهة خطر المجموعات الجهادية لوحدها.

اقرأ أيضا: من شرق القارة السمراء إلى غربها.. الإرهاب يتصاعد عبر إفريقيا؟

في المقابل يرى الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية عبد الرحمن محمد، خلال حديثه لـ”الحل نت”، إن “عملية برخان حققت العديد من مهامها طوال مدة بقاء قواتها في البلد الإفريقي، وتمركزت في مناطق استراتيجية فيه، ووجهت ضربات قاسمة للجهاديين كان أكثرها قوة في بوركينا فاسو شمال مالي شهر شباط/ فبراير 2022، وقتلت خمسين جهاديا وثلاثين آخرين في منطقة ليبتاكو الواقعة على الحدود بين مالي وبوركينا فاسو” بحسب تعبيره.

تداعيات الانسحاب الفرنسي

الصحفي الصومالي المتخصص في الشؤون الإفريقية عبد المنعم خليل أبو إدريس، يقول في حديثه لـ”الحل نت”، بإن “رحيل القوات الفرنسية عن الساحل الإفريقي، لها تداعيات مرعبة على مالي”.

 فرنسا لن تقف مكتوفة الأيادي بعد انسحابها من الساحل الإفريقي الذي يشعرها بالفشل والذل أمام النفوذ الروسي، بحسب أبو إدريس خاصة وأن باماكو اتهمت باريس، بدعمها للمجموعات الإرهابية في مالي، وكذلك بارتكابها انتهاكات حرب، ودعت مالي مجلس الأمن لاجتماع طارئ أواخر شهر آب/أغسطس من العام الماضي، وكانت مستقوية حينها بحليفتها الجديدة روسيا، وفق تعبيره.

أبو إدريس، يشير إلى “ضلوع فرنسا بدعم الجماعات الإرهابية، وقد تنشط في تقديم الدعم اللوجستي لهذه الجماعات بشكل أكبر بعد انسحابها، فيصبح الساحل الإفريقي ساحة حرب مفتوحة بين النفوذين الفرنسي والروسي وسيصعد نحو مزيد من العنف والإرهاب” على حد قوله.

الانسحاب الفرنسي سيصعد من حالة تدهور البيئة الأمنية الإقليمية، بحسب عبد الرحمن محمد، والتي ستمهد بدورها للتنظيمات الجهادية فرصة تنفس الصعداء من جديد، ومحاولات مضاعفة ومكثفة من هذه التكتلات المتطرفة المتمثلة بـ”داعش”، لإعادة بناء أمجاد دولة الخلافة المزعومة مجددا ليس فقط في مالي بل في عموم القارة السمراء، على حد تعبيره

 الانسحاب الفرنسي والتواجد الروسي عبر شركته “فاغنر”، سيعبّد الطريق لتمدد المجموعات المسلحة المتشددة عبر الحدود الهشة، التي تستغل النزعة القومية والدينية، وستضرب كل جهود السلام لبعض الجهات النافذة والأممية في الملف الإفريقي، وفق محمد.

محمد ينوه إلى قلق حكومات الدول الإفريقية من حصول تنظيم “داعش” على أسلحة متقدمة خلال الهجمات التي كان يشنها على مراكز انتشار عملية “برخان “واستخدامه ضد المدنيين، ويشير إلى “امتلاك التنظيم خبرة كبيرة في صناعة الأسلحة حتى الكيماوية منها”.

في ذات السياق أفاد خبراء أمميون باستخدام تنظيم” داعش” أسلحة محرمة دوليا خلال فترة تواجده في المناطق التي سيطر عليها سابقا.

موقع “سكاي نيوز عربية” تناول تقرير الخبراء الذي نوقش في مجلس الأمن في كانون الأول/ديسمبر 2022، حيث جاء في التقرير أن تنظيم “داعش” صنع وأنتج صواريخ، ومدافع هاون كيميائية، وذخائر كيميائية للقنابل الصاروخية ورؤوس حربية كيميائية، وأجهزة متفجرة كيميائية يدوية الصنع.

الساحل الإفريقي ساحة للتنافس الدولي

حالة الفوضى في منطقة الساحل الإفريقي تتصاعد مع حدة الهجمات الإرهابية، وانعدام الأمان سيفاقم موجات الهجرة، وخطورتها على المجتمعات الغربية وهي تشكل ورقة ضغط للاتحاد الأوروبي، ولحلف “الناتو” بحسب حديث الصحفي المتخصص في الشؤون الدولية محمد أسامة الدليل، لـ”الحل نت”.

حول التنافس الدولي في الساحل الإفريقي الذي سيخلفه الانسحاب الفرنسي، حيث تجده بعض الدول فرصة ذهبية لتضاعف من استثماراتها، وفق الدليل، إذ إن الصين تستثمر من خلال مبادرة “الحزام والطريق” وتدشن مشاريع عملاقة في مجال البنى التحتية، بينما روسيا تعزز حضورها العسكري عبر تزويدها حكومة مالي بشحنات عسكرية، وأنظمة رادارات ومقاتلات حربية في محاولة منها مواجهة الوجود الأوروبي في الجنوب الإفريقي.

بينما تركيا تتشبث بمشاريعها الاقتصادية، بحسب الدليل، وتتمدد عبر حصولها على صفقات تخص استثمار الطاقة والبناء.

الانسحاب الفرنسي ترك وراءه حكومات إفريقية هشة، تعاني الأمرّين أمام مواجهة تحديات جمة وتصاعد في معدل الإرهاب، ما يفتح الباب أمام عودة تنظيم “داعش” الذي يسعى لإعلان دولته في إفريقيا، بعد انهيارها في سوريا والعراق، ويبدو أن الفراغ الفرنسي الذي سيولد موجات عنف جديدة قد يشنها التنظيم والتكتلات الجهادية المتطرفة الأخرى في تلك المناطق التي باتت في مرمى الإرهاب، فرصة لن يفوتها “داعش”، والذي ستشكل عملياته الإرهابية، عقدة المنشار أمام جهود إحلال السلام في الجمهوريات الإفريقية الضعيفة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة