خلال السنوات الماضية، تعرّضت الدراما السورية لانتكاسات متعددة، بسبب الحرب من ناحية، والاختلاف في المواقف السياسية بين الفنانين السوريين أنفسهم من ناحية أخرى، مما ساعد وحفّز على ظهور ما يسمى بـ “الأعمال الفنية المشتركة” أو”بان آراب” التي تجمع بين فنانين سوريين وآخرين من جنسيات عربية أخرى.

إذ استقطبت المواسم الرمضانية خلال السنوات الماضية العديد من الأعمال الدرامية المشتركة، لا سيما المسلسلات السورية-اللبنانية والسورية-المصرية، لكن منذ موسم دراما رمضان 2022 الماضي بدأ حجم الأعمال المشتركة يتقلص وقد اقتصر خلال دراما رمضان الماضي على عمليين يتيمين، وخلال موسم دراما رمضان 2023 الحالي على 3 أعمال فقط.

خلال الموسمين الرمضانيين الفائت والحالي بلغ عدد أعمال الدراما السورية أكثر من 20 عملا، على الرغم من إنتاجها في ظروف معيشية واقتصادية صعبة للغاية. واللافت أن الدراما المشتركة لم تأخذ صدى واسع خلال الموسم الفائت والحال خلال هذا الموسم لا يزال محل ترقب.

من هذا المنطلق، وخاصة منذ بدء الموسم الدرامي الرمضاني الحالي 2023 بعرض حلقاته الأولى، كان من الضروري إبراز أهم الأعمال المشتركة خلال هذا العام وعرض تساؤلات حول آراء الفنانين ونقّاد الدراما والمشاهدين العرب والسوريين على وجه التحديد.

3 أعمال مشتركة

نحو ذلك، تتواجد الدراما المشتركة هذا الموسم بثلاثة أعمال، حيث تغيب روح المنافسة بين عدد من النجوم والنجمات. الثنائي الفنان السوري قصي خولي والفنانة اللبنانية نادين نسيب نجيم، يعودان هذا الموسم بعمل جديد يحمل عنوان “وأخيراً”، من تأليف وإخراج أسامة عبيد الناصر وإنتاج شركة “الصباح”.

العمل يأتي في إطار دراما رومانسية لا يخلو من الإثارة والأكشن، لكن الجمهور اعتادوا على هذا النوع مرارا ويبدو أنه لن يقدم شيئا جديدا لهم.

هذا العام سيحضر مسلسل “للموت” موسم ثالث رغم الانتقادات الشديدة للجزئين الماضيين. وهو من تأليف نادين جابر وإخراج فيليب أسمر وإنتاج “إيجل فيلمز” المنتج جمال سنّان. وتكمل قصة بطلتيه سحر وجدان، وتدور أحداثها حول خداع الرجال وسرقة أموالهم. ويقول القائمين على العمل إن الجزء الثالث يدور أحداثه في إطار درامي تشويقي مع الكثير من مشاهد الأكشن على غرار الجزء الأول والثاني، الذي تعرّضا لانتقادات عديدة سواءً على مستوى الحكاية أو الأداء.

المسلسل من بطولة الفنانتين اللبنانيتين ماغي أبو غصن ودانييلا رحمة، بالإضافة إلى عدد كبير من الممثلين السوريين، منهم، فايز قزق ومهيار خضور ويامن الحجلي.

لكن الآمال يبدو أنها تتعلق بمسلسل “النار بالنار”، بطولة الفنانين السوريين عابد فهد وكاريس بشار والفنان اللبناني جورج خباز، حيث يحمل العمل الكثير وقد يعيد المنافسة بين المسلسلات الدرامية المشتركة التي تجمع النجوم السوريين واللبنانيين.

قد يهمك: قصي خولي ونادين نجيم إلى الواجهة.. لماذا لم يعتد الجمهور على “المشاهد الجريئة” بعد؟ – الحل نت 

هذا ويُعد العمل استثنائيا لكونه يروي الحكاية والعلاقة التاريخية التي تجمع بين سوريا ولبنان، سواء بطرق معبّدة أو غير معبّدة، ووعرة وشائكة عبر الجبال والأودية، كما يتناول العلاقات التي تربط بين الشعبين أدبيا وفنيا، وثقافيا، وجغرافيا وتاريخيا. كما ويتمحور حول وجود اللاجئين السوريين في لبنان، وتسليط الضوء على أوضاعهم المعيشية، وطبيعة علاقتهم باللبنانيين وما طرأ عليها من تحوّلات على مدار أكثر من 11 سنة.

المسلسل وفق ما يقوله القائمين إنه يقدّم قصة جديدة ويتناول مواضيع لم يجرِ تناولها سابقا من قبل الدراما المشتركة، السورية اللبنانية. والمسلسل من تأليف الكاتب السوري رامي كوسا، وإخراج السوري محمد عبد العزيز.

آراء متباينة

من وجهة نظر بعض الفنانين، فإن الأعمال الفنية الدرامية المشتركة في الوطن العربي فرضت نفسها على أرض الواقع، وأن هذه الأعمال صورة صحية وتفتح آفاقا جديدة لأن جمهورها أوسع وتصل إلى شريحة كبيرة من الجمهور العربي، وتكمن أهمية هذه الأعمال في أنها تُقرّب النجوم العرب بعضهم من البعض ولا تنحصر هويته ببلد وأنها تفتح أبواب الشهرة خارج حدود دولة واحدة، والتعرف على وجوه الدراما العربية من مختلف البلدان، ويخوّل الممثل لاكتساب خبرات جديدة.

إلا أن العديد من كتاب الدراما والنقاد، يجدون أن الدراما المشتركة لم تُثبت نفسها، وأنه فقط عرض لوجه الشابة الجميلة، ودليل على ذلك، هو حضور نجم سوري شاب ووسيم برفقة نجمة لبنانية فاتنة، وللحقيقة أغلب هذه النجمات هنّ ملكات جمال لبنان سابقا، وليسوا بفنانات، وبالتالي هذا يقود الحديث بأن منتجي الدراما باتوا يستثمرون بالدراما عبر إبراز هذه الوجوه وليس لإظهار الدراما والفن ومشاكل وهموم شعوب المجتمع العربي ككل.

النّقاد يرون أنه نتيجة للأزمة السورية باتت ما تعرف بالدراما المشتركة تشهد انتعاشا، لكن في الواقع هذه الأعمال أخذت طابعا تجاريا أكثر من كونه عملا فنيا، وشركات الإنتاج لا شك أن هدفها وميولها الأساسي هو جذب المزيد من المشاهدين، وليس تحقيق وإيصال رسالة ما، أي أن المنتج يُعتبر مجرد رأس مال أو “تاجر” إن صح القول، بالإضافة لبعض الفنانين الذين لا يملكون مشروعا فنيا حقيقيا، بل أساسا لا يملكون مواهب وخبرات أكثر من كونهم وسيمين.

هذا ويبدو أنه ما عاد الموقف النقدي الأكاديمي يستطيع التصدي لماكينة المال والنفوذ والارتباط بدوائر عملاقة تمنح أصحاب القرار فرصة فرض ما يريدونه وإنجاحه إعلاميا وترويجيا، فيما في المقابل يتعرض أصحاب الموقف النقدي للذوبان والانصهار في بوتقة أكبر قادرة على إسالة القواعد والقيمة المهنية. بمعنى آخر فإن الدراما المشتركة تبدو ضحية “ماكينة المال والنفوذ”.

صور نمطية

إن الدراما المشتركة وضعت خلال السنوات الماضية صورة نمطية، فصدّرت صورة المرأة اللبنانية الجميلة، والسوري المليء بالرجولة أو حتى الذكورية، وأنها لم ترتقِ إلى معالجة وسرد الهموم الحقيقية لمجتمعات المنطقة وظلت أسيرة القصور الفخمة وقصص الحب الرومانسية، وهو الأمر الذي قاد هذه الأعمال المشتركة إلى الفشل وانحسار جمهوره تدريجيا.

المشاهدون من جانبهم يرون أنه رغم ظروف الحرب وجائحة “كوفيد-19” والزلزال المدمّر الأخيرة الذي ضرب سوريا، غير أن الدراما السورية ما زالت قوية وقادرة لأن تكون في الصفوف الأولى في سباق الدراما الرمضانية، سواء الماضي أو الحالي والأعمال الدرامية السورية تستحق المشاهدة أكثر من المشتركة، ذلك لأنها تعبّر عن الثقافة والمشاكل السورية الخالصة والتي تكون بها خصوصية ومتعة خاصة ومرشحة للحصول على إعجاب الجمهور أكثر من المشتركة بسبب محتواها القوي والملهم.

أما الدراما المشتركة، حسب رؤية بعض المشاهدين، فإنها تفتقر إلى الحبكة الدرامية وترابط مشاكل الشعوب فيما بينها، فضلا عن أدوار الممثلين فيها، الذين باتوا كلوحة فنية أو كقطعة جمالية تتحرك على الشاشات وإبراز مفاتنهم وجمالهم وليس لإبراز مشاكل وحكايات مجتمع ما. وأغلب أدوار البطولة باتت تذهب لأكثر الممثلين جمالا وليس الذين يملكون موهبة فنية، يحترفون في إيصال الرسائل للمشاهد، خاصة وكما يقولون أن “الفن رسالة” وليس استعراضا.

كذلك، يرى المشاهد السوري أن الأعمال الدرامية المشتركة “سطحية ولا يقدم لهم أي مغزى أو قيمة لثقافتهم وفهمهم للواقع”، خاصة وأن الأعمال بعيدة عن واقعهم الحالي، إذ إن الأعمال بها نوع من الرخاء والعيش في قصور ويركبون سيارات فارهة، بينما السوري لا يكاد يمر يومه بشق الأنفس، حيث غياب الكهرباء والمواصلات، والحرب الدائرة منذ أكثر من 10 سنوات.

في المحصلة، يبدو أن الدراما المشتركة لم تحظَ ببصمة خاصة لدى الجمهور وتحديدا السوري، والشركات المنتجة لها لم تكن سوى “تجار” ومروّجين لأعمالهم، وأن هذه الأعمال لم تكن سوى مجرد بالونات منتفخة من الخارج وفارغة المضمون والنوع من الداخل، ولا يشبه الجمهور العربي يبدو.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.