ريما نعيسة.. شامية الهوى لكنها ابنة البحر، تبلغ من العمر 30 عاما وزهاء عقد من الإبداع، منذ صغرها أقسمت أن تجلس داخل التلفزيون، وهي اليوم في قلب الحلم.

نعيسة إعلامية سورية بارزة، وهي اليوم أفضل إعلاميات بلاد الياسمين في الإعلام العراقي، انصهرت سريعا فيه، لكن عينها كانت على “الشرقية”، فنالت “درجة الدكتوراه” في الإعلام العراقي. 

“الحل نت” كان له وقفة ليسلط الضوء على محطات الفتاة الشامية في حوار خاص، وقالت في إجابة عن من هي ريما نعيسة غير ما يعرفه الجمهور عنها، إن الشغف يسيطر عليها.

“دائما ما يطرح عليّ هذا السؤال وأول كلمة تخطر ببالي عند سماعه هي الشغف. لا أدري كيف سيطر عليّ هذا الشعور في سن مبكرة”.

ريما نعيسة

“لهذا حملت مسؤولية كبرى، وكنت دائما أردد بيني وبين نفسي لن يكون مروري في هذا العالم مرور الكرام. إما أن أحقق شيئا عظيما أو لا شيء على الاطلاق. كنت قاسية مع ريما، ولا أزال. ريما هي فتاة شغوفة طموحة محبة لكل شيء في هذه الحياة”. 

ريما نعيسة والحرب

عاشت ريما نعيسة خيبات كثيرة قابلتها نجاحات أكثر منها. “أنا مزيج من تجارب إنسانية وعاطفية وعملية، وكل ما أنا عليه الآن هو بفضل ما عشته من طفولة ومراهقة، وما أعيشه حاليا في سنوات الشباب”.

تقول نعيسة حول ما تتذكره من أيام الطفولة، وكيف كانت الحياة آنذاك وكيف هي الحياة اليوم، إنها شامية الهوى حتى الجنون، لكنها ابنة البحر. ابنة مدينة اللاذقية التي تقع على البحر المتوسط. مدينة ساحرة وهادئة.

“ذلك الهدوء جعلني أهرب منها إلى صخب العاصمة دمشق، حيث وجدت روحي تائهة بين جدران عتيقة في باب توما وباب شرقي. وجدت بعضا منها أيضا في خانات سوق الحميدية، وتارة أجدها تلهو مع حمامات ساحة المرجة”.

“ما هذا السؤال؟ لقد فتح أبوابا كانت مغلقة”، تقول ريما نعيسة، وتردف: “بالعودة لطفولتي وإن كان القصد هو المقارنة بين وضع سوريا اليوم ووضعها في الماضي، فالأمر مؤلم بالنسبة للذاكرة. يمكن أن أشبهه بطفلة بريئة وساحرة الجمال، اغتصبها أهلها؛ فشاخت وهي بعمر الزهور”.

قفزنا من الطفولة إلى عتبة الألم، حيث الحرب السورية، وكيف عاشتها الإعلامية التي تملك البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من “جامعة تشرين”، لتبيّن: “عشت سنين الحرب بطولها وعرضها”.

عندما غادرت ريما دمشق، كانت الأوضاع الأمنية مستقرة، فلا قذائف هاون ولا سيارات مفخخة ولا معارك على تخوم المدن. “كل يوم في الحرب كان بمثابة اختبار لإنسانيتنا”.

تقول نعيسة: “لطالما كنت أردد بيني وبين نفسي هل سأعتاد مشهد الدماء؟ كلا وألف كلا. قبل الحرب بسنوات كنت أسمع عن الحروب في نشرات الأخبار وكتب التاريخ والأفلام والوثائقيات، كان أبرزها سقوط بغداد”.

مشهد سقوط بغداد ظل عالقا في ذاكرة ريما نعيسة لغاية اليوم، وسبب لها نوعا من الهذيان، خاصة في سنوات الحرب السورية. 

“كنت خائفة جدا أن أشاهد دمشق بكل جبروتها تسقط هي الأخرى. صحيح أنها لم تسقط سقوط بغداد، لكن قُتل كل شيء فيها؛ فدمشق التي لم تكن تنام باتت مثل مدينة أشباح، كل شبابها يهربون منها”.

بداية حلم الإعلام

بعد الحرب -التي لم تنتهِ مأساتها- حانت لحظة وداع الحبيبة، هل تحن ريما لسوريا؟ هل تحلم بالعودة أم أن العودة محتمة لاحقا، مهما كانت ظروف الياسمين؟ 

“تركت دمشق نهاية العام 2018. لم تكن هي المرة الأولى التي ابتعدت عنها، فقد غادرتها سابقا مع أهلي، لكن ذلك التاريخ كان علامة فارقة في حياتي”.

ريما نعيسة – “الحل نت”

تقول نعيسة: “لا أحلم بالعودة للشام  أبدا، ولا أفكر بذلك. العودة إلى سوريا الآن بمثابة كابوس. سيطلقون عليّ الكثير من الأحكام، لكن هذا هو واقع الحال”.

وتردف: “الوطن هو بيئة حاضنة لطموحاتك وأفكارك وآلامك. بيئة تغذي الإبداع وتعطيك ألف سبب للبقاء. العلاقة بين الوطن والفرد علاقة قائمة على المنفعة المتبادلة، مثلها مثل كل العلاقات الإنسانية”.

إلى الإعلام، تخصص ريما نعيسة، هو حلم الطفولة عندما كانت تشاهد نشرات “بي بي سي” الإخبارية، وما جعلها أكثر حماسة أن والدها ابن المهنة، ماذا في جعبتها من حديث عن ذلك؟

“ما زلت أشعر أنه حلم وأنا الآن أعيش في قلب الحلم. أبي كانت حياته عبارة عن قنوات الأخبار من الجزيرة والعربية إلى سي إن إن وأخيرا بي بي سي المفضلة لديه. نعم كنت صغيرة جدا في ذلك الوقت، عمري لا يتجاوز 6 سنوات”.

“كنت أتسمر أمام شاشة التلفزيون، تحديدا نشرات الأخبار باللغة الإنجليزية التي لم تكن مفهومة بالنسبة لي وقتذاك. كنت دائما أقسم لنفسي أنني سأجلس داخل هذا التلفزيون يوما ما وليس أمامه. وهذا ما حصل فعلا. لكن الطموح لم يتوقف هنا”.

بدأت نعيسة رحلتها مع مهنة المتاعب في الكتابة الصحفية ثم الإعلام المرئي، وهنا تتحدّث ابنة البحر المحبة للصخب، عن بدايتها في العمل، وميزة الصحافة عن الإعلام.

أول تجربة كتابة لها، كانت حينها بعمر الـ 14. نشرَت خاطرة على موقع “الحوار المتمدن” تحت عنوان “خاطرة حزني السنوية”، لكن رحلتها مع الصحافة المكتوبة، بدأت وهي في الجامعة، عندما دخلت في دورة لتحرير الأخبار والتقارير عند إحدى المواقع الإلكترونية الخاصة بسوريا.

الشغف يسيطر على نعيسة وطموحاتها لا تتوقف، وتحن لبغداد كما لدمشق

“من تلك الدورة انطلقت للكتابة في ملحق شباب السفير ومنها، إلى جريدة السفير بكل عراقتها وثقلها وتاريخها. كنت فخورة بنفسي جدا وبهذه التجربة، ومنها انطلقت إلى مواقع وجرائد أخرى، وبعدها انتقلت من الورق إلى أثير الإذاعة، وكانت أروع التجارب وأجملها”.

تقول ريما نعيسة: “أحب الصحافة المكتوبة وأحب الإعلام المرئي. لكل منهما ما يميزه عن الآخر، وكل منهما يرتبط بالآخر؛ فالكلمة تكتسب روحا عندما تنطق، والصوت بحاجة لمفردات منتقاة كي يصبح عذبا”.

“بغداد تشبه دمشق”

سألنا مقدمة برنامج “مانشيت أحمر” عبر شاشة “الشرقية” حاليا، والتي تطمح بتكملة المشوار الأكاديمي عبر الدراسات العليا، عن المكان الذي تحبه وتجد نفسها فيه، إذاعة الأخبار أم تقديم البرامج، وهذه كانت إجابتها.

“الإنسان مهما كان عمله يجب أن يخوض جميع مراحله وميادينه. بدأت مذيعة في راديو، ثم ذهبت باتجاه التلفزيون وقدمت نشرات الأخبار وأنا الآن مقدمة برامج. ربما لاحقا تجدونني في الميدان مثلا. أحب كل فروع الإعلام وأتمنى أن أتقنها جميعها”.

عملت ريما نعيسة التي تعيش في العراق منذ قرابة 4 أعوام، في عدة محطات عراقية، والآن هي في “الشرقية”، سألناها أي المحطات هي الأهم لها، فماذا كانت الإجابة؟

ريما نعيسة

“سأقول سرا خطيرا. منذ أن دخلت الإعلام العراقي وعيني كانت على الشرقية. الشرقية فريدة وتجربة إعلامية يجب أن تدرس كنموذج للقنوات المحلية الرصينة، والتي استطاعت أن تحجز لنفسها مكانا مهما ومتقدما مع القنوات العربية”.

“الشرقية كبيرة بكل ما فيها بتجربتها وعملها ومهنيتها. أنا فخورة أنني أعمل فيها الآن، فهي بالتالي قطعاً الأهم لدي. ولا أبالغ لو قلت إن الشرقية هي درجة الدكتوراه في الإعلام العراقي”. 

عاشت نعيسة بحكم العمل في بغداد واليوم في أربيل، فأي المدينتين لامست روحها أكثر؟ هذا السؤال جعلها تصف مدينة “المنصور” بكل الكلمات الحلوة؛ رغم مرارتها؛ بسبب واقعها الذي لا يختلف عن دمشق. 

تقول: “قطعا بغداد لامست روحي وكانت الأقرب إلي. بغداد مدينة مجنونة وصاخبة. غنية وفقيرة. شابة وعجوز بنفس الوقت. مدينة تشبه دمشق بتناقضاتها الغريبة. ورغم كل ما بها من بؤس وعوز وتعب، إلا أنك لا تشعر بالغربة فيها. أحن إلى بغداد كما أحن لدمشق”.

تتحدث ريما نعيسة كثيرا عن العراق، ولذا كان لا بد من سؤالها كيف تنظر إلى تلك البلاد والجمهور العراقي؟ فأجابت بمحبة عن البلاد، فيما وصفت الجمهور بدقة قد لا تعجب الكثيرين؛ لأن الحقيقة غير مرغوبة أحيانا. 

“لم أعد أشعر أن هناك فجوة بيني وبين العراق والعراقيين. تماهيت مع البلد إلى الحد الذي صرت أنظر إليه كما أنظر إلى سوريا”، هكذا تقول ريما نعيسة.

عن الجمهور العراقي، تسرد بأنه رغم من كل ما يملكه من محبة وعفوية، إلا أنها تكاد تجزم كونه أكثر الشعوب تنمرا، وتردف بأن الكلمة اللطيفة تنقذ الروح وتداويها، وعلى الجميع الانتباه لكلماته بعناية شديدة. المهم العراقي متل السوري بحسبها، “ما بيعجبه العجب!”.

ريما نعيسة و”بندق” الروح

لكل إنسان أحلامه وطموحاته، وطموح ريما نعيسة لا يتوقف، فالحياة عبارة عن محطات”، على حد تعبيرها.

عاشت الإعلامية الدمشقية وإن لم تكن مدينة الولادة، في الشام أغلب الفترات، وفي الأردن لمدة قصيرة، واليوم في بلاد الرافدين، وعن تلك البلدان تقول: “الشام هي الهوى الأول. الأردن جارة دمشق. العراق وطني الثاني”.  

تحب ريما ابنة برج “الميزان” القراءة كثيرا، ومشاهدة الأفلام وتقضي وقتا طويلا مع “بندق” الروح الذي يشاركها تفاصيل يومها.

لا يوجد شيء محدد يمتعها. الحياة دائما مدهشة وتعطي أسبابا للمتعة والسعادة. “قد تجد المتعة والسعادة في قهوة مثلجة ممزوجة مع الفستق أو ابتسامة من صديق أو ثناء من العمل”.

كان ولا يزال “بندق” يلفت الأنظار صوب ريما، حتى بات يلاصق حياتها، فلا تمر 3 أيام كأقصى حد دون أن تنشر قصة “ستوري” عنه، ما دفعنا لسؤالنا عنه، وكيف تعرفت عليه، وماذا يعني لها؟

ريما و”بندق” – “الحل نت”

“بندق هو روح البيت. أضاف الكثير لإنسانيتي وعلّمني عواطف لم اختبرها من قبل، ولغة تواصل لم أكن أعرف أنها موجودة فعلا. تعرفت عليه بالكوفي شوب، وقررت أن أتبناه قبل عامين. كان عمره شهرين فقط”.

في حياة ريما نعيسة، كاظم الساهر هو المطرب رقم واحد عندها، وصوته يرافقها في معظم ما تنشره عبر “ستوري” منصة “إنستجرام”، فهل من آخرين تستمع لهم؟

تقول: “أحب الأغاني القديمة فقط. أم كلثوم وعبد الحليم وصباح فخري وميادة الحناوي ووردة  وماجدة الرومي. وأيضاً أحب عمرو دياب ووائل كفروي. كانا المفضلين لدي في سنوات المراهقة”.

تلك كانت نظرة على محطات ريما نعيسة منذ الطفولة وإلى اليوم. تلك هي ريما بكل تجلياتها بين أرض الياسمين والاغتراب و”قلب الحلم”، والتي اختارت أن يكون مسك الختام بهذه العبارة: “حياتنا تشبهنا. فسروها كما شئتم”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.