على خلفية الحديث المستمر منذ نحو شهر عن وجود انقسام داخل الائتلاف الحاكم في المغرب، الذي يقوده حزب “التجمع الوطني للأحرار”، تصاعدت الخلافات داخل الائتلاف بسبب مطالبة حزب “الأصالة والمعاصرة” الذي يمثل ثاني حزب حكومي، رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بإجراء حوار جاد مع وزراء الحزب الذين يعتقدون أن هناك إهمالا يطالهم من قبل الرئيس، ما فتح الباب على تكهنات عدة حول مصير الائتلاف، والحكومة.

الخلافات برزت إلى الواجهة بشكل صريح، عندما أبدى وزراء “الأصالة والمعاصرة”، غضبهم وانزعاجهم بشكل كبير، خلال اجتماع المكتب السياسي لحزبهم الذي عُقد الأربعاء الماضي، وذلك نتيجة ما وصوفه بـ استهتار” الرئيس أخنوش، إزاء الملفات التي يقدّمونها إليه، أو الإشكالات التي يطرحونها عليه، وتتطلب منه تدخلات، بالمقارنة مع وزراء من “التجمع الوطني للأحرار”، أو ملفات قطاعات يتحمل مسؤوليتها وزراء من حزبه.


بيد أنه على الرغم من ذلك، دعا المكتب السياسي لـ”الأصالة والمعاصرة “، في بيان أصدره الخميس الماضي، رئيس الحكومة إلى تكثيف التواصل الداخلي الناجع بين القطاعات الحكومية، وكذلك الحوار الفعال مع وزراء الحزب، وأهمية التواصل الداخلي بين أعضاء الحكومة في تسريع تطبيق الورش الإصلاحية، وذلك في الوقت الذي تشهد فيه صفوف الأغلبية الحكومية انقساما، ومشكلات بين الوزراء.

تحديات سياسية تهدد مصير الحكومة المغربية

هذه الخلافات المتنامية داخل الائتلاف الحاكم، تأتي ليهدّد حكومة الرئيس أخنوش الذي كُلّف من قبل العاهل المغربي الملك محمد السادس، في 10 أيلول/سبتمبر 2020، بتشكيلها، بعدما تصدر حزبه “التجمع الوطني للأحرار”، نتائج الانتخابات البرلمانية بحصوله على 102 مقعد من أصل 395 في “مجلس النواب”، متبوعا بحزبي “الأصالة والمعاصرة” 86 مقعدا، و”الاستقلال” 81 مقعدا.

بناء على ذلك، فإن نجاح الرئيس أخنوش، الذي نجح في خلق واقع سياسي قائم على ثلاثة أحزاب (التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال) يحظى بأغلبية “البرلمان”، ضمن لحكومته أريحية كبيرة في ممارسة أعمالها، لم يسبق وحظيت بها حكومة سابقة منذ دستور “الربيع العربي” في عام 2011؛ بات مهددا في الوقت الحالي، حيث يمكن أن تؤدي تلك الخلافات إلى انفراط الائتلاف، أو أبعد من ذلك، ما يمسّ استقرار الحكومة.

إن هذا التهديد الذي يواجه مصير الائتلاف الحاكم واستقرار حكومة أخنوش، لا يقتصر على ذلك فقط، بل يمتد إلى ما يمكن أن يزعزع استقرار المغرب برمته، بالنظر إلى الاتفاق السياسي ما بين مكونات الائتلاف الحاكم، الذي شمل التنسيق لتكوين أغلبية داخل “البرلمان”، وتقاسم رئاسة مجالس المدن والأقاليم والجهات. 

وسط ذلك، اعتبر رئيس مركز “شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية” رشيد لزرق، أن التضارب الحاصل بين الحزبين يمكن تفسيره بمحاولة استباق التعديل الحكومي، والتموضع أكثر داخل الحكومة، أكثر منه تضاربا حول برنامج أو رؤية سياسية لدى هذا الحزب أو ذاك.

لزرق وفي حديث لموقع “الحل نت”، قال إن “هذا التضارب يأتي في إطار المزايدات، خصوصا أن حزب الأصالة والمعاصرة لا يملك إرادة سياسية من أجل الخروج من الحكومة”، لافتا إلى أن كل طرف في الأغلبية الحكومية يحاول أن يتموضع أكثر في قطاعات استراتيجية أهم، وهذا من سلبيات الحكومات الائتلافية.

تضارب سياسي واستباق لتعديل حكومي

فيما أوضح، أنه من المفترض أن يكون هناك تنسيق بين أحزاب الأغلبية والحكومة من الناحية السياسية، أما من الناحية الحكومية، فهناك مجلس حكومي يفترض أن يشكل فضاء للتواصل، مضيفا، أن رئيس الحكومة هو المسؤول الأول عن توحيد الاستراتيجية في جميع القطاعات الحكومية. ولذلك، فإن ما يقع هو تضارب سياسي، واستباق لمحطة التعديل الحكومي”.

رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش يتوسط قادة الائتلاف الحاكم/ إنترنت + وكالات

 في حين فسّر مراقبون، أن موقف حزب “الأصالة والمعاصرة” وما صدر عنه من بيان يدعو فيه الرئيس أخنوش إلى ضرورة تكثيف التواصل، هو مؤشر على وجود خلافات حادة بين مكونات الائتلاف، دفعت الحزب إلى إصدار موقف علني، وهو ما يهدد وحدة الائتلاف والأغلبية الحكومية.

إن هذه التهديدات التي تواجهها الأغلبية الحاكمة في المغرب، تنذر بسيناريوهات خطرة تهدد استقرار الدولة بشكل عام، وذلك بالنظر إلى أن ائتلاف الأغلبية لا يقتصر على تشكيل الحكومة، بل جاء ليشمل العمل داخل “البرلمان”، وتقاسم كل مفاصل الدولة، وهو ما يعني أن أي هزة يمكن أن يواجهها هذا الائتلاف، يعني أنها يمكن أن تطال كل مفاصل الدولة.

ذلك كله يأتي، بعد أن حاولت أحزاب الائتلاف الحكومي تأمين تحالفها بتوقيع “ميثاق الأغلبية”، في 6 كانون الأول/ديسمبر 2021، كإطار مؤسساتي وأخلاقي وسياسي، ومرجع يحدد وينسق ويوحد أساليب العمل والتعاون بين مختلف المؤسسات الحكومية والبرلمانية، بما يتيح توطيد وتعميق الانسجام بين مكونات الأغلبية.

الأغلبية الحاكمة، كانت على مدار سنة ونصف السنة من عمر حكومة عزيز أخنوش المشكّلة عن طريق الائتلاف، حرصت باستمرار على إعلان انسجامها والتزامها بمواصلة تطبيق برامجها، وهو ما بدا واضحا خلال آخر اجتماع للأغلبية الحكومية جرى في 14 نيسان/أبريل الماضي.

تماسك هش؟

حيث أجمعت الأحزاب الثلاثة حينها على أن الأغلبية الحكومية متماسكة، على الرغم من إرث المشاكل الثقيل، وأن الحكومة والأغلبية منسجمة، وتشكل قوة موحدة ومتشبّثة بالبرنامج الحكومي وبالتزاماتها مع المواطنين رغم الصعوبات، كما لديها إرادة قوية لمواجهة الإشكاليات.

العاهل المغربي الملك محمد السادس مع رئيس الحكومة عزيز أخنوش/ إنترنت + وكالات

لكن كل ذلك، لم يمنع ظهور علامات التصدع داخل الائتلاف الحاكم، ما أشار بأن الأغلبية الحاكمة في البلاد غير مستقرة وتعيش حالة من التهديد، خاصة بعد أن تسربت أخبار من داخل حزبي “الاستقلال” و”الأصالة والمعاصرة”، تفيد بأن قائد التحالف الحكومي يهيمن على حليفيه، ويعمل على تحجيم باقي مكونات الأغلبية الحكومية، والتضييق عليها.

جدير بالذكر، أن هذه المنغصات تتزامن مع ما يمر به المغاربة بوضع معيشي صعب، نتيجة تأثر الاقتصاد المغربي بعوامل عدة، حيث شهدت أسعار المواد الغذائية في المغرب تضخما غير مسبوق تجاوز في شباط/فبراير الماضي 20 بالمئة لأول مرة في تاريخ البلاد، وذلك في الوقت الذي بلغ فيه معدل التضخم 10 بالمئة، ما دفع “البنك المركزي” المغربي إلى رفع أسعار الفائدة 3 مرات على التوالي، كان آخرها بنصف نقطة مئوية في آذار/مارس الماضي، ليصل إلى 3 بالمئة، وهو ما قد يضاعف من حجم الأزمة في حال عدم السيطرة عليها.

استنادا لهذه المعطيات، فإن ما تعيشه المغرب في الوقت الحالي، ما هو إلا مقدمة لصراع سياسي قد يتجلى في المراحل القادمة، بعد أن تتأكد أطراف الائتلاف الحاكم، بأنه لا طريق إلى التكافل، الأمر الذي قد يدفع حزبي “الاستقلال” و”الأصالة والمعاصرة” إلى تشكيل جبهة موحدة ضد حكومة أخنوش، التي ستكون في موضع تهديد مستمر من الاستجوابات النيابية التي يمكن أن يفعلها خصومها ضدها، وغيرها من المعرقلات التي يمكن أن تواجه أنشطتها، الأمر الذي يمكن أن ينعكس على العملية السياسية برمتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات